لحظة مهمة من عمر الوطن
بقلم: عبدالمحسن سلامة
لأن ما يمر به العالم غير مسبوق، ولأن تحدي "كورونا" مازال قائما يحصد الأرواح بلا هوادة فى كل مكان، ويضرب اقتصاديات دول العالم فى مقتل، فإن هذه الأيام سوف تكون أياما لن تمحى بسهولة من ذاكرة التاريخ، ولحظات مهمة من عمر الأوطان.
فى مصر، استبقت الحكومة أزمة "كورونا"، وأخذت من الإجراءات ما كان ضروريا لمواجهة الأزمة في مهدها، ومن خلال هذه الإجراءات الاستباقية حافظت مصر على معدلات إصابة ووفيات متوسطة مقارنة بدول أخرى تجاوزت فيها حالات الوفيات عشرات الآلاف، وكسرت فى دول أخرى حاجز المائة ألف.
ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات خلال الأسبوعين الماضى، والحالى، ليس مفاجئا، ويجب ألا يكون صادما، لأنه وطبقا للمعايير العلمية كان متوقعا، وأكده وزير التعليم العالي، الدكتور خالد عبد الغفار، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى، يوم الخميس 21 مايو الموافق 28 رمضان، فى أثناء افتتاح مشروع بشاير الخير3 فى الإسكندرية.
خلال العرض أمام الرئيس أكد وزير التعليم العالى، أن الحكومة المصرية تعمل بشكل مؤسسى، وأن البيانات التى تصدر تعتمد على علوم البيانات، والبحث العلمى، ليس فقط على مستوي مصر، ولكن علي مستوى العالم من خلال التعاون مع العلماء المصريين فى الخارج، وتسخير كل الإمكانات، وتحليل البيانات، وصولا إلى صدور القرارات من رئيس مجلس الوزراء.
أوضح أنه لا يجب القلق من ارتفاع الإصابات بفيروس "كورونا"، فى مصر إلى ألف حالة يوميا، وأن هذا المعدل يدخل فى الحدود الآمنة حتى لو كان عدد الإصابات الفعلى يبلغ 5 أضعاف الأرقام المعلنة، لأنه وفقا للنموذج الافتراضى فإن عدد الاصابات الافتراضية يظل أيضا فى الحدود الآمنة.
توقع الوزير أن تصل الأرقام إلى ما يقرب من 40 ألف إصابة كحد أقصى فى مصر بعدها تنكسر موجة الفيروس ويتم تسجيل صفر حالات.
حتي الآن معدل الإصابة بفيروس "كورونا"، في مصر آمن، وكذلك معدل الوفيات وكلها تدور في المتوسطات المعقولة عالميا، إلا أن هناك من يحاول "تسييس" أزمة "كورونا"، رغم أنها أزمة عالمية، ولا تخص دولة بعينها، ولم تترك مكانا واحدا فى الكرة الأرضية إلا ووصلت إليه.
الرئيس عبد الفتاح السيسى حذر من محاولات التشكيك مؤكدا أهمية الوقوف معا فى هذه اللحظة المهمة من عمر الوطن، لأنها اللحظة التي تتطلب استمرار التكاتف والتضامن حتي يتم عبور هذه المحنة بسلام، والحفاظ علي ما تحقق من نجاحات.
الرئيس، كان حريصا طول الأزمة على "طمأنة" الشعب، لكنه في ذات الوقت يحذر من هؤلاء الذين يريدون "الصيد في الماء العكر" ويخلطون الأوراق فى محاولة خبيثة لبث روح اليأس والإحباط.
لا بديل الآن عن الوقوف صفا واحدا فى مواجهة الأزمة، ولابد من تكاتف الحكومة والشعب فى التصدى لمروجى الشائعات، وفى الوقت نفسه مواجهة "الجائحة" بكل قوة، فالأزمة ليست أزمة مصرية، وإنما هى أزمة عالمية، كما أنها ليست أزمة وزارة بعينها، وإنما لابد أن يتشارك الجميع في التصدى والمواجهة بدءا من الجهات الحكومية المعنية ومرورا بكل أبناء الوطن خاصة القادرين منهم ورجال الأعمال والجمعيات والمؤسسات الأهلية، وكل الجهات المعنية الأخرى، بحيث يقوم كل فرد بدوره داخل منزله، وداخل مكان عمله، وفى كل الأماكن المحيطة به.
أعتقد أن الأسبوعين المقبلين هما أكثر الأوقات حساسية وحسما لفيروس كورونا في مصر حيث إنه من المتوقع أن تصل مصر إلي ذروة الإصابات فيهما، لكن ما يطمئن أن هذه التقديرات كانت متوقعة، وتم طرحها قبل ظهورها في إطار ورقة العمل التي طرحها وزير التعليم العالى وتوقع فيها هذا السيناريو، وهو ما يؤكد أن الحكومة كانت مستعدة له وجاهزة للتعامل معه.
من هنا كان رد الفعل السريع من الحكومة بضم 320 مستشفي جديدا لقائمة المستشفيات التي تستقبل المصابين بفيروس كورونا فى الأسبوع الماضى من أجل استيعاب الزيادات التى كانت متوقعة في الأعداد، ولايزال هناك إمكان لعمل مستشفيات ميدانية، حيث استعدت هيئة الإمداد والتموين التابعة للقوات المسلحة، بتوفير مستشفيات تتسع لمئات المرضى، وهى مستشفيات متحركة يمكن إقامتها فى أى مكان إذا اقتضت الضرورة ذلك.
إلى جوار المستشفيات الميدانية هناك مخزون ضخم من سيارات الإسعاف، وأتوبيسات نقل المرضى، وكلها جاهزة للدخول إلى الخدمة طبقا لسيناريوهات الأزمة وتطوراتها.
منذ نحو شهرين، كانت الأمور تسير علي ما يرام في معدلات الإصابة والوفيات بفيروس "كورونا" في مصر، لكن الدولة لم تتعامل باسترخاء وأعدت كل البدائل المحتملة بعناية ودقة، واستعرضها الرئيس عبد الفتاح السيسى، يوم الثلاثاء الموافق 7 إبريل الماضى، فى الهايكستب، مؤكدا تكامل أجهزة الدولة المدنية والعسكرية فى مواجهة أزمة كورونا، وتضمن المشهد حينها اصطفاف عناصر ومعدات وأطقم القوات المسلحة المستعدة لمعاونة القطاع المدني فى الأزمة في ترجمة عملية لمفهوم الدولة الوطنية وتضافر جهود قواتها المسلحة مع أجهزتها المدنية لمواجهة كل الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة.
لم نكن نتخيل وقتها أن الموقف يقتضى إنشاء مستشفيات ميدانية أو الاستعدادات بكل هذه التجهيزات، لكن الدولة كانت يقظة واستعدت مبكرا لكل تلك السيناريوهات.
مشهد يوم 7 أبريل في الهايكستب الذى عرض السيناريوهات المستقبلية المقرونة بالاستعدادات العلمية يتكامل مع مشهد يوم 21 مايو في الإسكندرية في أثناء افتتاح بشاير الخير 3 والذى عرض فيه وزير التعليم العالى مشاهد الطفرة في الأعداد التى تحققت الآن.
المشهدان يتكاملان ويؤكدان أنه لا شيء متروك للعشوائية، وبالتالي لا داعي للفزع أو القلق أو الرعب الذي يحاول بعض أعداء الخارج والداخل وجماعات الشر نشرها فى نفوس المصريين تحت دعاوى شيطانية هدفها تسميم الأجواء، وإعادة سيناريوهات الفوضى.
أعتقد أن ظهور المقاول الفاشل مرة أخرى يؤكد أن هناك من يحاول استغلال الأزمة رغم أنها أزمة عالمية وليست أزمة مصرية، بل إن أعظم الدول لم تستطع مجابهتها بشكل كامل كما حدث فى أمريكا وإيطاليا وإسبانيا والصين وغيرها من دول العالم.
فى الولايات المتحدة الأمريكية.. الدولة العظمى فى العالم تجاوز عدد الوفيات رقم 100 ألف مما جعل حصيلة الوفيات تتجاوز وفيات الحرب الكورية وحروب فيتنام والعراق وأفغانستان، وتقترب من عدد ضحايا الأمريكيين فى الحرب العالمية الأولي، وضربت كورونا الصين وإيطاليا والبرازيل وإسبانيا وبريطانيا والكثير من دول العالم بعنف وحصدت أرواح عشرات الآلاف من الضحايا من تلك الدول.
من الطبيعي أن تكون هناك ملاحظات في التعامل مع أزمة كورونا في مصر لأنها أزمة غير مسبوقة وتفوق إمكانات أعظم الدول، وبالتالى فإن الملاحظات واردة وطبيعية، لكن أن يحاول البعض نشر روح الإحباط واليأس فهذا هو غير المقبول تماما، ويؤكد سوء النية، ومحاولة استغلال الأزمة فى أغراض أخرى.
الحكومة برئاسة الدكتور مصطفي مدبولى رئيس مجلس الوزراء، تبذل قصارى جهدها، وتعمل على مدي الساعة خلال الإجازات والأعياد، ولاتعرف الراحة طول الوقت، وفى الوقت نفسه تعهدت بتقديم الدعم والمساندة لجميع أفراد الأطقم الطبية لتيسير القيام بدورهم في تقديم الخدمة الطبية للمواطنين، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحل مشاكل تكليف الأطباء بما يؤدى إلي ضم 8 آلاف طبيب جديد فى مواجهة أزمة كورونا مما يسهم فى تخفيف الضغوط علي كاهل الطواقم الطبية الحالية، وزيادة القدرة على مد الخدمة إلى أكبر عدد من المصابين.
إجراءات مهمة وفعالة اتخذتها الحكومة بعد اجتماع الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء مع لجنة متابعة أزمة كورونا ثم اجتماعه مع نقيب الأطباء للتشديد علي التكاتف والوقوف صفا واحدا لتجاوز هذه المحنة التي يمر بها العالم كله.
على الجانب الآخر لا يمكن أن ننسي ما قامت بها الدولة المصرية من جهود في إعادة أبناء مصر العالقين بالخارج، حيث بلغ عدد العائدين حتى الآن أكثر من 25 ألف عالق، استقبلتهم الفنادق والمدن الجامعية، بعد أن عادوا علي متن 135 رحلة جوية خلال الفترة من 20 مارس حتي 21 مايو.
تمت هذه الرحلات بناء علي الطلبات المقدمة من المصريين بالخارج إلى السفارات المصرية بتلك الدول، ثم تم التنسيق بين الوزارات المعنية لنقل المصريين من الدول الأجنبية التي كانوا موجودين فيها فى ضوء معايير وإرشادات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.
يبقي بعد ذلك أهم عناصر مواجهة الأزمة، وهو الوعى وضرورة أن يتسلح كل المواطنين بالوعى ضد كل محاولات التشويه والوقيعة من جماعات الشر وأعداء الخارج والداخل، وفى الوقت نفسه ضرورة الالتزام بالمعايير والاشتراطات الاحترازية فى مواجهة الأزمة، وعدم التعامل باسترخاء فى مواجهه ذلك الوباء لتقليل مخاطر انتشار العدوى، والتقليل من الضغط على الجهاز الطبى والأطقم الطبية والحفاظ على كفاءة إدارة الأزمة حتى انتهائها قريبا إن شاء الله.