قصة السنوات الست.. ومرحلة ما بعد كورونا

بقلم عبدالمحسن سلامة
لم تكن السنوات الست الماضية رحلة سهلة أو ميسورة، ولم يكن الطريق خلالها مفروشا بالورود، لأن تلك السنوات أعقبت اندلاع ثورتين فى أقل من 3 سنوات، وما تبعهما من تداعيات محلية وإقليمية ودولية.
لم يكد يمر يوم قبل 2014 إلا بوقوع حادث إرهابى، أو على الأقل اندلاع أعمال فوضى وشغب وقطع طرق وحرق ممتلكات عامة أو خاصة فى هذه المنطقة أو تلك وصاحب ذلك انهيار كامل فى الخدمات وتدهور اقتصادى بشع كادت معه مصر تعلن إفلاسها.
تفاقمت أزمة الطاقة والوقود إلى أقصى حد، وكانت طوابير السيارات أمام محطات التموين ظاهرة يومية، والمشهد نفسه كان أمام مستودعات البوتاجاز بسبب النقص الحاد فى كميات الأسطوانات المقررة لكل مستودع.
انعكس ذلك على محطات توليد الكهرباء التى كانت تعانى مشكلات فنية ضخمة بسبب تهالكها، إلا أن أزمة نقص الوقود جعلتها تعمل بأقل من طاقتها الفعلية، وهو ما جعل انقطاع التيار الكهربائى عادة يومية متكررة فى كل مناطق الدولة بلا استثناء، وربما كان الفارق الوحيد بين منطقة وأخرى هو عدد ساعات الانقطاع.
الكثيرون اضطروا إلى شراء المولدات، ومع ذلك ظلت مشكلة نقص الوقود تطارد أحلامهم فى وجود التيار الكهربائى، لأن المولدات لا تعمل إلا بالوقود.
هرب المستثمرون فى قطاع البترول والغاز بسبب تراكم المديونيات الحكومية، وكادت عمليات التنقيب والبحث عن البترول والغاز تتوقف بسبب عدم قدرة الحكومة على دفع مستحقات الشركاء الأجانب.
تفاقمت أزمة الطاقة والكهرباء وامتدت إلى الشركات والمصانع والمزارع، وكادت عجلة الإنتاج تتوقف بسبب تلك الكارثة، فالطاقة هى سر الحياة، فى وقت أصيب فيه الإنتاج المحلى للبترول والغاز فى مقتل، وفى الوقت نفسه لم تكن هناك موارد مالية للاستيراد من الخارج لسد العجز، بعد أن تدهور الاقتصاد المصرى إلى أسوأ مراحله، ولم يعد هناك احتياطى نقدى قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية.
توقف الأمر حينها على الإعانات والمعونات التى كانت تأتى من الدول الصديقة والشقيقة بحسب الظروف والأحوال.
لم يكن قطاع البترول والطاقة وحده هو الذى يعانى، لكن المعاناة كانت ممتدة إلى كل القطاعات الأخرى، حتى وصلت إلى رغيف الخبز، بعد أن ساءت حالته، ونقص المعروض منه، وكانت الطوابير أمام المخابز ظاهرة يومية، ووصل الأمر إلى "التشاجر" ووقوع ضحايا أمام المخابز، ورصدت الصحف تلك الظاهرة فى ذلك الحين، وأطلقت الصحافة تعبيرا مستجدا على الضحايا حينها وهو "شهداء الخبز".
معاناة الخبز انعكست بالضرورة على كل السلع الغذائية، لأن الخبز، كما يطلق عليه المصريون "مسمار البطن"، ووجوده ضرورى فى كل بيت، وبعده يهون الكثير من الأمور.
أزمات الطاقة والكهرباء والسلع الغذائية كانت كلها أعراضا لانهيار اقتصادى شامل وصل فيه معدل التضخم إلى أرقام قياسية غير مسبوقة، وسجلت فيها أسعار السلع ارتفاعات هائلة، بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء آنذاك، ووفقا لتلك البيانات فقد ارتفعت معدلات البطالة إلى ما يقرب من 14%، لتنضم أعداد هائلة من الشباب إلى صفوف العاطلين كل شهر، نتيجة تباطؤ الأنشطة الاقتصادية.
تزامن هذا مع ارتفاع عجز الموازنة ليصل إلى أكثر من 20% خلال عام واحد، وانخفاض رهيب فى قيمة الجنيه، واختفاء العملة الصعبة من البنوك، واقتصار التعامل بها على السوق السوداء غير المعترف بها.
كل ذلك انعكس على تراجع التصنيف الائتمانى لمصر بشكل غير مسبوق، ليصل، وفقا لمؤسسة "ستاندرد آند يورز" العالمية، إلى مستوى «ccc+»، وهو ما يعنى ببساطة انهيارا اقتصاديا شاملا وعدم القدرة على سداد الديون، بعد أن تم تخفيض تصنيف مصر 3 مرات خلال عام واحد، وهو عام حكم الإخوان، من "B+" إلى "B-" فى ديسمبر 2012، ثم "C" فى مايو 2013، ثم بعد ذلك إلى "ccc+" فى عام 2014، قبل أن يتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية السلطة.
لم يكن الموقفان الإقليمى والدولى أفضل حالا من الموقف على الصعيدين الاقتصادى والداخلى، حيث كانت عضوية مصر مجمدة فى الاتحاد الإفريقى، ولم يكن الموقف الدولى (الأوروبى والعالمى) أفضل كثيرا من الموقف الإفريقى، وكانت مصر تعانى الوحدة والانعزال عالميا، باستثناء بعض الدول الشقيقة والصديقة.

فى ظل هذه الأوضاع الداخلية الصعبة والمعقدة، والأوضاع الخارجية "المأزومة" والمحاصرة، تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية السلطة منذ 6 سنوات، وبالتحديد فى الثامن من يونيه عام 2014 بعد انتخابات تنافسية حرة فاز فيها باكتساح غير مسبوق.
المدهش أن الرئيس عبد الفتاح السياسى نجح خلال السنوات الست الماضية فى تغيير المشهد تماما وبشكل جذرى على مختلف الأصعدة محليا وإقليميا ودوليا.
تحولت الأزمة الخانقة فى قطاع البترول والطاقة إلى وفرة غير مسبوقة، ووصلت الاستثمارات الأجنبية فى مجال البترول والغاز إلى أكثر من 20 مليار دولار، وتحقق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى والعودة إلى التصدير مرة أخرى، إلى جانب التوسع فى إدخال الغاز المنازل، حيث نجحت خطة توصيل الغاز إلى نحو 11 مليون وحدة سكنية.
إلى جوار ذلك، تم خفض مستحقات الشركاء الأجانب المتأخرة فى البحث عن البترول والغاز إلى أقل مستوى لها منذ عام 2010 برقم غير مسبوق، وهو أقل من 900 مليون دولار، مما أدى إلى زيادة ضخ الاستثمارات الأجنبية فى صناعة البترول والغاز، ودعم ثقة المستثمر الأجنبى فى الاقتصاد المصرى.
هذه النجاحات انعكست على دور مصر الإقليمى فى مجال البترول والغاز وتحويلها إلى مركز إقليمى لتجارة البترول والغاز، بعد أن تم تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط ومقره القاهرة.
لم يكن النجاح فى مجال الكهرباء أقل حظا من النجاح فى مجال البترول والغاز، وبعد أن كان هناك عجز صارخ فى مجال الكهرباء, تغير الوضع الآن، وأصبحت مصر تصدر فائض الكهرباء إلى الأردن والسودان، فى إطار خطة زيادة القدرات الكهربائية التى يتم تصديرها من 300 ميجاوات إلى 600 ميجاوات.
كان وراء نجاح قطاع الكهرباء استثمارات هائلة وضخمة تم ضخها فى هذا القطاع وصلت إلى أكثر من 614 مليار جنيه خلال السنوات الست الماضية من أجل الوصول بالقدرات الكهربائية المضافة للشبكة القومية إلى 28.6 ألف ميجاوات بحلول يونيو الحالى.
ما حدث من تطورات فى البترول والطاقة حدث فى مجال السلع الغذائية وباقى الخدمات الضرورية التى يحتاجها المواطن، وأصبح من حق المواطن أن يختار طريقة صرف الدعم المقرر له، بعد أن تضاعفت قيمته، واختيار المنفذ الذى يرغب فى التعامل معه، سواء كان ذلك مخبزا أو سوبر ماركت أو محلا تجاريا، حسب ظروف كل منطقة وكل حالة.
اتسعت وتنوعت الاختيارات أمام المواطن ليختفى الاختناق والتكدس والازدحام من أمام المخابز والمستودعات، وارتفعت فاتورة دعم السلع الغذائية فى إطار خطة مدروسة لمواجهة التداعيات والآثار الجانبية لخطة الإصلاح الاقتصادى التى تم تنفيذها.
كان الإصلاح الاقتصادى صعبا، لكن التدابير الاحترازية للفئات غير القادرة جعلته قادرا على العبور والنجاح لتصبح مصر واحدة من أفضل الأسواق الناشئة.
نجح الإصلاح الاقتصادى فى تأمين الاقتصاد المصرى أمام تداعيات أزمة كورونا، مما جعل وكالات التصنيف الائتمانى الدولية تحافظ على تثبيت التصنيف الائتمانى المصرى عند مستوى "B"، مع نظرة مستقبلية مستقرة، ويظل محتفظا بمستواه كما كان قبل أزمة كورونا.
لم تتوقف الطموحات المصرية عند حدود معينة، لكنها امتدت لتقيم أضخم مشروع قومى للطرق، وأضخم المشروعات فى قطاع التشييد والبناء، مما جعل مؤسسة "فيتش" تشير فى تقريرها الأخير إلى توقعها أن تكون مصر بحلول 2029 هى الأكبر فى قطاع التشييد والبناء فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها، وتوقعت أن يواصل قطاع التشييد والبناء فى مصر نموه القوى على مدى السنوات العشر المقبلة بمتوسط نمو سنوى لا يقل عن 9%، وذلك خلال الفترة ما بين 2020 و2024.
انعكست تلك النجاحات على الموقفين الإقليمى والدولى، وبعد أن كانت عضوية مصر مجمدة فى الاتحاد الإفريقى، تولت رئاسة الاتحاد خلال دورته الماضية، بل إن الرؤية المصرية فى الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، خاصة فى مجال مواجهة الإرهاب، والحفاظ على كيانات الدول الوطنية، أصبحت هى السائدة الآن فى إستراتيجيات الكثير من دول العالم، من خلال تبنى الرؤية المصرية المتقدمة فى هذه الملفات وغيرها، إذا استثنينا من ذلك بعض الدول "المارقة" الداعمة للإرهاب التى باتت معزولة عالميا وإقليميا.
قصة نجاح صعبة اجتازت أصعب المراحل على الإطلاق، وهى الآن تستعد للانطلاق فور انقشاع أزمة كورونا، التى هبطت فجأة على العالم كله، لتبدأ فى كتابة الفصل الثانى من مرحلة جنى الثمار والإصلاحات الهيكلية، بعد أن تعود الحياة إلى طبيعتها قريبا إن شاء الله تعالى.

Back to Top