إعلان القاهرة يكشف التآمر والعدوان

بقلم: عبدالمحسن سلامة

لم يكن يوم السبت قبل الماضى يوما عاديا فى قصر الاتحادية بالقاهرة، حيث شهد تحركات دبلوماسية مكثفة فى بداية اليوم، ومعها بدأت الوفود الدبلوماسية والصحفية تتوافد على هناك، لمتابعة الحدث الأهم على الساحة الليبية منذ 9 سنوات لحل الأزمة الليبية، وإعادة إطلاق العملية السياسية المجمدة منذ فترة طويلة.

كانت البداية توافد أعداد كبيرة من سفراء الدول والوفود الدبلوماسية للكثير من دول العالم الفاعلة والمؤثرة فى القضايا ذات الصلة بالمنطقة، وفى الوقت نفسه توالى وصول الوفود الصحفية من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية.

في تلك الأثناء كانت المحادثات قد بدأت بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبى، والمستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبى، وبعدها خرج الزعماء الثلاثة أمام الحاضرين ليطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى وثيقة إعلان القاهرة بتأييد من المؤسسة العسكرية الليبية "الجيش الليبي"، والمؤسسة السياسية الشعبية "البرلمان الليبى"، وسط هذا الحشد الكبير من سفراء الدول الصديقة والشقيقة والمؤثرة إقليميا وعربيا ودوليا.
لم يكن إعلان القاهرة مقطوع الصلة بما قبله من الجهود الدولية لحل الأزمة الليبية، لكنه كان امتدادا لهذه الجهود ومكملا لها، إلا أنه لأول مرة يضع خريطة طريق متكاملة للأزمة الليبية تبدأ بوقف إطلاق النار، لتنتقل بعدها إلى إحياء مخرجات قمة برلين، التى وضعت حلا سياسيا شاملا يتضمن خطوات تنفيذية واضحة للمسارات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، وفى الوقت نفسه يضمن استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بـ"جنيف" برعاية الأمم المتحدة، وما يترتب عليها.
إلى جوار ذلك، ركزت المبادرة المصرية على ضرورة استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية، وإعادة سيطرة الدولة على جميع المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية "الجيش الوطني الليبى".
وضعت المبادرة تصورا متكاملا لكيفية ممارسة المجلس الرئاسى الليبى لدوره، وكيفية اختيار ممثلى الأقاليم الليبية فيه، وإشراف الأمم المتحدة على المجمعات الانتخابية، وحصة كل إقليم فى الحقائب الوزارية.
طالبت المبادرة بتمكين مجلس النواب الليبى من اعتماد التعديلات الدستورية المقترحة من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، على أن يتم الاتفاق على النقاط الواجب تعديلها فى الإعلان الدستورى في مدة لا تتجاوز 30 يوما من بدء تاريخ انعقاد أول جلسة.
حددت المبادرة المدة الزمنية للفترة الانتقالية المقترحة بـ 18شهرا قابلة للزيادة بحد أقصى "6" أشهر، يتم خلالها إعادة تنظيم جميع مؤسسات الدولة الليبية، بما يضمن فعالية أداء الحكومة الجديدة، وتوفير الموارد اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية، تنتهى بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.
تصور متكامل ورؤية شاملة لإنهاء معاناة الشعب الليبى المستمرة منذ أكثر من 9 سنوات حتى الآن، فقد خلالها الشعب الليبى أمنه وأمانه، وتحول إلى شعب من اللاجئين والمهاجرين، بعد أن فر عدد كبير منهم إلى خارج ليبيا بشكل شرعى أو غير شرعى، بحثا عن الأمن المفقود.
ولأن إعلان القاهرة يستهدف مصلحة الشعب الليبى وتوحيد مؤسساته، وإطلاق العملية السياسية المعطلة، فقد جاءت ردود الأفعال الدولية مؤيدة ومرحبة بهذا الإعلان بدءا بالولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وألمانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبى، وكل القوى الدولية الفاعلة.
على الجانب العربى، جاءت ردود الفعل للقوى العربية الفاعلة مؤيدة لإعلان القاهرة، وعلي رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية، والإمارات، والجزائر، وغيرها، وأعلنت الجامعة العربية ترحيبها بالمبادرة وتأييدها لها، وأكدت أن المبادرة المصرية منطقية، وراعت كل المتطلبات لأنها مبنية على المعطيات والمبادرات الدولية السابقة، وأعربت عن أملها فى أن تعلن حكومة الوفاق موقفا إيجابيا من إعلان القاهرة لوقف إطلاق النار، والانخراط فى مسار سياسى شامل يخرج ليبيا من أزمتها الحالية.
إذن هناك توافق دولي وعربي حول المبادرة المصرية إذا استثنينا تركيا "المذنب الأكبر فى الملف الليبي الآن" وأعوانها داخل وخارج ليبيا.
هذا التوافق الدولى أعطى زخما كبيرا للمبادرة المصرية وجعلها المبادرة الوحيدة الشاملة التى تصلح أن تكون بداية النهاية للصراع الليبى، وعودة الحياة مرة أخرى إلى المسار السياسى.
سألت السفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية عن أهمية المبادرة وتوقيتها؟
أجاب قائلا: المبادرة المصرية هى أول مبادرة متكاملة للأزمة الليبية لأنها لم تستبعد أيا من الجهود الدولية السابقة، بل تكاملت مع هذه الجهود بدءا من اتفاقية الصخيرات أو الجهود التي قامت بها فرنسا، أو إيطاليا، أو روسيا، أو الإمارات، وانتهاء بمبادرة برلين.
المبادرة المصرية بلورت كل هذه الجهود السابقة ووضعت تصورا متكاملا لحل الأزمة الليبية، ولأول مرة يتم تدارك جميع النقاط التى يجب توافرها فى حل الأزمة مثل مسألة تمثيل الأقاليم الثلاثة (المنطقة الشرقية، المنطقة الغربية، المنطقة الجنوبية) من خلال تشكيل مجمع انتخابى يتم اختيار أعضائه من مجلس النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب، إضافة إلى النخب السياسية من المثقفين والنقابات، بحيث تجتمع اللجان الـ"3" تحت رعاية الأمم المتحدة، ويتم التوافق عليها، ويتولى كل إقليم اختيار الممثل الخاص به سواء بالتوافق أو بالانتخاب، وذلك فى مدة لا تتجاوز "90" يوما.
وأضاف السفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية قائلا: هذه هى المرة الأولى منذ اتفاق الصخيرات التى يتم الحديث فيها عن تمثيل نسبى وعادل للأقاليم الثلاثة، فى إطار وضع تصور مستقبلى واضح لنظام الحكم، وتوزيع عادل للثروة الليبية، وتوحيد لكل مؤسسات الدولة الليبية لكى تستعيد عافيتها فى إطار جدول زمنى محدد وواضح ينهى معاناة الشعب الليبى.

سألته: وماذا عن ردود الفعل دوليا ومحليا على المبادرة المصرية حتى الآن؟

أجاب السفير بسام راضى: ردود الفعل أكثر من رائعة حتى الآن، لأن مصر لا تستهدف سوى إنهاء معاناة الشعب الليبى المستمرة منذ نحو 9 سنوات، وعلى الصعيد الليبى فقد تم إطلاق المبادرة بحضور أكبر مؤسستين ليبيتين هما الجيش الوطنى، والبرلمان، مما يعطى هذه المبادرة الشرعية القانونية للعودة إلى المسار السياسى لحل الأزمة الليبية.

أما على المستوى الدولى فقد شهدت الأيام الماضية تأييد القوى الدولية والعربية الفاعلة لهذه المبادرة لأنها بلورت كل الجهود الدولية السابقة، وأضافت عليها برنامجا واضحا ومحددا لإنهاء الصراع الليبى من أجل الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى الليبية واستقلالها، في إطار من احترام كل الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

انتهت تصريحات السفير بسام راضى التى تعكس بقوة رغبة مصر فى إنهاء معاناة الشعب الليبى علي اعتبار أن أمن ليبيا هو جزء من الأمن القومى المصرى، وأن هناك روابط تاريخية وعائلية ممتدة بين الشعبين المصرى والليبى، بالإضافة إلى حدود مشتركة تمتد لما يقرب من 1200 كيلو متر.

أعتقد أن الكرة الآن فى ملعب طرابلس، والأيام القادمة سوف تكشف عن حقيقة نيات فايز السراج، وهل يرغب فى إنهاء معاناة الشعب الليبى؟ ليبدأ على الفور الانضمام إلى إعلان القاهرة، ووقف إطلاق النار، أم يظل مجرد ستار للاطماع التركية فى الثروة الليبية، وواجهة للجماعات الإرهابية، والميليشيات، والمرتزقة التى تتدفق على طرابلس الآن رغما عن إرادة مواطنيها فى إطار معركة النفس الأخير لهؤلاء المرتزقة وتلك الميليشيات بعد أن تم طردهم من سوريا والعراق.

تبقى الميزة المهمة لإعلان القاهرة فى أنه نجح في توحيد الجهود الدولية تجاه ليبيا فى خريطة طريق واضحة ومحددة يقبلها ويوافق عليها المجتمع الدولى، وفى الوقت نفسه أسقط "ورقة التوت" عن نيات التآمر والعدوان ضد مصالح الشعب الليبى ووحدته سواء من داخل ليبيا أم من خارجها.

Back to Top