معركة بالذخيرة الحية فى الاتجاه الغربى
بقلم: عبدالمحسن سلامة
الزمان: السابعة صباح يوم الخميس الماضى
المكان: مطار شرق القاهرة العسكرى
المشهد الأول: طائرة عسكرية تقل مجموعة من القادة العسكريين والصحفيين والإعلاميين للسفر إلى قاعدة ومطار "حباطة" فى الاتجاه الإستراتيجى الشمالى الغربى للحدود المصرية.
المشهد الثاني: هبطت الطائرة بسلامة الله إلى قاعدة ومطار حباطة، ثم تحركت المجموعات فى أتوبيسات بسرعة لتقطع مسافة تقترب من 30 كيلو مترا لنصل إلى مخيمات استقبال تم إعدادها بسرعة وسط الرمال والصحراء لننتظر جميعا إشارة التحرك إلى مكان المناورة.
فجأة يدخل الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المخيم مرحبا بالحاضرين وموضحا طبيعة المكان القاسية التى لاتناسب المدنيين لأنها أرض معركة حقيقية وسط الصحراء القاحلة من أجل تنفيذ المرحلة الرئيسية من المناورة "حسم2020" للاطمئنان على جاهزية واستعداد القوات المسلحة المصرية لتأمين حدود مصر الغربية ضد كل أنواع التهديدات المحتملة، وحماية العمق الإستراتيجى للدولة المصرية.
المشهد الثالث: يدخل ضباط الشئون المعنوية لبدء تحرك المجموعات وبسرعة سيرا على الأقدام إلى المنصة المخصصة كنقطة مشاهدة لمتابعة تنفيذ المرحلة الرئيسية للمناورة الإستراتيجية "حسم2020" التى نفذتها تشكيلات ووحدات المنطقة الغربية العسكرية بالتعاون مع الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة فى إطار خطة التدريب القتالى لتشكيلات ووحدات القوات المسلحة.
بعدها يدخل الفريق أول محمد زكى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى إلى المنصة معلنا بدء المناورة.
المشهد الرابع: نعيش أجواء ومشاهد معركة حقيقية بالذخيرة الحية ضد عناصر معادية اخترقت الحدود الدولية الغربية، وتقوم القوات المسلحة المصرية بالتصدى لها ومهاجمتها، وتطوير الهجوم للقضاء على المعتدين والوصول إلى خط الحدود الدولية.
تقوم القوات الجوية بتأمين أعمال قتال القوات، وتقديم المعاونة الجوية للقضاء على العناصر المعادية، والمرتزقة، وتنفيذ رماية لاستهداف مناطق تجمع تلك العناصر ومراكز قيادتها، ومناطق الدعم اللوجيستى.
الطائرات الهليكوبتر تقوم بإبرار سرية صاعقة لتنفيذ إغارة على مركز قيادة العناصر المرتزقة وتدميره.
تظهر فى سماء المناورة الطائرات الميج 29، والرافال، وألفاجيت، والميراج 2000، والأباتشى، وكل منها يقوم بمهام محددة وبأعلى دقة وكفاءة قتالية وتنجح الطائرات فى إصابة الأهداف المعادية فى مقتل وتدميرها.
تتحرك الدبابات والمركبات وقوات المظلات للسيطرة على أماكن تمركز العدو، وإلحاق خسائر فادحة بالقوات المعتدية وتدميرها.
تتدخل كتيبة المدفعية الصاروخية لتقوم بدورها المرسوم لها بدقة متناهية.
غطت رائحة البارود والرمال المتصاعدة المكان، والكل جالس منبهرًا من شراسة المعركة ودقتها وأسلوب تخطيطها.
تنتهى المعركة التى استمرت نحو 3 ساعات بعد أن حققت القوات المصرية مهامها بالقضاء التام على المرتزقة، والسيطرة على أماكن تمركزهم، والوصول إلى خط الحدود الدولية، وسط انبهار الحضور بمدى جاهزية القوات المسلحة المصرية، ودقتها فى تحقيق كل أهدافها المرسومة بدقة وعناية.
فى نهاية المناورة ينقل الفريق أول محمد زكى وزير الدفاع تحيات الرئيس عبدالفتاح السيسى واعتزازه بجهود رجال المنطقة الغربية العسكرية، وثقته فى قدرتهم على القيام بكل المهام التى توكل إليهم، مشيرًا إلى اليقظة الكاملة للقوات المسلحة فى متابعة كل أحداث الاتجاه الإستراتيجى الغربى، ومشيدًا بالأداء الرائع للقوات المسلحة بجميع عناصرها المشاركة فى المناورة والاطمئنان فى الوقت نفسه على كفاءة المعدات، وأزمنة الاستعداد، والقدرة على التعامل مع الأهداف.
المناورة رسالة واضحة ومباشرة من القوات المسلحة المصرية بجاهزيتها التامة للحفاظ على حدود مصر الغربية، وقدرتها على حماية الأمن القومى المصرى، وتأمين حدود مصر الغربية التى تمتد 1200 كيلو متر مع الشقيقة ليبيا.
خبرة القوات المسلحة فى الاتجاه الشمالى الشرقى جعلتها جاهزة ومستعدة للدفاع عن أمن مصر وحدودها فى كل الاتجاهات. حيث سبق المرحلة النهائية للمناورة نشاط بحرى ضخم ضمن مراحل المناورة.
كان من اللافت للانتباه أيضا نجاح السياسة التى اتبعها الرئيس عبدالفتاح السيسى بتنويع مصادر السلاح بعد أن ظل الجيش المصرى أحادى التوجه على مدى عقود طويلة. حيث كان التوجه شرقًا فى البداية، والاعتماد على السلاح القادم من الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية، ثم التوجه غربًا، والاعتماد على السلاح الأمريكى.
أما الآن، فهناك تنوع رائع فى مصادر السلاح للجيش المصرى وظهر ذلك واضحاً فى المنارة حينما ظهرت مقاتلات الرافال الفرنسية إلى جوار الأباتشى الأمريكية، وطائرات الميج الروسية فى توليفة متميزة وفريدة لجيش نجح أن يحتل المرتبة الأولى بين أقوى 15 جيشاً فى الشرق الأوسط، والمرتبة رقم 9 بين أقوى 138 جيشاً على مستوى العالم، وفقا لموقع (جلوبال فاير بور) الأمريكى، ليكون ترتيب الجيش المصرى متقدماً عن تركيا وإيران وإسرائيل، يعتمد تصنيف الجيوش عالمياً على معايير متعددة منها: القوة البشرية للدولة، وعدد الجنود، والعتاد والمعدات، والقوة الاقتصادية أو قدرة الدولة على تحمل تكاليف الحروب، والقدرة اللوجيستية، والموقع الجغرافى.
ميزة الجيش المصرى أنه كما وصفه الرئيس عبد الفتاح السيسى أنه من أقوى جيوش المنطقة، لكنه جيش رشيد، يحمى ولا يهدد، وقادر على الدفاع عن أمن مصر القومى داخل وخارج حدود الوطن.
مصر تريد الأمن والاستقرار للشعب الليبى، ومن هذا المنطلق كان تحركها الدائم، ومحاولاتها المستمرة لحل الأزمة الليبية، والتى تتبلور فى ضرورة الحفاظ على وحدة أراضى ليبيا، وضمان استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية، وإعادة سيطرة الدولة على جميع المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية "الجيش الوطنى الليبي" باعتباره الجهة الوحيدة المنوط بها حفظ الأمن والاستقرار للشعب الليبى بعيدًا عن الميليشيات المسلحة، وكتائب المرتزقة، والتدخلات التركية المشبوهة فى الأزمة الليبية.
طرحت مصر مبادرة إعلان القاهرة منذ ما يقرب من شهر تقريبًا، ووضعت فيها خريطة طريق متكاملة لحل الأزمة الليبية بدءًا بوقف اطلاق النار، ومرورًا بالخطوات التنفيذية اللازمة على المسارات الأمنية السياسية والاقتصادية، وانتهاءً بوضع تصور جديد للمجلس الرئاسى الليبى بما يضمن تمثيل الأقاليم الليبية الثلاثة فيه (المنطقة الشرقية - المنطقة الغربية - المنطقة الجنوبية) من خلال تشكيل مجمع انتخابى يتم اختيار أعضائه من مجلس النواب الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، على أن يتولى كل اقليم اختيار الممثل الخاص به سواء بالتوافق أو الانتخاب فى مدة لا تتجاوز 90 يومًا.
الغريب أن إعلان القاهرة وجد توافق عربيا ودوليا وليبيا غير مسبوق، إلا أن حكومة السراج "غير الشرعية" هى التى تقف حجر عثرة فى عدم تنفيذ مبادرة إعلان القاهرة بسبب تبعيتها المثيرة للاشمئزاز إلى تركيا، وخضوعها لابتزاز الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية التى فرت إلى طرابلس من سوريا والعراق وأفغانستان لتوفر لها حكومة السراج مأوى مقابل أن تقوم تلك الميليشيات والجماعات الإرهابية بعرقلة كل مسارات الحل السياسى الذى يضمن وحدة واستقرار ليبيا.
أعتقد أن إعلان القاهرة ومن بعده المناورة "حسم 2020" يؤكدان أن مصر تمد يدها دائما بالسلام، وتتمسك بالحلول السياسية للأزمات، لكنها فى الوقت نفسه تقدم رسالة قوية وواضحة لكل من يهمه الأمر بجاهزية القوات المسلحة وقدرتها على الحفاظ على مقدرات الوطن والأمن القومى المصرى داخل وخارج الحدود إذا اقتضت الضرورة ذلك.