تفويض قطع رءوس الإرهاب.. فى الداخل والخارج
عبدالمحسن سلامة
فى جلسة تاريخية، وافق مجلس النواب، الأسبوع الماضى، على إرسال عناصر من القوات المسلحة فى "مهام قتالية" خارج الحدود، للدفاع عن الأمن القومى المصرى، فى الاتجاه الإستراتيجى الغربى، وضد أعمال الميليشيات المسلحة، والعناصر الإرهابية، إلى حين انتهاء مهمة تلك القوات.
المجلس أكد أن الأمة المصرية، على مدى تاريخها، أمة داعية إلى السلام، لكنها لا تقبل التعدى عليها، أو التفريط فى حقوقها، وهى قادرة، بمنتهى القوة، على الدفاع عن نفسها، وعن مصالحها، وعن أشقائها، وجيرانها، من أى خطر أو تهديد، وأن القوات المسلحة لديها الرخصة الدستورية والقانونية لتحديد زمان ومكان الرد على هذه الأخطار والتهديدات.
تفويض البرلمان المصرى جاء عقب تفويض مجلس القبائل الليبية، فى أثناء اجتماعه بالقاهرة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى أعلن فيه تأييده التدخل المصرى لحماية الشعب الليبى من الميليشيات الإرهابية، والمرتزقة الأجانب، والاحتلال التركى.
بعد اجتماع مجلس القبائل، أكد مجلس النواب الليبى دعوة القوات المسلحة المصرية إلى التدخل لحماية الأمن القومى الليبى والمصرى معا، مشيرا إلى أنه الممثل الشرعى الوحيد المنتخب من الشعب الليبى، والممثل لإرادته الحرة، ورحب بتدخل القوات المسلحة المصرية إذا رأت أن هناك خطرا داهما وشيكا يطول أمن بلدينا.
وسط هذه الأجواء، حاولت الذئاب المنفردة، المتبقية من الجماعات الإرهابية فى سيناء، أن تطل برأسها القبيح مرة أخرى، لكن القوات المسلحة كانت لديها بالمرصاد، حيث أظهرت نقلة نوعية هائلة فى التعامل معها، بعد أن نجحت فى تطوير أنظمتها القتالية، وأساليبها، فى مجابهة هذه النوعية من العناصر الإرهابية.
القوات المسلحة نجحت فى الرد السريع والحاسم على العملية الإرهابية فى بئر العبد، بعد أن أحبطت الهجوم الفاشل، حيث طاردت قوات التأمين، بالتعاون مع القوات الجوية، العناصر التكفيرية، مما أسفر عن مقتل 18 فردا تكفيريا، منهم فرد يرتدى حزاما ناسفا، وتدمير 4 عربات، منها 3 مفخخة.
رد مُزلزِل قامت به القوات المسلحة، بعد أن نجحت العملية الشاملة فى تطهير سيناء من "دنس" التكفيريين، ولم يعد هناك سوى بعض الذئاب المنفردة، التى تلفظ أنفاسها الأخيرة.
لم يعد هؤلاء التكفيريون قادرين على الخروج سالمين من عملياتهم "القذرة"، ورفع أعلامهم السوداء للتصوير، وإرسال هذه اللقطات المسمومة إلى قنوات" الغدر والخسة" فى قطر وتركيا، التى تدافع ليل نهار عن تلك الجماعات التكفيرية، لأن من يمول هذه القنوات هو الذى"يمول" تلك الجماعات الإرهابية.
العملية الشاملة، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى فبراير 2018، نجحت فى قطع أذرع التكفيريين داخل سيناء وخارجها، بعد أن قضت على الصفوف الأولى والثانية والثالثة للجماعات الإرهابية، واستطاعت تجفيف مصادرها، ومحاصرة مواردها المالية، وضبط كميات هائلة من الأسلحة المتطورة والذخائر، التى عُثر عليها برفقة الإرهابيين، الذين تم ضبطهم.
كما أدت العملية الشاملة إلى انحسار العمليات الإرهابية بشكل كبير، وخروج مصر من قائمة "الدول العشر الأكثر تأثرا بالإرهاب"، وذلك وفقا لتقرير "مؤشر الإرهاب العالمى"، بعد أن دمرت هذه العملية البنية التحتية للعناصر الإرهابية، من الأوكار، والخنادق، والأنفاق، ومخازن الأسلحة والذخائر، ومراكز الإعلام، والإرسال.
وتراجعت العمليات الإرهابية إلى أدنى حدودها، فبعد أن وصلت إلى رقم قياسى عام 2015، حيث بلغ عددها 594 عملية، تراجعت إلى 199 عملية فى عام 2016، فى حين لم تتجاوز 50 عملية إرهابية عام 2017، كان أبرزها الهجوم الدموى على مسجد الروضة، وفى عام 2018، ومع إطلاق العملية الشاملة، تراجعت العمليات الإرهابية إلى 8 فقط، فى حين لم يشهد عام 2019 سوى عمليتين، هما حادث معهد الأورام، والتفجير الانتحارى بمنطقة الدرب الأحمر.
هكذا تغير المشهد تماما فى مصر، ونجحنا فى محاصرة الإرهابيين، "وتقطيع" أوصالهم، وتدمير بنيتهم التحتية والتنظيمية، ولم يعد هناك سوى بعض الذئاب المنفردة، التى تحاول تجميع نفسها للقيام بعمليات يائسة، كما فى حادث بئر العبد الأخير الأسبوع الماضى، إلا أن تطوير قدرات القوات المسلحة، وخبراتها، واستعدادها الدائم؛ أسهم فى القضاء على جميع العناصر التكفيرية، وتدمير كل معداتهم.
الأهم من كل ذلك، نجاح القوات المسلحة والشرطة فى تنفيذ إستراتيجية تجفيف منابع التكفيريين، ومهاجمتهم قبل القيام بعملياتهم الإرهابية، كما فى حادث الأميرية فى شهر إبريل الماضى، حينما قامت القوات بمهاجمة العناصر الإرهابية، وكشف مخططاتهم الشيطانية قبل تنفيذها، وإبادتهم جميعا داخل أوكارهم قبل قيامهم بعملياتهم الإجرامية.
الحرب على الإرهاب داخل مصر، وتسجيل النجاحات الهائلة فى هذا الملف، خلال السنوات الأربع الأخيرة، لهما علاقة وطيدة بما يحدث داخل الأراضى الليبية، التى كانت، ولاتزال، مصدرا للأسلحة، والأموال، والتهريب للجماعات الإرهابية، داخل مصر، استغلالا للحدود البرية الممتدة عبر 1200 كيلو متر.
لقد تحولت طرابلس والمناطق، التى لاتزال بعيدة عن نفوذ الجيش الوطنى الليبى، إلى وكر آمن للمرتزقة، والجماعات الإرهابية، التى فرت من مصر تحت وطأة "الخبطات" العسكرية الناجحة ضدها، وكذلك فرت إليها عناصر "داعش" و"القاعدة" من سوريا والعراق، حيث لم يعد لها مكان آمن إلا فى تلك المناطق.
استمرار وجود هذه الجماعات الإرهابية، والميليشيات المسلحة فى الأراضى الليبية خطر داهم على الأمن القومى الليبى، والمصرى، والعربى، لأنها سوف تجد مكانا آمنا للقيام بعملياتها الإرهابية مجددا داخل ليبيا وخارجها، فى مصر والدول العربية، ولأن مصر هى الجار الملاصق لليبيا، وهى التى نجحت فى طرد الإرهابيين، وتفكيك أوصالهم، فإنها تظل المستهدف الأول من تلك الجماعات الإرهابية.
من هذا المنطلق، جاء تحرك الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومساندته الجيش الوطنى الليبى، باعتباره المؤسسة الأمنية الوحيدة المنوط بها حفظ الأمن داخل الأراضى الليبية، وتأكيده ضرورة تفكيك الميليشيات والجماعات المسلحة، وتسليم أسلحتها للجيش الليبى، وهو الأمر الذى يزعج تلك الجماعات الملتحفة بغطاء حكومة "ناقصة الشرعية"، باعت سيادة الدولة الليبية لأطماع وأوهام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى اعترف بوجود مقاتلين سوريين موالين لأنقرة فى ليبيا، إلى جانب عناصر التدريب الأتراك، حينما صرح للصحفيين فى اسطنبول قائلا "تركيا موجودة هناك عبر قوة تُجرى عمليات تدريب، وهناك كذلك أشخاص من الجيش الوطنى السورى الحر"، فى إشارة إلى مقاتلى المعارضة والمرتزقة، الذين يدعمونه فى سوريا، وكان يطلق عليهم سابقا اسم "الجيش السورى الحر".
ميليشيات طرابلس، وطبقا للتقارير الواردة من هناك، عبارة عن أكثر من 300 مجموعة، من بينها مجموعة فتحى على باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق، المحسوب على ميليشيات مدينة مصراتة، وهناك خلافات عميقة بين تلك الميليشيات، تطورت فى أوقات سابقة إلى مواجهات مسلحة فيما بينها.
الخلافات تنفجر بين الميليشيات المنحدرة من طرابلس، والتى تقودها "قوات الردع"، وكتيبة "ثوار طرابلس والأمن المركزى"، وبين الميليشيات القادمة من خارج طرابلس، مثل ميليشيات مدينة مصراتة، والتى تتنوع بين" ميليشيات الصمود"، وكتيبة" الحلبوص"، وميليشيات "166"..وغيرها، وهناك ميليشيات مدينة الزنتان، وميليشيات مدينتى الزاوية وصبراتة.
هذه الميليشيات بينها عداوات كبيرة وخلافات دينية، وعقائدية، وسياسية، ولا يجمعها سوى الخوف من سقوط طرابلس، وقد حاولت حكومة الوفاق احتواء تلك الميليشيات، إلا أنها فشلت بسبب اختلاف التوجهات والمصالح، مما جعل الشعب الليبى يعيش "رهينة" نفوذ هذه الميليشيات وأهوائها.
أعتقد أن هذه الميليشيات هى من يفسد كل خطط الحل السياسى للأزمة الليبية، لأن الحل السياسى يعنى ببساطة نهاية هذه الميليشيات، وهو ما تستغله حكومة الوفاق فى عرقلة كل الحلول السلمية، لتظل طرابلس مأوى آمنا للإرهابيين والميليشيات المسلحة.
إذن هى علاقة مصلحة متبادلة بين هذه الميليشيات وحكومة الوفاق، المرفوضة من الشعب الليبى، وممثليه فى مجلس النواب، الجهة الشرعية الوحيدة المنتخبة فى ليبيا، وكذلك مجلس القبائل الليبية، الممثل لكل القبائل الليبية، ولأنها حكومة مرفوضة، فهى تلعب على وتر الميليشيات، والجماعات الإرهابية، والمرتزقة، لأنهم جميعا يعلمون تماما أن نهايتهم واحدة، سواء فى الحل السياسى، أو فى نجاح الجيش الليبى فى بسط سيطرته على كامل الأراضى الليبية.
أخيرا، فإن الكرة الآن فى ملعب المجتمع الدولى، ومدى قدرته على الضغط على تركيا، لترفع يدها عن ليبيا وشعبها، قبل أن تتفاقم الأمور إلى حل عسكرى تفرضه الميليشيات والجماعات الإرهابية، فى لعبة الموت الأخيرة لهم.