مصر‭ ‬تغسل‭ ‬وجهها‭ ‬من‭ ‬العشوائيات

بقلم‭: ‬عبد‭ ‬المحسن‭ ‬سلامة

الزمان‭: ‬6‭ ‬سبتمبر‭ ‬2008

المكان‭ : ‬منطقة‭ ‬الدويقة‭ ‬فى‭ ‬منشية‭ ‬ناصر

المشهد‭ ‬الأول‭ :‬حالة‭ ‬من‭ ‬الهرج‭ ‬والمرج،‭ ‬والصراخ‭ ‬والعويل،‭ ‬بسبب‭ ‬انهيار‭ ‬صخرة‭ ‬عملاقة‭ ‬فوق‭ ‬مساكن‭ ‬المنطقة‭.‬

الصخرة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬فوق‭ ‬رءوس‭ ‬أصحابها‭.‬

أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬تتزايد‭ ‬باستمرار،‭ ‬ووصلت‭ ‬أعداد‭ ‬الضحايا‭ ‬إلى‭ ‬مايقرب‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬قتيل‭ ‬ومئات‭ ‬الإصابات‭.‬

حالة‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬سادت‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكان‭ ‬الغضب‭ ‬يزداد‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬انعدام‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجثث‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬مطمورة‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض‭ ‬ويصعب‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭.‬

السكان‭ ‬يصرخون‭ ‬بسبب‭ ‬تكرار‭ ‬المأساة‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬حل‭ ‬جذرى‭ ‬لهم،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حادث‭ ‬الانهيار‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬وإنما‭ ‬سبقته‭ ‬حوادث‭ ‬أكثر‭ ‬بشاعة،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1993‭ ‬والذى‭ ‬راح‭ ‬ضحيته‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬القتلي‭ ‬والمصابين‭.‬

الخبراء‭ ‬ضاعت‭ ‬تحذيراتهم‭ ‬أدراج‭ ‬الرياح‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حذروا‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬بناء‭ ‬المنازل‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬الصخرية‭ ‬الرخوة‭ ‬القابلة‭ ‬للانهيار مما أدى إلى ازدياد‭ ‬اتساع‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬تحذيرات‭ ‬الخبراء،‭ ‬وتجاهل‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭.‬

اكتفت‭ ‬الإدارة‭ ‬المسئولة ‬فى‭ ‬أعقاب‭ ‬حادث‭ ‬1993‭ ‬بتثبيت‭ ‬وتهذيب‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬الصخرية‭ ‬الآيلة‭ ‬للسقوط،‭ ‬اعتقادا‭ ‬منهم‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحل, إلا أن‭ ‬المأساة تكررت‭ ‬وحدث‭ ‬الانهيار‭ ‬الجديد،‭ ‬فوق‭ ‬رءوس‭ ‬السكان‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬وتضاعفت‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى ‬والمصابين‭.‬

ملحوظة: لم‭ ‬تكن‭ ‬منطقة‭ ‬الدويقة‭ ‬ومنشية‭ ‬ناصر‭ ‬هى‭ ‬المنطقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬يلقي‭ ‬فيها‭ ‬المواطنون‭ ‬مصرعهم‭ ‬نتيجة‭ ‬السكن‭ ‬فى‭ ‬عشوائيات‭ ‬خطرة،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬المأساة‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬357‭ ‬منطقة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجمهورية‭ ‬تضم‭ ‬نحو‭ ‬242905‭ ‬وحدات‭ ‬سكنية‭.‬

كان‭ ‬السكان‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬يتعرضون‭ ‬للموت‭ ‬تحت‭ ‬أنقاض‭ ‬منازلهم،‭ ‬نتيجة‭ ‬انهيارها‭ ‬لأسباب‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬الانهيارات‭ ‬الصخرية،‭ ‬أو‭ ‬الحرائق،‭ ‬أو‭ ‬الهزات‭ ‬الأرضية،‭ ‬أو‭ ‬السيول،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭.‬

الزمان: بعد‭ ‬مرور‭ ‬12‭ ‬عاما،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬مع‭ ‬اقتراب‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2020‭.‬

المكان: ‬كل‭ ‬المناطق‭ ‬العشوائية‭ ‬الخطرة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬فى ‬357‭ ‬منطقة‭ ‬فى ‬الدويقة،‭ ‬وتل‭ ‬العقارب،‭ ‬وغيط‭ ‬العنب،‭ ‬وعشش‭ ‬الصفيح‭ ‬واليهودية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬فى ‬طول‭ ‬البلاد‭ ‬وعرضها‭.‬

المشهد‭ ‬الثانى‭: ‬عمارات‭ ‬شاهقة‭ ‬أنيقة‭ ‬ترتقع‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬طوابق‭ العمارات‭ ‬تضم‭ ‬وحدات‭ ‬سكنية‭ ‬مجهزة‭ ‬بالأثاث‭ ‬والفرش‭ ‬الجديد،‭ ‬وبها‭ ‬مصاعد‭ ‬حديثة،‭ ‬ومياه‭ ‬نظيفة‭ ‬وصرف‭ ‬صحn،‭ ‬وغاز،‭ ‬وتليفونات،‭ ‬وكل‭ ‬الخدمات‭ ‬الموجودة‭ ‬فى‭ ‬أرقى ‬المناطق‭.‬

العمارات‭ ‬مقامة‭ ‬وسط‭ ‬مجمع‭ ‬سكنى ‬ضخم‭ ‬يضم‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية،‭ ‬والمدارس،‭ ‬والمساجد‭ ‬والكنائس،‭ ‬والحدائق‭ ‬العامة،‭ ‬والمراكز‭ ‬الصحية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬ومراكز‭ ‬الشباب‭.‬

وسط‭ ‬المساكن‭ ‬مواطنون‭ ‬قدموا‭ ‬من‭ ‬مساكنهم‭ ‬القديمة‭ ‬يملأهم‭ ‬الفرح‭ ‬والزهو،‭ ‬غير‭ ‬مصدقين‭ ‬أن‭ ‬الأحلام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى ‬واقع‭ ‬حقيقى ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

تنطلق‭ ‬الزغاريد،‭ ‬والابتسامات‭ ‬والضحكات‭ ‬القوية‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المكان‭ ‬وداخل‭ ‬الشقق‭ ‬المجهزة‭ ‬للسكن‭ ‬الفورى ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قدموا‭ ‬اليها‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬شنطة‭ ‬ملابسهم‮»‬‭ ‬فقط‭ ‬لاغير‭.‬

ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬د‭.‬عاصم‭ ‬الجزار،‭ ‬وزير‭ ‬الإسكان‭ ‬والمرافق‭ ‬والمجتمعات‭ ‬العمرانية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بهيئة‭ ‬المجتمعات‭ ‬العمرانية‭ ‬وسألته‭: ‬هل‭ ‬تخلصت‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬وصمة‭ ‬‮«‬عار‮»‬‭ ‬العشوائيات‭ ‬الخطرة‭ ‬التى ‬كانت‭ ‬تهدد‭ ‬حياة‭ ‬السكان‭ ‬وتجعلهم‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬مرمى ‬الخطر‭ ‬والأحزان؟‭!‬

أجاب‭: ‬تم‭ ‬إعداد‭ ‬أول‭ ‬خريطة‭ ‬قومية‭ ‬للمناطق‭ ‬العشوائية‭ ‬الخطرة‭ ‬وغير‭ ‬الأمنة‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬بمعرفة‭ ‬صندوق‭ ‬تطوير‭ ‬المناطق‭ ‬العشوائية،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتلك‭ ‬الخريطة‭ ‬ووضعها‭ ‬محل‭ ‬التنفيذ‭ ‬إلا‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬حينما‭ ‬طلب‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬تحديث‭ ‬تلك‭ ‬الخريطة‭ ‬طبقا‭ ‬لبرنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للمستوطنات‭ ‬البشرية‭ ‬الذى‭ ‬يحدد‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬بأنها‭ ‬تفتقد‭ ‬للسكن‭ ‬الملائم،‭ ‬وتفتقد‭ ‬إلى‭ ‬المساحات‭ ‬الكافية‭ ‬للمعيشة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تفتقد‭ ‬للخدمات،‭ ‬وخاصة‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬والصرف‭ ‬الصحى،‭ ‬وليس‭ ‬بها‭ ‬حيازات‭ ‬آمنة،‭ ‬وتحتوى‭ ‬على‭ ‬مساكن‭ ‬متصدعة‭ ‬أو‭ ‬مهدمة،‭ ‬ومبنية‭ ‬فى‭ ‬مناطق‭ ‬جيولوجية‭ ‬خطرة‭ ‬مثل‭ ‬الدويقة‭ ‬ومنشية‭ ‬ناصر،‭ ‬أو‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬مخرات‭ ‬السيول،‭ ‬أو أسفل‭ ‬خطوط‭ ‬الضغط‭ ‬العالى،‭ ‬أو‭ ‬علي‭ ‬حرم‭ ‬السكك‭ ‬الحديدية‭.‬

تم‭ ‬حصر‭ ‬تلك‭ ‬المناطق،‭ ‬وتصنيفها‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬وهى ‬المعرضة‭ ‬للانهيارات‭ ‬الصخرية،‭ ‬والسيول،‭ ‬وحوادث‭ ‬السكك‭ ‬الحديدية،‭ ‬ومناطق‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية،‭ ‬وهى ‬التى‭ ‬تمت‭ ‬إقامتها‭ ‬باستخدام‭ ‬مخلفات‭ ‬البناء‭ ‬أو‭ ‬إقامتها‭ ‬علي‭ ‬مدافن‭ ‬القمامة‭ ‬والمنشآت‭ ‬المتهدمة‭ ‬والمتهالكة‭.‬

إلى ‬جوار‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬مناطق‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثالثة‭ وهى ‬التى‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬النظيفة‭ ‬والصرف‭ ‬الصحى،‭ ‬أو‭ ‬التى‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬تأثير‭ ‬التلوث‭ ‬الصناعى‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬خطوط‭ ‬الكهرباء‭.‬

أخيرا‭ ‬هناك‭ ‬مناطق‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الرابعة،‭ ‬وهى‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬المقامة‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬أملاك‭ ‬الدولة ‬والأوقاف.

‬بلغ‭ ‬إجمالى كل‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬357‭ ‬منطقة‭ ‬تضم‭ ‬242905‭ ‬وحدات‭ ‬سكنية‭ ‬وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬الماضية‭ ‬نجحت‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬تطوير‭ ‬296‭ ‬منطقة،‭ ‬وجار‭ ‬الآن‭ ‬تنفيذ‭ ‬أعمال‭ ‬تطوير‭ ‬الـ‭ ‬74‭ ‬منطقة‭ ‬المتبقية‭.‬

وأضاف‭ ‬د‭. ‬عاصم‭ ‬الجزار‭ ‬قائلا‭: ‬الآن‭ ‬هناك‭ ‬13‭ ‬محافظة‭ ‬خالية‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬العشوائية‭ ‬الخطرة‭ ‬وغير‭ ‬الآمنة‭ ‬وهى‭ (‬الدقهلية‭ ‬ـ‭ ‬الغربية‭ ‬ـ‭ ‬البحيرة‭ ‬ـ‭ ‬الشرقية‭ ‬ـ‭ ‬المنوفية‭ ‬ـ‭ ‬كفر‭ ‬الشيخ‭ ‬ـ‭ ‬السويس‭ ‬ـ‭ ‬بورسعيدـ‭ ‬سوهاج‭ ‬ـ‭ ‬قنا‭ ‬ـ‭ ‬الأقصر‭ ‬ـ‭ ‬الفيوم‭ ‬ـ‭ ‬شمال‭ ‬سيناء‭)،.

بنهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬2020‭ ‬ستنضم‭ ‬باقى‭ ‬المحافظات‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المحافظات،‭ ‬لتكون‭ ‬مصر‭ ‬خالية‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬العشوائية‭ ‬الخطرة‭ ‬وغير‭ ‬الآمنة‭ ‬بالكامل،‭ ‬وبذلك‭ ‬تغسل‭ ‬مصر‭ ‬وجهها‭ ‬المشرق‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬‮"‬الوصمة‮" ‬التى‭ ‬ظلت‭ ‬تلاحقها‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬عاماً‭.‬

سألته‭ ‬عن‭ ‬تكاليف‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬القومى‭ ‬الضخم‭ ‬؟

أجاب‭ ‬وزير‭ ‬الإسكان‭: ‬تكاليف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬العشوائية‭ ‬الخطرة‭ ‬كانت‭ ‬باهظة،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬نحو‭ ‬61‭ ‬مليار‭ ‬جنيه،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬سعر‭ ‬الأراضى‭ ‬المقام‭ ‬عليها‭ ‬المشروعات‭ ‬السكنية‭ ‬الجديدة‭.‬

‭>> ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬التجربة‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬تطوير‭ ‬المناطق‭ ‬الخطرة‭ ‬وغير‭ ‬الآمنه،‭ ‬وكيف‭ ‬استطاعت‭ ‬الدولة‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬رغم‭ ‬التراث‭ ‬السيئ‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬؟

أجاب‭ ‬د‭. ‬عاصم‭ ‬الجزار‭: ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الجدية‭ ‬هى ‬السلاح‭ ‬الأول‭ ‬الذى‭ ‬نجحت‭ ‬به‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬مواطنى‭ ‬تلك‭ ‬المناطق،‭ ‬وحينما‭ ‬شعر‭ ‬المواطن‭ ‬بالإنجاز‭ ‬الحقيقى ‬على ‬الأرض،‭ ‬وتحول‭ ‬حلمه‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬شعر‭ ‬بالأمن‭ ‬والطمأنينة،‭ ‬واستجاب‭ ‬لدعوة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬الخطرة‭ ‬إلى‭ ‬مسكنه‭ ‬الجديد،‭ ‬بعد‭ ‬آن‭ ‬كان‭ ‬مهدداً‭ ‬بالموت‭ ‬تحت‭ ‬صخرة،‭ ‬أو‭ ‬صعقاً‭ ‬بأسلاك‭ ‬الضغط‭ ‬العالى،‭ ‬أو‭ ‬تجرفه‭ ‬السيول‭ ‬هو‭ ‬وأسرته‭ ‬ومتعلقاته‭.‬

أيضا‭ ‬نجحت‭ ‬التجربة‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬إرساء‭ ‬قواعد‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬تلك‭ ‬الفريضة‭ ‬التى‭ ‬غابت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬كاملة‭ ‬عن‭ ‬سكان‭ ‬تلك‭ ‬المناطق،‭ ‬فكانت‭ ‬المساكن‭ ‬الحديثة‭ ‬الراقية‭ ‬التى‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬فى‭ ‬سوهاج،‭ ‬ودمياط‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬بحيرة‭ ‬مريوط‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬أو‭ ‬المواقع‭ ‬المتميزة‭ ‬الأخرى‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭ ‬الجديدة‭.‬

‭>> ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬قرار‭ ‬وقف‭ ‬البناء‭ ‬المؤقت،‭ ‬وعدم‭ ‬عودة‭ ‬العشوائيات‭ ‬مرة‭ ‬أخرى؟

أجاب‭ ‬وزير‭ ‬الإسكان‭: ‬علاقة‭ ‬أكيدة‭ ‬ومباشرة،‭ ‬فوقف‭ ‬البناء‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المحافظات‭ ‬ليس‭ ‬هدفا‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاته،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬وسيلة‭ ‬لضمان ‬عدم‭ ‬تسلل‭ ‬العشوائيات‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬حياتنا،‭ ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وقفة‭ ‬لاعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬الأمور،‭ ‬ووضع‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف،‭ ‬لضبط‭ ‬قواعد‭ ‬البناء،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬رخصة‭ ‬البناء‭ ‬بمثابة ‬شهادة‭ ‬ميلاد‭ ‬للمبنى،‭ ‬ويتم‭ ‬إعطاؤها‭ ‬على ‬مراحل،‭ ‬وبموجب‭ ‬ما يتم‭ ‬تنفيذه‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬السابقة،‭ ‬يتم‭ ‬السماح‭ ‬بالمرحلة‭ ‬اللاحقة‭ ‬بحيث‭ ‬تختفى‭ ‬مخالفات‭ ‬البناء‭ ‬للأبد‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬مصر‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬حتى‭ ‬لا تتحمل‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة ‬‮" الفاتورة‮"‬‭ ‬الباهظة‭ ‬التى‭ ‬تحملتها‭ ‬الدولة‭ ‬الآن‭ ‬لإصلاح‭ ‬الأخطاء‭ ‬السابقة‭.‬

وكشف‭ ‬د‭. ‬عاصم‭ ‬الجزار‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬إنشاء‭ ‬إدارة‭ ‬مركزية‭ ‬للتراخيص‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المحليات‭ ‬تكون‭ ‬مهمتها‭ ‬إصدار‭ ‬تراخيص‭ ‬البناء‭ ‬ومراقبة‭ ‬التنفيذ‭.‬

أخيرا‭ ‬يبقى‭ ‬تأكيد‭ ‬خصوصية‭ ‬التجربة‭ ‬المصرية‭ ‬فى ‬إزالة‭ ‬العشوائيات‭ ‬الخطرة‭ ‬بصفتها‭ ‬أحد‭ ‬الروافد‭ ‬المهمة‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتوفير‭ ‬مفهوم‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬لسكان‭ ‬تلك‭ ‬المناطق،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وضع‭ ‬الضمانات‭ ‬اللازمة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬تلك‭ ‬المأساة‭ ‬مستقبلا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬الضوابط‭ ‬اللازمة‭ ‬فى‭ ‬تراخيص‭ ‬البناء‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مدن‭ ‬وقرى ‬مصر‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬وبلورة‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬القواعد‭ ‬الجديدة‭ ‬المتوقعة‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬المقبلة‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

Back to Top