500 كيلو متر

نشر صباح الخميس 20-8

قبل تأدية فريضة الحج، كان يدور فى ذهنى دائما أن المسافة بين مكة والمدينة قصيرة جدا، لأنها مسافة قطعها النبى، صلى الله عليه وسلم، هو وأبو بكر الصديق، رضى الله عنه، سيرا على الأقدام، وكان يتناوبان ركوب الدابة التى كانت معهما.

كان تخيلى أن المسافة ربما لا تزيد على عشرات الكيلومترات، على أقصى تقدير، وحتى فى ظل تلك المسافة، التى كنت أتخيلها قصيرة، فإنه يكاد يكون اجتيازها مستحيلا، فى ظل عدم وجود طرق ممهدة، والسير وسط دروب الصحراء والجبال القاحلة.

حينما ذهبت إلى المملكة العربية السعودية، وسافرت من مكة إلى المدينة لزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، اكتشفت أن المسافة تبلغ نحو 500 كيلو متر تقريبا، أى ضعف المسافة بين القاهرة والإسكندرية.

تخيلوا حجم المعاناة والمشقة التى تكبدها النبى، صلى الله عليه وسلم، وهو يقطع مسافة تقترب من المسافة بين القاهرة والإسكندرية ذهابا وإيابا، سيرا على الأقدام، ووسط الصحراء القاحلة، ومطاردة رءوس القبائل فى مكة له، وتسخيرهم كل إمكاناتهم للنيل منه، وإيقاف انتشار دعوته.

معاناة هائلة تحملها الرسول، عليه الصلاة والسلام, منذ الجهر بالدعوة الإسلامية، فلم يكن الطريق مفروشا بالورد أمامه, وواجه مواقف صعبة وقاسية طوال فترة وجوده بمكة حتى هجرته منها إلى المدينة.

كان الله حافظا نبيه، ومطمئنا لقلبه، وحينما شعر أبوبكر الصديق بالخوف رد عليه الرسول على الفور: "لا تحزن إنا الله معنا".

الهجرة درس ملهم لكل المسلمين، ولكل ذوى النفوس الطيبة، لأنها تعطى كل المخلصين والجادين طاقة أمل رائعة فى نصر الله لهم مهما تتكالب عليهم الظروف.

أيضا، تعلمنا الهجرة عدم التواكل، وضرورة الأخذ بالأسباب، والاجتهاد فى كل نواحى الحياة، فلا نجاح دون مجهود حقيقى، أو إخلاص، وساعتها سيكون نصر الله حليفًا لكل مجتهد وصبور. عبدالمحسن سلامة

Back to Top