الاقتصاد المصرى "ينجو" من "ركود" كورونا
بقلم: عبدالمحسن سلامة
أكدت أحدث التقارير الصادرة عن البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية أن الاقتصاد المصرى هو الاقتصاد الوحيد فى جميع المناطق التى يعمل بها البنك الأوروبى الذى من المرجح أن يفلت من الركود فى السنة التقويمية 2020، مدعوما فى ذلك جزئياً بمشروعات البناء والتشييد العملاقة، وحدوث طفرة فى قطاع الاتصالات.
توقع التقرير أن ينكمش الاقتصاد التركى بنسبة 3,5% نتيجة انخفاض الطلب الخارجى الذى أدى إلى انهيار الصادرات، كما أدى الإغلاق المحلى وقيود التوريد إلى الإضرار بقطاعى الخدمات والتصنيع هناك.
أوضح التقرير أيضاً أنه من المرجح انكماش ناتج لبنان بشدة، بما يعكس تزايد حالة عدم اليقين بعد انفجار بيروت فى أغسطس الماضى، والذى تسبب فى أضرار جسيمة وخسائر فى الأرواح، وفاقم التحديات الاقتصادية والسياسية القائمة فى البلاد.
شهادة تقدير جديدة للاقتصاد المصرى من مؤسسة اقتصادية دولية رفيعة المستوى لا تعرف المجاملة ولا تجيد سوى لغة الأرقام والمعلومات ولا تؤمن إلا بالإنجازات والحقائق على الأرض.
لم يكن نجاح الاقتصاد المصرى فى مواجهة أزمة كورونا وليد مصادفة، وإنما كان نتيجة جهد خارق خلال السنوات الأربع الماضية نجح فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اجتياز الإصلاح الاقتصادى بنجاح، وحينما لاحت أزمة كورونا فى مطلع هذا العام وضع تصورا لمواجهة الأزمة راعى فيه التوازن بين الإجراءات الاحترازية، ومتطلبات استمرار دوران عجلة العمل والإنتاج مما أسهم فى تقليل الآثار الناشئة عن الأزمة الخطيرة التى ضربت الاقتصادات العالمية فى مقتل، وأدت إلى انكماش حاد فى الربع الثانى من عام 2020 لتلك الاقتصادات بلغ 8,2% على أساس سنوى، وهو الانكماش الأكبر من كل الإنخفاضات السابقة التى شهدتها الاقتصادات الدولية منذ الأزمة المالية العالمية.
التحرك المبكر كان أحد العوامل الحاسمة فى القدرة على مواجهة الازمة، فكل دولة لابد أن تعتمد على نفسها بالدرجة الأولى فى مواجهة تلك الازمة، فلن تساعد دولة، دولة أخرى إلا فى أضيق الحدود، لأن الكارثة لحقت بالجميع، والشلل أصاب العالم كله، وتوقفت حركة السياحة بالكامل بعد إغلاق الموانيء والمطارات، وانحسرت تحويلات المصريين من الخارج، وكذلك خرجت معظم الاستثمارات الأجنبية من الأسواق العالمية الناشئة بما فيها مصر وذهبت إلى أمريكا، وهو أمر معتاد فى الأزمات العالمية، حيث تهرب الاستثمارات الأجنبية إلى الوجهة الأكثر أمانا من وجهة نظرها فى محاولة لفهم ما حدث من تطورات اقتصادية فى مواجهة كورونا ذهبت إلى محافظ البنك المركزى طارق عامر لقراءة المشهد الاقتصادى الحالى والمتوقع بعد كورونا.
أكد طارق عامر أن الموقف كان صعبا ومعقدا فى البداية بدرجة كبيرة، حيث فقد الاقتصاد المصرى عائدات السياحة بالكامل والتى تقدر بـ 15 مليار دولار، وفى الوقت نفسه خرجت استثمارات أجنبية تقدر بحوالى 22 مليار دولار.
نجح الجهاز المصرفى من خلال الاحتياطيات والأحتياطيات الإضافية فى مواجهة الأزمة بهدوء، واستطاع استيعاب الصدمة الأولى الناتجة عن الأزمة العالمية وقام الجهاز المصرفى بتسديد الالتزامات الدولية المقدرة بنحو 22 مليار دولار.
وأضاف: لابد من التأكيد على أن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تبناه الرئيس عبد الفتاح السيسى يعد دورا أساسيا فى ثقة مؤسسات التمويل الدولية فى الاقتصاد المصرى، مما أدى إلى الاتفاق بسهولة على برنامجين للتمويل مع صندوق النقد الدولى بنحو 8 مليارات دولارات، وبرنامج مع البنك الإفريقى للتصدير والاستيراد بنحو 3 مليارات دولار ، بالاضافة إلى طرح سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار.
تمت كل هذه الإجراءات نتيجة نجاح خطة إصلاح الاقتصاد المصرى، ولولا تلك الخطة التى تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسى بشجاعة منقطعة النظير لحدثت كارثة اقتصادية فى مصر ربما لا تقل عن كارثة لبنان أو البرازيل والأرجنتين، وكان من الممكن أن تصل تلك الكارثة إلى الإفلاس.
سألته: هل نجحت مصر فى تخطى أزمة كورونا؟
أجاب محافظ البنك المركزى: بالفعل نجحت مصر فى تخطى الجزء الأول من تلك الأزمة الخانقة بأقل قدر من الأضرار، بل إن ما فعلته مصر أصبح نموذجا يحتذى به من دول العالم، بعد أن تبنته مؤسسات التمويل الدولية وأشادت به ونال ثقة تلك المؤسسات.
هناك دول أخرى قامت بتخفيض كبير لعملتها المحلية مثل تركيا، وإندونيسيا، والبرازيل، والصين ولم نلجأ فى مصر لهذا الأسلوب حفاظا على الاستقرار الاجتماعى، وتخفيفا للضغط على المواطنين وهو ما نجحت الدولة فى الرهان عليه، وكان البديل هو استخدام جزء من الاحتياطى النقدى لمواجهة أزمة خروج الأموال الاجنبية الطارئة وانحسار الموارد الأجنبية بشكل مؤقت.
وضعت الحكومة بالتعاون مع البنك المركزى خطة محسوبة بدقة منعت انهيار السوق، واعادت الثقة إلى الاقتصاد المصرى.
صحيح فقدنا جزءا من الاحتياطى النقدى لكن نجحنا فى عودة الثقة الكاملة فى الاقتصاد المصرى مما أدى إلى عودة حوالى 10,5 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المصرية وعاد الاستقرار إلى العملة المحلية وعاد الجنيه المصرى مرة أخرى إلى تحقيق مكاسبه فى مواجهة العملات الأجنبية.
أوضح طارق عامر محافظ البنك المركزى أنه لولا نجاح السياسة المالية والنقدية لاختفى الدولار من الأسواق أو تضاعف سعره على الأقل، وهو ما يؤدى بالضرورة إلى اختفاء السلع من الأسواق، وندرة المواد الخام لأنه يتم استيراد معظمها من الخارج، إلا أن نجاح خطة الإصلاح الاقتصادى التى تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما تبعها من سياسات مالية ونقدية عالجت كل تلك المشكلات.
كل ذلك أسهم فى نجاة الاقتصاد المصرى من ركود كورونا، ونجاح سداد الالتزامات وأقساط الديون دون متاعب، وكذلك لم تحدث موجات تضخمية مثلما حدث فى تركيا والسودان.
وأضاف أيضا: لم تحدث طفرات ضخمة فى معدلات البطالة نتيجة قيام البنك المركزى بعمل باقة متنوعة من المبادرات التى شملت القطاعات الاقتصادية المتنوعة مثل الصناعة والزراعة والسياحة والمقاولات لضمان الحفاظ على تلك الأنشطة والوفاء بالتزامات العمالة فيها.
هناك 24 مليون عامل يعملون فى القطاع الخاص و6 ملايين يعملون فى القطاع الحكومى، وقد استهدفت مبادرات البنك المركزى الحفاظ على تلك العمالة، حتى لا يتحولوا بين عشية وضحاها إلى بطالة، فكان لابد من توفير السيولة لتلك القطاعات لمواجهة التزاماتها الطارئة، وتم ضخ حوالى 431 مليار جنيه فى الجهاز المصرفى فى مواجهة ذلك, و130 مليار جنيه لشركات القطاع الخاص لمواجهة تلك الأزمة.
لقد أثبتت كورونا قوة وكفاءة الجهاز المصرفى فى مصر الذى تصدى لمواجهة الأزمة بحكمة واقتدار ودون أن يهتز، حيث تم تأجيل سداد الديون لمدة 6 أشهر كاملة وتم إلغاء غرامات التأخير، وهذا يعنى ببساطة عدم دخول موارد للبنوك لمدة 6 أشهر، وهو ما يؤكد قوة وكفاءة الجهاز المصرفى.
الدول الأخرى قامت بضخ الأموال من الخزانة العامة، وأمريكا نفسها قامت بضخ 4 تريليونات دولار من الخزانة العامة فى حين نجح الجهاز المصرفى بمصر فى مواجهة الأزمة بأقل أضرار ممكنه، وتحمل عبء المواجهة، بالكامل حتى بدأت الأمور تعود رويداً رويداً إلى مسارها الطبيعى الذى لايزال يحتاج إلى بعض الوقت ليستعيد مستوى ما قبل كورونا.
سألته: وماذا عن النظرة المستقبلة للاقتصاد المصرى؟
أجاب طارق عامر محافظ البنك المركزى: كل التقارير العالمية الاقتصادية المحايدة التى تصدر عن مؤسسات النقد والتمويل الدولية تشير إلى قوة الاقتصاد المصرى، والنظرة المستقبلية المتفائلة والمبشرة له خلال المرحلة المقبلة.
هذه التقارير كلها تصب فى خانة المستقبل المشرق للاقتصاد المصرى، وقدرته على التعافى السريع من آثار كورونا، وعودة معدلات النمو إلى ما كانت عليه قبل تلك الأزمة.
ونبه محافظ البنك المركزى إلى ضرورة السير فى خطوات الإصلاح الهيكلى فى الاقتصاد المصرى ودعم المشروعات الإنتاجية والزراعية بما يسهم فى حل مشكلات المنتجين، وإنهاء مشكلات الضرائب، والتقديرات الجزافية والاهتمامات بمشروعات توطين الصناعة وتعميق التصنيع، بما يؤدى فى النهاية إلى زيادة الإنتاج، ووضع الخطط اللازمة لرفع عوائد الصادرات، وبالذات الصادرات غير النفطية.
هذه الخطوات ضرورية فى المرحلة المقبلة لتتحول مصر إلى نمر اقتصادى واعد بعد أن استطاع الاقتصاد المصرى عبور أزمة كورونا بنجاح والتى تعتبر هى الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية.