ما بين النصر فى "أكتوبر" والنصر على "الإرهاب"

بقلم: عبدالمحسن سلامة

المشهد الأول: الرئيس أنور السادات يلقى خطاب النصر التاريخى تحت قبة البرلمان فى 16 أكتوبر عام 1973 والذى جاء فيه:

"ربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر ونتباهى، ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه، ومرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله".

"نروى كيف خرج الأبطال من هذا الشعب، وهذه الأمة فى فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور، وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء".

"عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة 1967 كانت استثناء فى تاريخنا، وليست قاعدة".

"عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه - إلى جيل سوف يجىء بعده - منكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها، عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء، لكننا ظللنا نحتفظ برءوسنا عالية فى السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والآلم والمرارة".

المشهد الثانى: الرئيس عبد الفتاح السيسى يلقى خطاب ذكرى انتصار أكتوبر بعد مرور 47 عاما فى 6 أكتوبر 2020 والذى جاء فيه:

"علّمنا نصر أكتوبر العظيم أن الأمة المصرية قادرة دوما على الانتفاض من أجل حقوقها وفرض احترامها على الآخرين".

"تعلّمنا أيضا أن الحق الذى يستند إلى القوة تعلو كلمته وينتصر فى النهاية، وأن الشعب المصرى لا يفرط فى أرضه وقادر على حمايتها".

"سلاما إلى أرواح شهدائنا الأبرار الذين رووا بدمائهم الذكية أرض مصر الطاهرة، وقدموا لأجيال تأتى من بعدهم القدوة والمثل فى التضحية والفداء".

"تحية إلى رجال القوات المسلحة المصرية الذين يرابطون الآن فى كل بقعة من أرض مصر مع أخوانهم من رجال الشرطة ليحفظوا لمصر أمنها وآمانها واستقرارها".

"لا يخفى عليكم أن الأطماع فى مصر لم تنته، وأن التهديدات، وإن تغيرت طبيعتها فإن خطورتها لم تقل".

"ماحققته مصر خلال السنوات القليلة الماضية على طريق تحقيق الأمن وترسيخ الاستقرار لهو إنجاز يشهد به العالم لنا".

"نجدد العهد على مواصلة العمل من أجل صون كرامة هذا الوطن والمضى قدما فى طريق البناء والتنمية والتعمير والسلام".

ما بين الخطابين 47عاما غير أن الخطوط المشتركة والروابط بين التاريخين كثيرة ومتعددة.

فى أكتوبر 1973 كانت مصر خارجة لتوها من كابوس نكسة 1967، والتى كانت بمنزلة زلزال مدمر ضرب المنطقة العربية كلها ليعيد الاحتلال الأجنبى البغيض إلى الأراضى العربية ويشمل احتلال الأراضى الفلسطينية كلها، وسيناء من مصر، والجولان من سوريا، وبعض المناطق الأردنية واللبنانية.

كانت نكسة 1967 ضربة موجعة "قلبت الموازين رأسا على عقب"، وكادت تتوقف حركة الحياة تقريبا بعد أن أصبح شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، هو السائد فى كل مكان، انهار الاقتصاد المصرى إلى أسوأ أحواله، وتوقفت حركة التنمية والعمران.

ست سنوات من التحدى والإصرار والمثابرة تحملتها القوات المسلحة المصرية، وخلالها تم إعادة بناء الجيش المصرى، وإعادة تنظيم صفوف القوات المسلحة، وبناء حائط الصواريخ، وانطلاق حرب الاستنزاف التى كانت بمنزلة التدريب العملى لانتصار حرب أكتوبر.

فى أكتوبر 1973، تحقق الانتصار العظيم للجيش المصرى الذى به استعاد ذاكرة الانتصارات للأمتين العربية والإسلامية على مدى قرنين من الزمان.

جاءت حرب أكتوبر لتعيد ثقة الجيش المصرى بنفسه، وتحطم أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى أطلق على نفسه كذبا "الجيش الذى لا يقهر"، ومع انتصار أكتوبر استعادت الشعوب العربية كلها كرامتها وعزتها من المحيط إلى الخليج.

لم تتوقف نتائج حرب أكتوبر على الجانب العسكرى فقط، لكنها فتحت أبواب السلام لتستعيد مصر بعد ذلك كامل ترابها الوطنى بالمفاوضات واتفاقية السلام التى لم يكن من الممكن أن تقوم إسرائيل بتوقيعها لولا انتصار حرب أكتوبر العظيم.

بعد ما يقرب من 40 عاما عاش الجيش المصرى تحديا من نوع جديد لا يقل خطورة عن كارثة 1967 حينما بدأ الإرهاب الأسود يطل برأسه فى محاولة منه لهدم الدولة المصرية، وتقويضها، وتقسيمها، وإدخالها فى نفق مظلم مثلما حدث فى أفغانستان، والصومال، واليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، وغيرها من الدول التى نجح الإرهاب فى اغتيالها وتدميرها دون أفق حقيقى للخلاص منه.

كانت مخاطر المخطط الشيطانى اللعين ربما تفوق مخاطر الاحتلال الإسرائيلي الذى تعرضت له سيناء فى 1967، لأن هدف المخطط كان يتركز فى تقسيم الدولة إلى أكثر 4 دويلات، واحدة فى سيناء، وأخرى فى وجه بحرى، وثالثة فى الصعيد، وربما رابعة فى أسوان والنوبة.

بعد 1967كان الجيش المصرى ومعه الشعب كله على قلب رجل واحد فى مواجهة عدو واضح وظاهر، وضد جيش نظامى يتبع دولة بعينها، بعكس الحرب على الإرهاب التى خاضها الجيش المصرى بعد ما يقرب من 40 عاما على انتصارات أكتوبر.

العدو فى الحرب على الإرهاب غير معلن، ويتخفى وراء شعارات وأوهام كاذبة، ويلتحف بأجهزة مخابرات عالمية، ويتم تمويله بأشكال متعددة معلنة وغير معلنة من تلك الدول التى تقوم بتنفيذ الأجندات التخريبية لضرب مصر واستقرارها مثل تركيا وقطر، وغيرهما من الدول الأخرى التى لا تعلن عن نفسها بوضوح.

كان التحدى فى الحرب على الإرهاب أصعب وأخطر، بعد أن عاشت مصر ما يقرب من 3 سنوات فى ظل أوضاع مضطربة وغير مستقرة نما فيها الإرهاب، وترعرع وظهرت لأول مرة الرايات السوداء لولاية داعش الإرهابية فى سيناء.

انتفض الشعب المصرى وسانده الجيش لتقوم ثورة 30 يونيو 2013 التى غيرت الموازين، وقلبت الأوضاع فى المنطقة رأسا على عقب.

كانت نتيجة تلك الثورة ازدياد شراسة العمليات الإرهابية فى محاولة يائسة لاستمرار المخطط الشيطانى للإرهابيين، ومحاولة "إفشال" الثورة الشعبية.

هنا استعاد الجيش المصرى أمجاد النصر، ورفض الخضوع والابتزاز أمام الجماعات الإرهابية، وبدأت الحرب الكبرى على الإرهاب فى كل شبر من الأراضى المصرية.

كانت المحاولات مستميتة لكسر إرادة الجيش المصرى لكن تحطمت كل هذه المحاولات على صخرة خير أجناد الأرض، كما أخبر عنهم النبى محمد صلى عليه وسلم.

ملحمة كبرى خاضها الجيش المصرى تكللت بالعملية الشاملة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2018، والتى نجحت فى كسر شوكة الإرهابيين، وتقطيع أوصالهم، وتجفيف منابع تمويلهم، واصطياد أكبر عدد منهم فى عمليات نوعية متميزة.

قدم الجيش المصرى مرة أخرى نموذجا فريدا إلى العالم كما حدث فى عام ١٩٧٣ حينما قام بتغيير الكثير من المفاهيم والاستراتيجيات العسكرية.

نجاح الجيش المصرى فى الحرب على الإرهاب كان بداية النهاية لتجفيف منابع الإرهاب فى العالم، حيث انتهت أسطورة داعش إلى الأبد في مصر وفى الكثير من دول العالم والتى تحول أفرادها الفارون إلى ذئاب منفردة مصابة بـ"السعار" تقوم ببعض أعمال عشوائية غير مؤثرة.

الانتصار على الإرهاب كان البداية فى عودة الاستقرار ودوران عجلة العمل والإنتاج، وإنقاذ مصر من انهيار اقتصادى مؤكد.

كان الاقتصاد المصري قد وصل إلى وضع كارثى غير مسبوق بعد أن شهد موجات عاتية من التراجع لينتهى التصنيف الائتمانى إلى "ccc+" تمهيدا لإعلان إفلاس مصر.

الآن تغير الوضع تماما، وأصبح الاقتصاد المصرى محل إشادة من جميع المؤسسات الدولية والمصرفية المتخصصة، واستقر تصنيف مصر الائتمانى عند مستوى "B" مع نظرة مستقبلية مستقرة رغم ظروف كورونا ومشكلاتها التى ضربت كل الاقتصادات العالمية.

هذا النجاح انعكس على معدلات التنمية والتعمير فى كل الأراضي المصرية، وأصبحت الحكومة تسابق الزمن ليتم مضاعفة مساحة المعمور فى مصر من 7% إلى14% ومعه تتم مضاعفة التوسعات السكنية والعمرانية والصناعية والزراعية بما ينعكس إيجابا على توفير فرص العمل، وزيادة الصادرات، وانخفاض الواردات.

أعتقد أن المعركة لم تنته بعد، لأن الأطماع فى مصر لم تنته، وهو ما حذر منه الرئيس عبدالفتاح السيسى في خطابه الأخير فى الاحتفال بنصر أكتوبر. ومن هنا تأتى أهمية التلاحم بين الشعب وقواته المسلحة ومؤسسات دولته لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التى تليق بمصر وشعبها فى المستقبل القريب.

 

Back to Top