من مؤامرة تفكيك الداخلية إلى بناء شرطة مصرية

بقلم: عبدالمحسن سلامة

بداية المؤامرة كانت من العراق، حينما أعلن الحاكم المدنى الأمريكى بول بريمر للعراق, حل القوات المسلحة العراقية، وإلغاء عدد كبير من الأجهزة المدنية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، وتسريح جميع عناصر الجيش العراقى والحرس الجمهوري، وإلغاء جميع الرتب العسكرية فى العراق.

القرار صدر فى 23 مايو 2003، حيث تم حل كل أجهزة الجيش العراقى وأجهزة الشرطة العراقية، وجهاز المخابرات العامة، ومديرية الأمن العام، وجهاز الأمن الخاص.

الجيش العراقى كان واحدا من أكبر وأهم الجيوش فى المنطقة، واحتل مرتبة متقدمة فى ترتيب الجيوش فى العالم، حتى وقع الغزو العراقى للكويت، ثم بدأت المؤامرة الكبرى ضد العراق واحتلاله وتدميره.

لم يكن العراق وحده هو المستهدف، وإنما كان هو البداية لتدمير دول المنطقة كلها، وتحويلها إلى دويلات، وتفكيك جيوشها وأجهزتها الأمنية، وضرب استقرارها، لتغرق فى دوامات الفوضى والعنف اللانهائية.

نجاح المؤامرة فى العراق شجع قوى التآمر على الإعداد للدخول إلى الموجة الثانية التى استهدفت مصر وسوريا وليبيا وتونس، فى إطار سيناريو متصاعد ومراحل متعددة، تمتد بعد ذلك إلى اليمن ودول الخليج وباقى الدول العربية.

بريد هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، الذى تم الكشف عن بعض تفاصيله بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أخيرا رفع السرية عنه، أكد وجود مخطط للتآمر على دول المنطقة فيما سمى "الربيع العربى".

عملت هيلارى كلينتون، خلال فترة توليها وزارة الخارجية الأمريكية فى الفترة من 2009 إلى 2013، على إعطاء الضوء الأخضر، لنشر الفوضى فى المنطقة العربية كلها، من خلال مخطط مدروس بعناية، وبرعاية أمريكية صريحة، ودعم وتمويل قطرى.

هيلارى كلينتون كانت ممسكة بخيوط المؤامرة، بما يؤكد أن اندلاع ثورات الربيع العربى لم تكن جميعها "انتفاضات تلقائية"، وإنما كانت ضمن سيناريو معد سلفًا بإحكام، يتضمن التخطيط والتنفيذ والتمويل.

التخطيط كان من إدارة باراك أوباما، والتنفيذ من الجماعات الإرهابية والعناصر المتطرفة بكل أشكالها فى الداخل، والتمويل من قطر، والدعم الإعلامى من أذرع قطر الإعلامية.

ضمن الرسائل طالبت هيلارى كلينتون قطر بتمويل ثورات الربيع العربى عبر صندوق مخصص لمؤسسة كلينتون.

كشفت الرسائل أيضا عن تقديم هيلارى كلينتون الدعم الكامل إلى الإخوان فى مصر وتونس والمغرب، وسمحت لكبار مساعديها بعقد لقاءات موسعة معهم، حيث تشير رسالة بوب هورماتس، مساعد الوزيرة للشئون الاقتصادية، إلى أنه والدبلوماسى بوب تايلور اجتمعا مع وفد من جماعة الإخوان فى مصر، وقال، فى رسالته "السيدة الوزيرة التقيت بهم أمس، ويلتقى بيل بيرنز اليوم مع طيف واسع من الإسلاميين من تونس والمغرب ومصر، وسيلتقى بوب هورماتس وبيل تايلور مع أعضاء التنظيم من مصر. ذهبوا إلى مجلس الأمن القومى الليلة الماضية، لكننى لم أطلع بعد على ما دار".

كشفت الرسائل أيضا عن محاولة هيلارى كلينتون ضرب مؤسسة القضاء المصرى، بوصفه أحد أعمدة الدولة المصرية، حيث تم تبادل العديد من الرسائل بين الإدارة الأمريكية وسعد الكتاتنى، رئيس البرلمان فى فترة حكم الإخوان، تتعلق هذه الرسائل بالقضاء المصرى وضرورة السيطرة عليه.

التركيز الأكبر كان يستهدف وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية، فكانت البداية باقتحام السجون وأقسام ومراكز الشرطة، ثم كان اقتحام مقر أمن الدولة بمدينة نصر.

كان المخطط يعمل على تفكيك وزارة الداخلية، والاستغناء عن كوادرها الأمنية على غرار ما حدث فى الجيش العراقي، تمهيدا لإحلال ميليشيات خاصة مكان الأجهزة الأمنية، من خلال تدريب شباب يتبع الجماعات المتطرفة من الجامعات المصرية وغيرها، لإحلال تلك المجموعات محل الأجهزة الأمنية المختلفة بالتدريج.

خطة إدارة أوباما، التى كانت تنفذها هيلارى كلينتون، كانت تتركز على تفكيك أجهزة وزارة الداخلية، وإعادة هيكلتها تحت إشراف خبراء أمريكيين على طريقة بول بريمر فى العراق.

ضمن الرسائل التى تم الكشف عنها محادثات جرت بين هيلارى كلينتون ومحمد مرسى، عرضت خلالها "مساعدة سرية"، لتحديث وإصلاح جهاز الشرطة، على أن يتضمن ذلك إرسال فريق من الشرطة الأمريكية وخبراء الأمن إلى مصر.

المشهد العراقى نفسه، غير أنه فى العراق بدأت المؤامرة بالجيش العراقى بعد احتلال العراق، لكن فى مصر الوضع مختلف، حيث ظل الجيش المصرى "متيقظا" للمؤامرة منذ بدايتها، وحافظ على تماسكه وقوته، وظل "مرابضا" يراقب الموقف عن كثب، وظل منحازا إلى عقيدته الوطنية بالالتحام مع شعبه، رافضا كل الضغوط والإغراءات.

لحسن الحظ، فقد ثار الشعب على تلك المؤامرة سريعا، وخرجت المظاهرات الحاشدة فى30 يونيو، وانحاز الجيش كعادته إلى الشعب، ليكسر "طوق" المؤامرة اللعين، وتنتهى مؤامرات تفكيك الأجهزة الأمنية، وضرب السلطة القضائية، وإضعاف كل مؤسسات الدولة الوطنية.

يوم الخميس الماضي، كان ردا عمليا على مؤامرات تفكيك الأجهزة الأمنية، وهدم وزارة الداخلية.

الرد العملى جاء فى حفل تخريج دفعة جديدة من طلبة كلية وأكاديمية الشرطة، الذى أكد نجاح الدولة المصرية فى اجتياز مخططات الشر والهدم التى كانت ولاتزال تحاك بالداخل والخارج، للقضاء على الوطن والشعب المصرى.

وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، أشار إلى الاهتمام بالعنصر البشرى فى الشرطة المصرية، وإعادة تأهيله، حيث قامت وزارة الداخلية بتحديث جميع مفردات منظومة مواردها البشرية، من خلال الاعتماد على الأسلوب العلمى، وإعداد الكوادر الأمنية بمختلف فئاتها وتنوع درجاتها، والارتقاء بالأداء، لتحقيق القدرة على تحمل الأعباء ومواجهة التحديات.

ما شاهدناه، وشاهده العالم يوم الخميس الماضى، يؤكد نجاح الدولة المصرية فى إعداد شرطة عصرية حديثة قادرة على مواجهة التحديات والأزمات بكل أشكالها، سواء تلك المتعلقة بالأعمال الإجرامية الجنائية أو تلك الأعمال الإرهابية بمختلف صورها وأشكالها.

شرطة تعتمد على خبرات متراكمة عظيمة، تجلت فى 25 يناير 1952، حينما وقفت تحارب المحتل الإنجليزى، وسقط منها خمسون شهيدا وثمانون جريحا، ورفضوا إلقاء السلاح، وإخلاء مبنى محافظة الإسماعيلية للاحتلال الإنجليزى.

أما أكثر المشاهد التى تستحق التوقف أمامها فى احتفالات الخميس الماضى، فكانت مشاهد الـ9 خريجين الجدد من أبناء شهداء الشرطة والقوات المسلحة.

هؤلاء ـ فى رأيى ـ يمثلون الشخصية المصرية العابرة للأزمات، التى ترفض الاستسلام، وتتمسك بدولتها مهما تكن التضحيات.

هم يؤكدون قدرة مصر على إنجاب الأبطال دائما، وعدم الخوف من مواجهة الموت، لأن عقيدتهم هى النصر أو الشهادة.

يقف وراء هؤلاء الأبطال سيدات مصريات عظيمات، تصر على كسر شوكة الإرهاب، والانتصار عليه مهما تكن التضحيات, مثل تلك السيدة العظيمة أم الشهيد البطل ملازم أول قوات مسلحة محمد كريم أحمد ضيف، التى أصرت على أن يقوم ابنها الثانى "مُهاب" باستكمال مسيرة التضحية والفداء للوطن من خلال الشرطة المصرية.

تلك النماذج العظيمة هى التى "أفشلت" مخططات هدم الدولة المصرية، وتفكيك أجهزتها الأمنية، لتنجح الدولة المصرية فى اجتياز تلك الأزمات بأسرع مما يتخيله البعض فى الداخل والخارج، وعادت الشرطة المصرية أقوى مما كانت، لتقوم بدورها إلى جوار الشقيق الأكبر الجيش المصرى الذى أصبح الجيش التاسع عالميا، والأكبر فى المنطقة العربية وإفريقيا والشرق الأوسط على الإطلاق.

Back to Top