حلم عودة الجامعات المصرية إلى العالمية ينطلق من شرم الشيخ
بقلم: عبد المحسن سلامة
فى مصر أقدم جامعة إسلامية، وأقدم جامعة مدنية فى العالم العربى، ومن الجامعات المصرية تخرج العديد من الرؤساء والوزراء والرموز الفكرية والأدبية والدينية فى العالمين العربى والإسلامى وإفريقيا.
جامعة الأزهر هى أقدم جامعة فى العالم العربى وإفريقيا وفيها تخرج العديد من الرموز والوزراء والرؤساء والمسئولين فى دول العالم المختلفة أبرزهم الرئيس الجزائرى, هوارى بومدين, الذى التحق بالأزهر ودرس فيه وتفوق فى دراسته وعاد إلى الجزائر ليتدرج فى العديد من المناصب حتى تولى رئاسة الجزائر عام 1976 بعد الرئيس أحمد بن بلة.
إلى جانب هوارى بومدين هناك محمد فؤاد معصوم رئيس العراق الأسبق والذى تولى رئاسة العراق فى الفترة من عام 2014 حتى عام 2018 وهو خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1958.
كذلك أيضا مأمون عبد القيوم رئيس جزر المالديف الأسبق الذى التحق بالأزهر وتخرج فى كلية الشريعة بها.
إلى جوار هؤلاء هناك العديد من الشخصيات والرموز التى تولت مناصب وزارية ودينية فى دول العالم المختلفة تخرجت جميعها فى جامعة الأزهر التى كانت ولاتزال منارة للتعليم والتنوير فى العالم الإسلامى.
أما جامعة القاهرة فهى الجامعة المدنية الأقدم فى العالم العربى وثالث جامعة بعد الأزهر والقرويين، ولها تاريخ طويل فى نشر التعليم والتنوير فى المنطقة العربية والإفريقية، ويكفيها فخرا أن من بين خريجيها ثلاثة من الحاصلين على جائزة نوبل وهم الرئيس الفلسطينى ياسرعرفات خريج كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1950 الذى حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1994، والأديب الكبير نجيب محفوظ خريج كلية الآداب بجامعة القاهرة وحصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1988 والدكتور محمد البرادعى خريج كلية الحقوق وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005.
أما أبرز الرؤساء والزعماء إلى جوار ياسر عرفات يأتى الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، وحاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمى، وغيرهم من الرموز والمفكرين المصريين والعرب والأفارقة.
لم يقف الأمر عند جامعتى الأزهر والقاهرة فقط فى الجامعات المصرية لكن امتد إلى جامعة الإسكندرية ثالث أقدم جامعة مدنية مصرية بعد القاهرة والجامعة الأمريكية ومنها تخرج د. أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل فى الكيمياء عام 1999، وعالم الذرة المصرى الشهير د. يحيى المشد.
هكذا حملت الجامعات المصرية مشاعل التنوير فى بدايات القرن الماضى وحتى قرب نهاياته، إلا أنه بدأ التراجع السريع للجامعات المصرية، بفعل الإهمال والتراخى ليتراجع التصنيف العالمى للجامعات المصرية ويتراجع معه تأثير القوى الناعمة المصرية، بعد أن كانت تلك الجامعات منارة إشعاع حضارى وفكرى وأسهمت فى تخريج نوعيات شديدة التميز من العلماء والأدباء والمفكرين أمثال طه حسين، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، ومصطفى مشرفه، وزكى نجيب محمود، وعبد الرازق السنهورى، وغيرهم كثيرون فى مختلف المجالات.
بالأمس افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى جامعة الملك سلمان (فرعى شرم الشيخ، ورأس سدر) فى إطار الجهود المبذولة حاليًا لعودة الجامعات المصرية إلى سابق عهدها كمنارة إشعاع فى المنطقة العربية والإفريقية، فى إطار ثورة تعليمية شاملة تشهدها مصر حاليا للتعليم الجامعى وقبل الجامعى.
سألت د.خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى عن أسباب تراجع الجامعات المصرية خلال نهايات القرن الماضى وبدايات القرن الحالي؟!
أجاب: أسباب عديدة منها التغيرات الديموغرافية التى طرأت على الخريطة السكانية حيث كان تعداد مصر عام 1950 يبلغ نحو 20 مليونا ونصف المليون نسمة، ارتفع هذا العدد عام 2020 إلى نحو 101 مليون نسمة.
هذه الزيادة أدت إلى ارتفاع أعداد المواطنين فى الشريحة العمرية من 18 إلى 22 إلى 7,9 مليون نسمة، وهى الشريحة التى تحتاج إلى أماكن جامعية.
أضاف: فى عام 2015 كانت نسبة الإتاحة فى الالتحاق بالتعليم الجامعى نحو 32% فقط باجمالى 2,7 مليون طالب، ثم ارتفعت النسبة فى عام 2017 إلى 35%، ثم زادت النسبة عام 2020 إلى 37% باجمالى 3,1 مليون طالب.. أى أنه تم توفير 300 ألف مكان زيادة هذا العام، ومن المقرر أن ترتفع النسبة عام 2030 إلى 40% بإجمالى 4,1 مليون طالب تقريبا، بزيادة مليون طالب عن عام 2015.
هذه التوسعات اقتضت بالضرورة زيادة حجم الإنفاق على التعليم العالى والبحث العلمى وارتفعت موازنة وزارة التعليم العالى من 25 مليار جنيه عام 2014 إلى 65 مليار جنيه عام 2020 بزيادة نسبتها 160%.
الزيادة الضخمة فى الإنفاق جاءت لرفع معايير جودة العملية التعليمية فى الجامعات المصرية، وقد نجحت الجامعات المصرية فى القفز 9 مراكز دفعة واحدة خلال العام الماضى فقط، لتحتل مصر المركز الـ 42 بعد أن كانت فى الـ 51 بين أفضل 80 دولة على مستوى العالم.
قلت: هل انعكس ذلك على مستوى التصنيف الدولى للجامعات المصرية؟
أجاب د.خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى: التصنيف الدولى للجامعات المصرية قفز قفزة هائلة خلال السنوات الخمس الماضية، وبعد أن كانت هناك 3 جامعات فقط فى تصنيف التايمز البريطانى للجامعات عام 2016، أصبح هذا العام يضم 21 جامعة بزيادة غير مسبوقة على الإطلاق بلغت 600%.
أما تصنيف "QS" لجامعات الدول العربية - فقد كان يضم عام 2017 - 15 جامعة مصرية، والآن يضم 22 جامعة بزيادة بلغت 47%.
وبالنسبة لتصنيف "QS" الدولى للجامعات فقد كان يضم خمس جامعات فقط عام 2017، وحافظت مصر على هذا التصنيف حتى الآن، ونهدف إلى مضاعفته خلال المرحلة المقبلة.
تزامن ذلك مع تقدم كبير فى مؤشرات البحث العلمى والابتكار فى مصر، حيث بلغت الأبحاث العلمية المنشورة دوليا عام 2014 نحو 15,643 بحث ارتفعت هذا العام إلى 25,549 بحث بزيادة بلغت ما يقرب من 10 آلاف بحث فى العلوم الإنسانية والاجتماعية والزراعية والطبية.
سألت: وماذا عن خطوات الاستعداد المستقبلى لمواكبة زيادة الأعداد المتوقعة، والارتقاء بجودة التعليم والبحث العلمى؟
أجاب د.خالد عبدالغفار: هناك استراتيجية متكاملة يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى وهى استراتيجية 2030 التى تتواكب مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة والتجاوب مع وظائف المستقبل خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعى ونوعية فرص العمل الجديدة التى يحتاجها السوق لتكون هى وظائف المستقبل.
الاستراتيجية تقوم على عدة محاور أبرزها تحديث البنية التعليمية التحتية، وإعداد البرامج اللازمة لذلك، وسن التشريعات التى تواكب هذه التطورات، والتوسع فى إنشاء الجامعات الحكومية والأهلية والدولية، بالإضافة إلى التوسع فى مسارات جديدة للتعليم على غرار الجامعات التكنولوجية.
وأضاف: كان لدينا 23 جامعة حكومية عام 2014 والآن تم إضافة 4 جامعات جديدة ليصبح لدينا 27 جامعة حكومية مصرية، وبالنسبة للجامعات الخاصة ارتفع العدد من 18 جامعة عام 2014 إلى 35 جامعة هذا العام، وبذلك يرتفع العدد الإجمالى للجامعات الخاصة والحكومية من 41 جامعة عام 2014 إلى 72 جامعة عام 2020 بزيارة 76%.
ولمواكبة الثورة التكنولوجية تم إنشاء معهد بحوث الالكترونيات ويضم 7 معامل مختلفة للنانو تكنولوجى والحوسبة السحابية، والروبوت والتحكم الآلى وغيرها، بالإضافة إلى إنشاء مركز تجميع وتكامل وأختبار الأقمار الصناعية، وكبسولة محاكاة ظروف الفضاء وخزانات النتروجين.
هذا إلى جوار إنشاء 3 جامعات تكنولوجية فى القاهرة، وقويسنا، وبنى سويف، وهى الجامعات التى تستوعب خريجى التعليم الفنى المؤهلين لاستخدام التكنولوجيا فى سوق العمل، وتسهم فى تغيير ثقافة المجتمع حيال التعليم الفنى من خلال إيجاد مسار تعليمى مواز يختلف عن التعليم الجامعى التقليدى، وفى الوقت ذاته يلبى طموح خريجى التعليم الفنى فى الحصول على درجة البكالوريوس واستكمال دراساتهم العليا.
.وماذا عن جامعة الملك سلمان التى تم افتتاحها أمس؟
أجاب وزير التعليم العالى: هى نموذج رائع للجامعات الأهلية الدولية التى يتم التوسع فيها حاليا حيث تم إقامة عدة جامعات أهلية على غرارها فى العلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة، والجلالة.
أما جامعة الملك سلمان فهى تضم 3 أفرع فى شرم الشيخ, والطور, ورأس سدر، وتم بدء الدراسة فى فرعين هما شرم الشيخ, ورأس سدر.
الجامعات الجديدة تضم معظم التخصصات الأدبية والعلمية، وبها تخصصات نادرة تناسب البيئة الخاصة فى سيناء مثل كلية الزراعات الصحراوية وأخرى للطب البيطرى إلى جوار باقى التخصصات العلمية والطبية والتكنولوجية والأدبية.
أخيرا يؤكد د. خالد عبد الغفار أن المرحلة المقبلة سوف تشهد عودة الجامعات المصرية إلى صدارة الجامعات العربية والإفريقية من خلال التركيز على مستوى جودة التعليم لتكون جامعات جاذبة لكل أبناء العالم العربى وإفريقيا وتصبح منارة المنطقة فى القرن الحادى العشرين، كما كانت قبل ذلك.