قضايا "المنطقة" الشائكة على "طاولة" الرئيس الأمريكى!

بقلم: عبدالمحسن سلامة

بغض النظر عن أن المرشح الأمريكى جو بايدن أصبح هو الأقرب للفوز، وربما يكون قد حسم الموقف وقت قراءة هذا المقال، وبغض النظر عن وقوع مفاجآت قد تبدو مستحيلة فيما يخص فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فإن ما يعنينا فى المنطقة ليس شخص الرئيس الأمريكى أو اسمه، وإنما يعنينا فى المقام الأول طريقة تعاطيه لأزمات المنطقة وقدرته على تفادي أخطاء السياسات السابقة سواء فى عهد الرئيس ترامب أو فى عهد سابقه أوباما، وأن يكون الرئيس المنتخب للولايات المتحدة جديرا بكونه رئيس أكبر وأقوى دولة فى العالم.

قضايا شائكة ومعقدة كثيرة تنتقل من طاولة رئيس أمريكى إلى رئيس آخر لاتزال تراوح مكانها، وربما تتقدم خطوة إلى الأمام أحيانا إلا أنها فجأة تتراجع خطوات إلى الخلف بسبب سوء تقدير من الإدارة الأمريكية للموقف ونتيجة عدم فهم حقيقى لطبيعة المنطقة وظروفها.

من العبث المبالغة فى التقديرات لهذا المرشح أو ذاك، وللأسف هناك من يحاول أن يفهم معركة الانتخابات الأمريكية بعقليته هو لا بعقلية الناخب الأمريكى، ويتطور الأمر إلى أوهام وأحلام غير حقيقية، لأن الرئيس الأمريكى المقبل لا يهمه سوى مصالح أمريكا وشعبها، ووفقا لحساباته الانتخابية المرتبطة بناخبيه وليست حسابات أخرى خارج أمريكا.

ربما تكون قضية الصراع العربى ـ الإسرائيلى هي إحدى القضايا الرئيسية التى تهم المنطقة وتنتظر بفارغ الصبر إيجاد حل ينهى 72 عاما من الصراع والقتال وسفك الدماء.

هذا الحل لن يكون إلا بإقامة الدولتين وهو ما توافقت عليه الدول العربية وفق المبادرة العربية، وإقرار مبدأ الأرض مقابل السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وكذلك أيضا إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لكل الأراضى المحتلة عام 1967، بما فيها الجولان السورية.

الانحياز الأمريكى "الأعمي" لـ إسرائيل هو انحياز تاريخى منذ إقامة الدولة الإسرائيلية عام 1948 وطوال تلك المدة التى امتدت إلى 72 عاما، ظلت أمريكا منحازة بشكل "فج" إلى إسرائيل حتى حرب أكتوبر عام 1973، التى نجحت فى تغيير موازين القوى فى المنطقة، وتعامل الرئيس الراحل أنور السادات ببراعة فى هذا الملف، بعد أن حقق الانتصار العظيم على إسرائيل، ثم اتجه إلى الولايات المتحدة، ونجح فى كسب ثقة الرئيس الأمريكى الأسبق جيمي كارتر الذى كان يؤمن بالسلام، وتم توقيع اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية التى انسحبت إسرائيل بموجبها من جميع الأراضى المصرية.

بعد ذلك نجحت الأردن هى الأخري فى استرداد أراضيها المحتلة، التى كان آخرها أراضى الباقورة والغمر الأردنية التى انسحبت منها إسرائيل فى مثل هذه الأيام من العام الماضى.

غير ذلك لاتزال الأراضي السورية محتلة، ولا تزال القضية الفلسطينية "معلقة" دون حل حتى الآن، وتزداد الأمور بشأنها تعقيدا كل يوم.

ترامب كان أكثر "فجاجة" فى الانحياز "المطلق" لإسرائيل خاصة، حينما تعلق الأمر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو القرار الذي كان "معلقا" فترة طويلة وكان الرؤساء الأمريكيون السابقون "يؤجلون" التوقيع عليه ويتم ترحيله من رئيس إلى آخر.

ولآن ترامب كان يراهن على "اللوبي" اليهودى فى الانتخابات الأمريكية فقد اتخذ هذا الإجراء المنحاز إلى إسرائيل، وربما تكون إحدى مزايا تراجعه فى تلك الانتخابات هى سقوط "وهم" اللوبى اليهودى فى الانتخابات، وعدم قدرته على التأثير الكبير فى نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث لم تشفع له كل الصفقات الكبرى التى قدمها هدية مجانية لدولة إسرائيل.

من المهم أن نعيد التذكير بالموقف المصرى الحاسم والواضح فى تلك القضية، ورغم العلاقات المصرية ـ الأمريكية المتميزة إلا أن مصر هى التى قدمت القرار الرافض لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى مجلس الأمن، وشددت على أن أى تغيير فى وضع القدس ليس له أثر قانونى، وحذرت من التداعيات الخطيرة للقرار الأمريكى، وطالبت بإلغائه.

وأكدت أن وضع القدس يجب أن يتقرر عبر المفاوضات، وأن أى قرار أو عمل يمكن أن يغير من طابع، أو وضع التركيبة الديموجرافية للقدس ليس له قوة قانونية، وهو باطل، وكأنه لم يكن، ولابد من إلغائه.

للأسف رفضت إدارة ترامب القرار، واستخدمت حق النقض "الفيتو"، ضد رغبة أعضاء مجلس الأمن، حيث وافق عليه 14 عضوا، ولم يعترض سوى أمريكا وحدها، وانتقلت المعركة إلى الجمعية العمومية التى صوتت لمصلحة مشروع القرار بأغلبية "128" دولة مقابل رفض 9، وامتناع 35 دولة عن التصويت.

موقف مصري شجاع ونبيل انحاز إلى المصالح العربية، رغم العلاقة المتميزة مع الولايات المتحدة.

هذا الموقف المصرى الشجاع يرجع إلى نجاح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تبنى سياسة متوازنة مع القوى الدولية المؤثرة فى المجتمع الدولى.

قبل الرئيس عبدالفتاح السيسى عانت السياسة الخارچية المصرية من الاستقطاب الشديد، فهى إما أن تكون شرقا أو غربا، كما حدث فى الستينيات، حينما كانت مصر تتجه شرقا، وقطعت علاقاتها بالولايات المتحدة عام 1967، ثم اتجهت غربا فى السبعينيات وما بعدها، وهكذا استمرت السياسة الخارجية الأحادية الجانب حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأنهى هذه الصيغة إلى الأبد، وأصبحت مصر تمتلك الآن علاقات شديدة التميز مع أمريكا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبى فى آن واحد، دون أن يكون هناك ارتباط عكسى بين العلاقات مع دولة على حساب دولة أخرى.

نتمني من الرئيس الأمريكى المقبل ـ أيا كان من المرشحين ـ أن يعيد التوازن إلى قضية الصراع العربى ـ الإسرائيلى، وأن يدفع باتجاه حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وفق قرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية.

ربما تكون القضية الثانية التى تشغل بال شعوب المنطقة والمطروحة للمناقشة على طاولة الرئيس الأمريكى المقبل هى قضية التدخل في الشئون الداخلية للدول، والتى ثبت فشلها فى العراق، وسوريا، وليبيا، والتى تبنتها إدارات أمريكية سابقة للأسف الشديد تنتمى إلى الحزبين الجمهورى والديمقراطى وليس إلى حزب واحد.

بدأت الأزمة منذ إدارة الرئيس جورج بوش فى العراق وهو الرئيس الذي ينتمى إلي الحزب الجمهورى، ثم كانت بدايات "أوباما" الديمقراطى "مبشرة"، غير أن إدارته تورطت فيما بعد فى دعم ومساندة ما "عرف" بثورات الربيع العربى التى أدت إلى فوضى عنيفة فى المنطقة، وحينما جاء ترامب راجع الكثير من هذه السياسات، وهو الرئيس الذى ينتمي إلى الحزب الجمهورى، ورفض تورط أمريكا فى العراق، وسوريا، وليبيا، وهى مواقف تحسب للسياسة الأمريكية فى عهده.

نظرة بايدن إلى السياسة الخارجية تميل إلى رفض استخدام القوة فى الشئون الداخلية للدول حيث كان يعارض التدخل فى ليبيا أو التورط فى سوريا.

المهم أن تتطور تلك النظرة مستقبلا خلال رئاسته لأمريكا لتصبح واقعا مستقراً خاصة بعد أن فشلت سياسات الرؤساء السابقين المنتمين إلى الحزبين الجمهورى "بوش" والديمقراطى "أوباما"، التى تورطت في الدخول في مغامرات "فاشلة" فى العراق، وسوريا، وليبيا، ولم تحقق هذه المغامرات الفاشلة أى مكاسب للسياسة الأمريكية، وفى الوقت نفسه لم تحقق أيضاً أى مكاسب لتلك الدول، وإنما أدت إلى زيادة معاناة شعوب هذه الدول، وازدياد حدة الفوضى، وتوسيع قاعدة الجماعات الإرهابية والمتطرفة التى اتخذت من هذه الدول المنهارة ملاذاً آمناً لها تنتشر منه إلى بقاع العالم المختلفة، وأسهمت فى تحويل شعوب تلك الدول إلى شعوب من اللاجئين.

هذه هى بعض من القضايا التى تشغلنا فى المنطقة فيما يخص الانتخابات الأمريكية والتى ربما لاتكون لها الأولوية داخل المجتمع الأمريكى الذى شارك بكثافة فى الانتخابات الأمريكية، وبنسب تصل إلى ما يقرب من 67% تقريبا، وهى نسبة تفوق المشاركة فى الانتخابات الأمريكية السابقة.

الخلاصة أنه ليس هناك فارق ضخم بين ترامب أو بايدن فيما يخص المنطقة والأمر كله يتوقف على تكاتف دول المنطقة وقوتها لكى تكون أكثر تأثيرا فى صناعة السياسة الأمريكية المستقبلية.

لذلك يبقى الدور الأهم على شعوب المنطقة سواء حسم بايدن الانتخابات أو حقق ترامب المفاجأة المستحيلة، فليس هناك سوى "الوعى" كسلاح قوى وفعال خلال المرحلة المقبلة للالتفاف حول الدولة الوطنية والحفاظ عليها وتقويتها لأنها السبيل الوحيدة لصد كل الفتن والمؤامرات الخارجية أو الداخلية بغض النظر عن سياسات الرئيس الأمريكى المقبل وتوجهاته التى من الخطأ التعويل عليها كثيرا.

Back to Top