مشكلات إفريقيا المزمنة على مائدة القمة الـ 34

بقلم: عبدالمحسن سلامة

لا أعتقد أن هناك آمالا كثيرة يمكن عقدها على القمة الإفريقية الـ 34 التى تنعقد الآن على مدى يومين "أمس واليوم" وذلك بسبب انعقادها افتراضيا، واقتصارها على مناقشة ملفين اثنين بشكل أساسى هما ملف الإصلاح المؤسسى، والثانى هو ملف فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19". إذن سوف تظل هناك ملفات كثيرة عالقة ومؤجلة للمباحثات والجهود التى سوف يبذلها رئيس الاتحاد الإفريقى الجديد فليكس تشيسكيدى رئيس الكونغو الديمقراطية.

من الملفات الشائكة التى لاتزال تراوح مكانها هو ملف سد الأزمة الإثيوبى الذى فشلت جنوب إفريقيا فى إدارة مفاوضاته، ولم تنجح فى تحقيق تقدم ملموس على الأرض فيه.

اكتفت جنوب إفريقيا بتنظيم جلسات المفاوضات التى استهلكت وقتا كبيرا فى الأمور الإجرائية، فى حين لم يتم التوصل إلى حلول موضوعية للمشكلات الأساسية التى تشغل بال دولتى المصب "مصر والسودان".

السودان من جانبها تصر على ضرورة إدخال الخبراء الأفارقة فى المفاوضات الدائرة الآن فى حين تتهرب إثيوبيا من استحقاقاتها وتراوغ لكسب المزيد من الوقت.

لجأت إثيوبيا مؤخرا إلى إشعال ملف الحدود مع السودان، متجاهلة فى ذلك الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين عام 1902 ولجأت لنفس أسلوب المراوغة والتسويف والتلاعب بالألفاظ كما تفعل فى ملف السد.

تقوم إثيوبيا باقتحام الحدود السودانية وقتل المزارعين، وتعلن أنها تتمسك بالحلول الودية، وهو ما دفع السودان إلى اتخاذ العديد من الإجراءات لردع العدوان الإثيوبى واستعادة الأراضى السودانية المحتلة من الجانب الإثيوبى.

مصر من جانبها تتمسك بضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم حول السد، وهو ما يؤكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مختلف اللقاءات.

ربما تشهد رئاسة "الكونغو" للدورة الجديدة للاتحاد الإفريقى انفراجة فى أزمة السد لأن "الكونغو" واحدة من دول حوض النيل التى تضم (ارتيريا، أوغندا، إثيوبيا، السودان، الكونغو الديمقرطية، جنوب السودان، بوروندى، تنزانيا، رواندا، كينيا، مصر).

وجود " الكونغو " ضمن دول حوض وادى النيل يجلعها أكثر قدرة على إدارة هذا الملف "المزعج"، والذى أصبح يتطلب إيجاد حل سريع وعادل وملزم له قبل أن يتحول إلى صداع فى رأس القارة، ويتحول من أداة للتكامل إلى مصدر للمشكلات والأزمات.

تقع جمهورية الكونغو فى وسط إفريقيا ولها حدود مشتركة مع دول إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وأغندا، ورواندا، وبورندى، وتنزانيا، وزامبيا، وانجولا، وتبلغ مساحتها 2 مليون و344 ألف كيلو متر مربع مما يجعلها ثانى أكبر دول القارة من حيث المساحة بعد الجزائر.

فى الكونغو أيضاً يوجد نهر الكونغو ثانى أكبر نهر فى العالم بعد نهر الأمازون من حيث الدفق المائى حيث يلقى هذا النهر ما يزيد على ألف مليار متر مكعب من المياه فى المحيط الأطلسى.

يبلغ طول نهر الكونغو حوالى 4700 كيلو متر، ولديه قوة هائلة فى دفع المياه إلى المحيط حيث يدفع قرابة 41700 طن من المياه فى الثانية الواحدة أى أنه أغزر من نهر النيل بخمس عشرة مرة.

فى الأسبوع الماضى قام الرئيس فليكس تشيسكيدى رئيس الكونغو الديمقراطية بزيارة ناجحة إلى مصر وعقدت خلالها قمة مصرية ـ كونغولية برئاسة رئيس البلدين فى إطار التعاون المشترك والمتميز بين الدولتين .

خلال المؤتمر الصحفى كان الرئيس الكونغولى واضحا وصريحا، حينما أكد التزامه التام بضرورة التوصل إلى حل لأزمة السد الاثيوبى مع بداية توليه مسئولية رئاسة الاتحاد ، مشيرا إلى أنه أجرى محادثات مع الجانبين الإثيوبى والسودانى وتحدث معهما للخروج من هذه الأزمة من أجل تفادى التصعيد من خلال الحوار، والإنصات إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إطار التوصل إلى حل عادل للدول الثلاث لتستمر دول حوض النيل فى التعايش السلمى وحتى لا تشهد (هذه الدول الشقيقة) تصاعدا فى التوتر.

فى يونيو الماضى ذهبت مصر إلى مجلس الأمن نتيجة التعنت الإثيوبى فى المفاوضات، وأوضحت مصر ـ على لسان وزير الخارجية سامح شكرى أمام المجلس انذاك ـ أن مصر تواجه خطرا وجوديًا يهدد المصدر الوحيد للمياه بها، ويهدر حياة أكثر من 100 مليون مصرى بسبب السد الإثيوبى على النيل الأزرق.

حذر شكرى من أن ملء السد وتشغيله بشكل أحادى دون التوصل إلى اتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية حقوق دولتى المصب (مصر والسودان) من شأنه أن يزيد التوتر فى المنطقة، وقد تنجم عنه أزمات وصراعات تهدد استقرارها.

وقتها لجأت إثيوبيا إلى طريقتها المعتادة فى "الكذب والمراوغة"، وطالبت بعودة ملف السد إلى الاتحاد الإفريقى، وضرورة التمسك بالمفاوضات الثلاثية تحت رئاسة الاتحاد.

ولأن مصر هى الراعية للوحدة الإفريقية منذ الخمسينيات والستينيات فقد ارتضت بالعودة إلى البيت الإفريقى، ومنذ أكثر من 7 أشهر حتى الآن والمفاوضات تحت رعاية جنوب إفريقيا "تراوح مكانها" بنفس أسلوب مفاوضات السنوات العشر الماضية.

فى كل مرة تتراجع إثيوبيا، وتريد أن تعود مرة أخرى لنقطة الصفر، لأنها لا تريد حلًا عادلًا للسد، وتستخدمه "شماعة" للحشد الداخلى، وإخفاء مشكلاتها الداخلية الخطيرة سواء تلك المتعلقة بانهيارها الاقتصادى أو تلك التى تتعلق بالحروب الأهلية الداخلية وتفاقم الأزمات الإنسانية على خلفية صراع تيجراى الذى أدى إلى مقتل المئات وتشريد أكثر من 280 ألف مواطن.

إثيوبيا تريد التفاوض من أجل التفاوض، وهو ما ترفضه مصر والسودان، فالتفاوض لابد أن يؤدى إلى حل عادل، لأن مصر لن تقبل بفرض الأمر الواقع، ولن تقبل أن يقع النهر رهينة لإثيوبيا من أجل السيطرة عليه.

رسائل الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحة وصريحة فى هذا الأمر، والتى كان آخرها فى الأسبوع الماضى حينما أكد أن مصر ترفض أى مساس بحقوقها المائية خلال اجتماعه مع موسى فقيه رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى فى الأسبوع الماضى، وكذلك خلال القمة المصرية ـ الكونغولية.

الكرة الآن فى ملعب الاتحاد الإفريقى من أجل إيجاد حل قانونى ملزم وعادل فى أزمة السد الإثيوبى، وإنهاء عقد من الزمان على التعنت الإثيوبى الذى كان سببا فى إفشال كل المحاولات الجادة للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم بدءا من المفاوضات الثلاثية المباشرة التى أسفرت عن اتفاق إعلان المبادئ بين الدول الثلاث والذى تنتهكه إثيوبيا الآن، ولا تلتزم ببنوده الواضحة والصريحة، ومرورا بالمفاوضات الدولية التى جرت برعاية أمريكية وبمشاركة من البنك الدولى والتى أسفرت هى الأخرى عن اتفاق شبه نهائى تهربت إثيوبيا من التوقيع عليه فى اللحظات الأخيرة، وانتهاء بمفاوضات البيت الإفريقى تحت رعاية جنوب إفريقيا التى لم تتوصل إلى اتفاق حتى الآن، لينتقل الملف إلى الكونغو التى تبدأ رئاستها للاتحاد اعتبارا من اليوم لعل وعسى أن تنجح فى هذا الملف الشائك ليتحول النهر إلى أداة للتعاون والتكامل بين دول الحوض، وليس مصدرا للقلق والتوترات كما تريد إثيوبيا.

 

Back to Top