الحوار الفلسطينى يُنهى "14" عاماً من الانقسام

بقلم: عبدالمحسن سلامة

أخيراً وبعد 14 عاماً من الانقسام ينجح الفرقاء من الفصائل الفلسطينية المختلفة فى التوصل إلى اتفاق متكامل برعاية مصرية لإنهاء حالة "الشلل" الفلسطينية، والتوصل إلى اتفاق يتضمن "آليات" إجراء أول انتخابات فلسطينية على أن يتم العودة إلى القاهرة خلال مارس المقبل لوضع أسس وآليات تشكيل المجلس الوطنى الجديد بالانتخابات والتوافق.

أكد البيان الختامى للاجتماعات نجاح المفاوضات التى احتضنتها القاهرة فى الأسبوع الماضى فى التوصل إلى خارطة طريق متكاملة للم الشمل الفلسطينى، والاتفاق على أن "الشراكة الوطنية مسار كامل يبدأ بانتخابات المجلس التشريعى، وهى المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الوطنى تليه انتخابات رئاسة السلطة، ومن ثم استكمال تشكيل المجلس الوطنى بالانتخاب والتوافق حيثما أمكن، وبما يضمن مشاركة الكل الفلسطينى فى منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى".

أما فيما يخص الجدول الزمنى فقد أكد البيان ضرورة "الالتزام بالجدول الزمنى الذى حدده مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية مع التأكيد على إجرائها فى مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام وقبول نتائجها".

منذ 14 عاماً وتحديداً يونيو 2007 أنقسم الفلسطينيون عملياً إلى دولتين منفصلتين واحدة فى الضفة والثانية فى غزة بعد صراع عسكرى دام بين فتح وحماس، أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 116، وإصابة أكثر من 550.

انتهى الأمر إلى حل حكومة الوحدة الفلسطينية، وإعلان حماس حكومة منفصلة لها فى غزة برئاسة إسماعيل هنية لم يعترف بها أحد من المجتمع الدولى، إلا أنها عملياً أدت إلى تقسيم الأراضى الفلسطينية إلى كيانين بحكم الأمر الواقع، واحدة فى الضفة الغربية تخضع للسلطة الفلسطينية، وأخرى فى غزة تحكمها حماس.

منذ هذا التاريخ تراجعت كل مكتسبات الشعب الفلسطينى، وأسهم الانقسام فى تصدير صورة عكسية للمجتمع الدولى عن عدالة القضية الفلسطينية، وعن جدية القادة الفلسطينيين فى التوصل إلى حلول تنهى معاناة الشعب الفلسطينى المستمرة منذ 73 عاماً حتى الآن.

طوال فترة الانقسام لم تتوقف محاولات القاهرة لـ "لم الشمل الفلسطينى"، وجرت مياه كثيرة فى هذا الإطار، حتى كانت المحاولة الناجحة الأخيرة فى الأسبوع الماضى، بعد أن استضافت القاهرة الفصائل الفلسطينية بما فيها الحركتان الرئيسيتان (فتح و حماس)، وكذلك باقى الفصائل الفلسطينية.

توقيت المفاوضات كان شديد الأهمية، خاصة مع تغيير الإدارة الأمريكية، وخروج ترامب من المشهد وجلوس "بايدن" على مقعد الرئاسة.

ساهم الانقسام الفلسطينى خلال الـ 14 عاماً الماضية فى دعم "كذبة" رئيس الوزراء الإسرائيلى نتانياهو فى عدم وجود "شريك" للمفاوضات، مما أصاب القضية الفلسطينية فى مقتل وأدى إلى تراجعها فى ملف أولويات الحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ، حتى وصل "ترامب" إلى سدة الرئاسة الأمريكية، ليغدق على إسرائيل ما لم يفعله السابقون من الرؤساء الأمريكيين، ويعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ويقوم بنقل السفارة الأمريكية إليها، بل ويضغط بعنف على الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة لاتخاذ تلك الخطوة.

كان ترامب يسير فى الاتجاه المعاكس للقضية الفلسطينية، ولولا الضغط العربى لكان قد اعترف بالسيادة الإسرئيلية على أجزاء من الضفة الغربية بعدما اعترف بسيادة إسرائيل على "الجولان" المحتل.

كل تلك الأحداث الدرامية والفلسطينيون "ينقسمون" وينغمسون فى مشاكلهم الداخلية، وتتركز صراعاتهم حول "السلطة" المفقودة فى "غياهب" الاحتلال الإسرائيلى منذ 73 عاما.

ولأن مصر هى "الشقيقة الكبرى" للشعب الفلسطينى فقد خاضت 3 حروب من أجل القضية الفلسطينية أولاها حرب 48، ثم حرب 67، وأخيرا حرب 1973.

بعد حرب أكتوبر 1973 لم تترك مصر الفلسطينيين وحدهم وكان لها الدور الأكبر فى الانسجاب الإسرائيلى من الضفة وقطاع غزة، وظلت مصر على عهدها مع الشعب الفلسطينى فى كل المواقف والظروف.

ربما يكون تغيير الادارة الأمريكية، وحالة عدم الاستقرار السياسى داخل إسرائيل، وراء اصطفاف الفلسطينيين خلف وحدتهم الأن، والاستجابة لنداء القاهرة فى التوصل إلى اتفاق ينهى حالة الانقسام والتشرذم الفلسطينى استعدادا للمرحلة المقبلة فى إطار البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية.

تزامن مع انعقاد جلسات المصالحة والحوار بين الفصائل اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة، بحضور 16 وزير خارجية بدعوة مشتركة مصرية ـ أردنية وأيدتها جميع الدول الأعضاء.

الاجتماع الطارئ أعاد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية لكل الدول العربية، والتزام تلك الدول بدعم حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، وغير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

توقيت الاجتماع العربى كان شديد الأهمية لأنه أعطى دفعة قوية لجهود المصالحة، وأكد كما جاء على لسان سامح شكرى وزير الخارجية أن "المصالحة الفلسطينية سوف تنعكس على قدرة الشعب الفلسطينى فى التوصل إلى اتفاق جديد يتفق مع أهدافه وتطلعاته المشروعة".

هى إذن رسالة إيجابية مشجعة من كل الدول العربية للفصائل الفلسطينية للسير قدما فى اتجاه المصالحة، وبذل كل الجهود لإنجاحها خلال الفترة المقبلة بعد أن يختار الشعب الفلسطينى من يمثله، ويلتئم "الشمل الفلسطينى" وتصبح هناك حكومة موحدة فى الضفة وغزة، ورأس واحد للسلطة الفلسطينية تكون له القدرة على التفاوض باسم الشعب الفلسطينى خلال المرحلة المقبلة.

قبل تلك الاجتماعات والمحادثات كانت ومازالت هناك جهود مصرية أردنية مكثفة لدفع عجلة السلام من جديد فى إطار الرباعى الدولى ومجموعة ميونيخ.

فى هذا الإطار شهدت القاهرة وعمان محادثات ثنائية مكثفة كان آخرها زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للأردن، ثم زيارة رئيس الوزراء الأردنى بشر الخصاونة إلى القاهرة فى نهاية الأسبوع الماضى، وبينهما كانت زيارة الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى القاهرة.

على الجانب المقابل فقد وجهت الفصائل الفلسطينية الشكر والتقدير لمصر على مساندتها الدائمة للشعب الفلسطينى ورعايتها للحوار الفلسطينى فى جميع مراحله، مما ساهم فى نجاح الحوار والتوصل إلى تلك النتائج التى كان ينتظرها جميع أبناء الشعب الفلسطينى.

المهم الآن هو "الإخلاص" من جانب كل الفصائل الفلسطينية لتحويل نتائج الحوار التى ينتظرها الشعب الفلسطينى منذ 14 عاما إلى وقائع على الأرض وعدم "النكوص" من جانب أى فصيل وتحت أى مسمى.

الالتزام بمخرجات الحوار يعنى نهاية الانقسام، وتخفيف المعاناة عن كل أفراد الشعب الفلسطينى والأهم من كل ذلك إعادة إطلاق مفاوضات سلام ذات مصداقية تفتح الأفق لمستقبل أفضل للشعب الفلسطينى ، وكل شعوب المنطقة.

Back to Top