الأمن الدوائى يطارد جائحة كورونا!

 

اختلفت أولويات كثيرة فى عالم ما بعد كورونا، بعد أن كشفت تلك «الجائحة الخبيثة» عن ضرورة الاهتمام بكل الصناعات الوطنية بشكل عام، والتركيز على صناعة الدواء بشكل خاص.

معظم الدول أغلقت الأبواب على نفسها، ووضعت الأولوية القصوى لتلبية احتياجات سكانها فى المقام الأول، والأخطر من ذلك أن القيود على حركة السفر أضافت قيوداً جديدة لتتعقد الأمور أكثر وأكثر، ويصبح المنتج الوطنى هو طوق النجاة الوحيد أمام الشعوب.

الموضوع فى الأدوية يختلف، لأن الدواء ربما يكون أهم من الغذاء أحيانا، خاصة إذا تعلق العلاج بجائحة خطيرة تحصد الأرواح دون هوادة، وتصيب أعدادا غفيرة رغم القيود والإجراءات الاحترازية.

من الإنصاف أن نشير إلى أن صناعة الدواء فى مصر صناعة عريقة، ويعتمد عليها ما يقرب من 93% من المصريين، بما يزيد على 60 مليار جنيه سنوياً، ويغطى الإنتاج المحلى بشكل عام من 80 إلى 85% من الاستهلاك الدوائى فى حين يتم استيراد من 15 إلى 20% كل عام.

منذ أكثر من 50 عاماً تم افتتاح أول مصنع للخامات الدوائية فى «أبو زعبل» بمحافظة القليوبية، وظل الدواء المصرى هو «السيد» فى العالم العربى وإفريقيا فترة طويلة، إلا أنه للأسف تراجع فى العقود الأخيرة ليفسح المجال أمام دول أخرى تنافس بقوة فى هذا المجال.

يوم الخميس الماضى كان يوما مختلفا فى تاريخ صناعة الدواء فى مصر حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بافتتاح أول مدينة متكاملة لصناعة الدواء فى مصر، وهو المشروع الذى بدأت فكرته منذ 7 سنوات مع بداية تولى الرئيس مسئوليته فى قيادة الدولة المصرية.

المشروع يستهدف إقامة سلسلة من المصانع والخطوط الإنتاجية طبقا للمعايير العالمية, بحيث يتم توفير ما تحتاجه الأسواق المصرية من الأدوية، وخاصة أدوية الأمراض الخطيرة كالسرطانات وغيرها من الأدوية الأخرى، والعودة بقوة إلى التصدير، بالإضافة إلى التوسع فى تصنيع الخامات الدوائية فى إطار توطين صناعة الدواء فى مصر، لتتحول مصر إلى مركز إقليمى لصناعة الدواء، بما يكفى احتياجاتها والتوسع فى الصادرات إلى العالم العربى وإفريقيا، وباقى دول العالم.

 

 

رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مجال صناعة الدواء تتجاوز فكرة التكلفة والمكسب، وحساب الأرباح والخسائر، إلى كون صناعة الدواء صناعة إستراتيجية، تمثل ركنا أساسيا فى مفهوم الأمن القومى للدولة المصرية، بحيث تستطيع تلك الصناعة الوفاء باحتياجات المواطنين من الأدوية والمستحضرات الطبية، والدخول بقوة فى عصر تصدير الدواء إلى الأسواق الخارجية.

الارتقاء بصناعة الدواء يحتاج إلى جهد ضخم خلال المرحلة المقبلة للتوصل إلى رؤية متكاملة بشأن حل مشكلات التسعير وتشريعات التسجيل، والتصدير، وكلها تحتاج إلى جهد متكامل للتوصل إلى إستراتيجية متكاملة تسهم فى عودة صناعة الدواء إلى المنافسة بقوة فى الأسواق الخارجية بعد تغطية كل احتياجات الاستهلاك المحلى.

منذ أربع سنوات أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من المبادرات المهمة للغاية فى مجال الصحة بدءا من مبادرة 100 مليون صحة، ومرورا بمبادرات علاج فيروس «سى»، والأمراض غير السارية، وانتهاء بمبادرات صحة المرأة، وصحة أطفالنا فى المدارس، والقضاء على قوائم الانتظار، وكلها مبادرات تعتمد على الدواء «كركن أساسى» فيها لأنه «الركن» الأهم فى العلاج.

من هنا استشهد د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بما ذكرته بمجلة «ايكونوميست» البريطانية فى عددها الصادر بتاريخ 27 مارس الماضى، والذى أشارت فيه إلى أن قدرة أى دولة على تحقيق انتعاش اقتصادى بها يرتبط بقدرتها على إدارة منظومة الصحة بها، وان تكون لديها بنية أساسية قوية فى مجال الصحة، تستطيع من خلالها تقديم رعاية صحية أفضل لمواطنيها.

لذلك كله أصبحت صناعة الدواء والمستلزمات الطبية فى صدارة أجندات الحكومات فى كل دول العالم، مشيرا إلى أن مصر تحركت فى إطار منظومة متكاملة فى القلب منها تعزيز البنية التحتية لقطاع الصحة، وتأمين احتياجات الاستهلاك المحلى من الدواء والمستحضرات الطبية الاستراتيجية، وتصنيع كل المستلزمات الخاصة بالتعامل مع فيروس كورونا ماعدا مستحضرا واحدا، وهو الآن فى الطريق لتصنيعه محليا.

خلال افتتاح مدينة الدواء طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى من د.محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق ومستشار الرئيس للشئون الصحية ضرورة الاهتمام بصناعة الخامات الدوائية باعتبارها ركيزة مهمة من ركائز توطين صناعة الدواء فى مصر.

سألت د.محمد عوض تاج الدين عن رؤيته للخطوات المتوقعة فى هذا المجال خلال المرحلة المقبلة؟

أجاب مستشار الرئيس للشئون الصحية: الرئيس مهتم بقطاع الصحة والدواء باعتباره ركيزة أساسية من إستراتيجية بناء الانسان المصرى، وهو دائما يهتم بكل التفاصيل حتى تكتمل المنظومة الصحية على أفضل مستوى ممكن، مشيرا إلى أن جائحة كورونا أدت إلى قيام معظم الدول باتخاذ إجراءات الإغلاق على نفسها، وهو ما انعكس على ظهور عجز ونقص فى الكثير من الأدوية والمستحضرات الدوائية فى كثير من دول العالم، وبفضل الله، ويقظة الدولة المصرية لم تتأثر مصر سلبا فى هذا الإطار، بل إن صناعة الدواء والمستحضرات الطبية نجحت فى سد العجز الموجود، وتم تصنيع أدوية علاج كورونا فى مصر خلال فترة وجيزة.

وأضاف: الرئيس منذ توليه مسئولية السلطة وهو يعتبر أن الأمن الدوائى هو قضية أمن قومى، ويشدد على ضرورة تحقيق «الجودة، الفاعلية، الأمان» فى كل مجالات صناعة الدواء.

هذه الثلاثية «الجودة، الفاعلية، الأمان» سوف يتم الالتزام بها فى مجال صناعة الخامات الدوائية خلال المرحلة المقبلة، وقد نجحت الدولة المصرية فى إنجاز واحد من أكبر مشروعات إنتاج مشتقات البلازما، وقد سار هذا المشروع الضخم فى إطار خطين متوازيين، الأول يتمثل فى الشراكة مع شركة عالمية كبرى، والثانى يتركز فى إقامة مراكز تجميع البلازما حيث نجحنا فى إقامة نحو 12 مركزا حتى الآن، ونستهدف الوصول إلى 40 مركزاً خلال المرحلة المقبلة.

قلت: هل ستكون هناك أولويات فى إنتاج الخامات الدوائية؟!

أجاب د. محمد عوض تاج الدين قائلا : أعتقد أن الأولوية سوف تكون للأدوية الأكثر استخداماً فى مصر، فالقضية ــ كما أكد الرئيس ــ ليست مكسبا وخسارة، وانما هى قضية أمن دوائى للمصريين.

وبالتالى سوف يكون التركيز على تلك الأدوية الأكثر استخداماً لدى المصريين بحيث يتم تغطية الاستهلاك المحلى، وتصدير الفائض إلى الأسواق الخارجية.

وأوضح مستشار الرئيس للشئون الصحية أن الخامات الدوائية عبارة عن نوعين هما : المادة الفعالة (API)، والإضافات، وتعتبر المادة الفعالة هى الأهم ولابد أن تتمتع بالفاعلية والأمان، وأما الإضافات فإنها أسهل فى تحضيرها، وقد يكون هناك بعد ثالث مثل الغطاء الخارجى فى الكبسولات مثلا.

استراتيجية توفير المواد الخام الدوائية خلال المرحلة المقبلة سوف تركز على كل تلك المحاور، بحيث يتم تصنيع المنتج النهائى، بالكامل أو معظمه فى مصر، مع الأخذ فى الاعتبار حقوق الملكية الفكرية، والالتزام بالاتفاقيات ذات الصلة فى هذا الإطار، مع العلم أن هناك الكثير من الأصناف خارج هذه الاتفاقيات بحكم المدة الزمنية المقررة.

سألته: ماذا عن إستراتيجية التصدير فى المستقبل؟

أجاب د. محمد عوض تاج الدين: مصر سوق كبيرة للاستهلاك الدوائى وهناك الكثير من الشركات كانت تكتفى بما تنتجه للاستهلاك المحلى لأن هذا يحقق لها المستهدف من الأرباح.

أيضا فقد لعب «التسعير» دورا فى خفض الصادرات الدوائية، حيث تطالب الدول التى يتم التصدير إليها بسعر دولة «المنشأ» وهو الاتجاه الذى تتم معالجته الآن للقضاء على مايعرف بتهريب الأدوية، مشيرا إلى أن صادرات مصر من الأدوية والمستحضرات الطبية سوف تشهد طفرة كبيرة خلال المرحلة المقبلة فى ظل اهتمام الدولة بهذه الصناعة وتذليل جميع العقبات أمامها.

 

Back to Top