«جيبوتى».. وعودة «القيادة» للدور المصرى فى المنطقة

نشر بالأهرام الأحد 30-5-2021

 

«جيبوتى».. وعودة «القيادة» للدور المصرى فى المنطقة

بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

بحكمة وهدوء وخطوات محسوبة يعود الدور المصرى لقيادة المنطقة من جديد ليدير الصراعات المشتعلة فى بعض المناطق، ويجابه المخاطر المحتملة فى بعض المناطق الأخرى.

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى دولة جيبوتى يوم الخميس الماضى جاءت لتؤكد تنامى الدور المصرى فى الإقليم، وفى إطار تعزيز «الشراكات» الإستراتيجية لمصر إفريقيا، وعربيا ودوليا.

جيبوتى دولة عربية إفريقية تقع على الشاطئ الغربى لمضيق باب المندب، وتحدها إريتريا من الشمال، وإثيوبيا من الغرب والجنوب، والصومال من الجنوب الشرقى، وتطل شرقا على البحر الأحمر، وخليج عدن، ولايفصلها عن سواحل اليمن سوى 20 كيلو متراً.

الموقع الإسترتيجى لدولة جيبوتى جعلها مطمعا للقوى الاستعمارية، حيث وقعت جيبوتى تحت الاحتلال الفرنسى حتى نالت استقلالها عام 1977، لتنضم إلى جامعة الدول العربية، وتصبح عضوا فاعلا فيها، وفى كل المنظمات الإقليمية والدولية بعد الاستقلال.

رغم أن استقلالها وقع منذ 44 عاماً، ورغم أنها دولة عربية وإفريقية، فقد كانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لجيبوتى هى أول زيارة لرئيس مصرى إلى هناك، وهى الزيارة التى جاءت فى إطار تعزيز علاقات التعاون والشراكات الإستراتيجية مع العديد من دول العالم، لتعود مصر إلى موضعها الطبيعى فى قيادة المنطقة عربيا وإفريقيا

تطرقت المباحثات بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى، وعمر جيلة إلى العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك خاصة ما يتعلق بدعم التعاون الثنائى فى جميع المجالات، وصولاً إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية.

نهر النيل كان حاضراً، وبقوة على جدول الأعمال، وتطرقت المباحثات إلى مناقشة آخر مستجدات مفاوضات السد الإثيوبى، حيث تم التوافق حول أهمية التوصل إلى اتفاق قانونى متوازن وملزم حول ملء وتشغيل السد، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال المباحثات رفض مصر أى مسعى لفرض الأمر الواقع من خلال إجراءات أحادية لاتراعى مصالح وحقوق دولتى المصب.

أفق الشراكة الإستراتيجية بين مصر وجيبوتى رحب ومتسع ولايقتصر فقط على مجالات التعاون الثنائى، وملف السد الإثيوبى، وإنما يمتد ـ كما جاء فى البيان المشترك ـ إلى الجهود المشتركة فى مجال مكافحة الإرهاب، وجميع أشكال الجريمة المنظمة بمنطقة القرن الإفريقى، إلى جانب التعاون فى ملف أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب لتحقيق الأهداف المتعلقة بتحقيق الأمن والتنمية الاقتصادية.

تتوافق رؤية مصر مع رؤية جيبوتى فى معظم هذه المجالات، وهو ما يدعم العمل المشترك للدولتين من خلال مجلس الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، بما يؤدى فى النهاية إلى التصدى لأى محاولات خارجية لفرض رؤية بعينها على المنطقة من خارجها، ومن غير أصحاب المصلحة.

هذه الزيارة عكست أيضا دور مصر الإستراتيجى والمتنامى فى القرن الإفريقى حيث جاءت بعد عدة أيام من النجاح المصرى المدوى ــ الذى كان محل تقدير وإعجاب دول العالم ـ فى وقف العنف والقتال فى الأراضى الفلسطينية بعد جهود دبلوماسية ماراثونية ضخمة، والتى أسفرت فى النهاية عن وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين، وإسرائيل بعد قتال دام امتد إلى 11 يوما، فشلت خلالها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقوى دولية وإقليمية عديدة فى وقف آلة العنف الجهنمية، حتى نجحت مصر فى التوصل إلى اتفاق لوقف القتال، وحقن الدماء وعودة الهدوء مرة أخرى إلى الأراضى الفلسطينية.

اتفاق وقف القتال كان محل ترحيب وإشادة من كل الفصائل الفلسطينية، وكذلك من الجانب الإسرائيلى، ثم توالت بعد ذلك الإشادات العالمية، والإقليمية.

جاء اتصال الرئيس الامريكى جو بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسى مرتين خلال 4 أيام ليعكس حجم الإنجاز الذى حققته الدولة المصرية بكل أجهزتها المعنية فى التوصل إلى هذا الاتفاق، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكى خلال الاتصال الأول، أما الاتصال الثانى فقد امتد إلى دور مصر الإستراتيجى فى جميع قضايا الإقليم سواء فيما يتعلق بالنزاع العربى الإسرائيلى، أو فيما يتعلق بكل قضايا المنطقة الساخنة فى ليبيا وسوريا، والعراق، واليمن وغيرها من تلك القضايا، وكذلك قضايا مكافحة الإرهاب، ومناطق التوتر فى إفريقيا، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى استثمار دور مصر الإستراتيجى فى إيجاد حلول لتلك المشكلات وغيرها فى إطار العلاقات المصرية ـ الأمريكية الإستراتيجية الممتدة عبر أكثر من 4 عقود.

عودة القيادة للدور المصرى فى المنطقة لم تكن وليد المصادفة وإنما جاءت نتيجة تراكم خبرات ومواقف خلال السنوات الست الماضية ساهمت فى إعادة التوازن إلى الدور المصرى إقليميا وعالميا.

نجح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إيجاد حالة غير مسبوقة من التوازن فى علاقة مصر بالقوى الدولية والإقليمية ومحيطها العربى والإفريقى.

لقد عانت السياسة المصرية طويلاً من «الانحرافات» الحادة شرقاً أو غرباً قبل ذلك، حيث انحرفت بوصلة مصر السياسية لفترة طويلة امتدت لما يقرب من عقدين إلى الشرق حينما ركزت مصر فى علاقاتها السياسية نحو المعسكر الشرقى بقيادة الاتحاد السوفيتى ــ حينذاك ــ فى منتصف الخمسينيات والستينيات ومنتصف السبعينيات، وخلال تلك الفترة تجمدت العلاقات مع الغرب ووصلت إلى حد القطيعة أحيانا.

بعد منتصف السبعينيات انحرفت السياسة المصرية بعنف مرة أخرى غرباً فى تحول «لافت» و«صادم» وظل هذا الأمر حتى انهيار المعسكر الشرقى بعد تفكيك الاتحاد السوفيتى.

كان الشعار المعلن طوال تلك الفترات الممتدة هو عدم الانحياز، إلا أن السياسة المصرية عانت من الانحياز شرقاً ثم غربا طوال هذه الفترة.

 

بعد ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى تميزت السياسة التى انتهجتها الدولة المصرية خلال السنوات الست الماضية بأنها نجحت باقتدار فى إعادة التوازن إلى بوصلة السياسة المصرية من خلال إيجاد علاقات متوازنة وقوية مع القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة وكذلك القوى الإقليمية.

مصر الآن لديها علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبى، ولها دورها القوى والمؤثر على الساحتين العربية والإفريقية، بالإضافة إلى دورها الإقليمى فى الشرق الأوسط، وشرق المتوسط.

انعكس ذلك على التعاون الثنائى بين مصر وتلك الدول فى المجالات الاقتصادية والسياسية، وكذلك فى مجال التعاون العسكرى، حيث تحرص مصر على تنويع مصادر سلاح الجيش المصرى فى إطار من التوازن الدقيق الذى يصب فى النهاية فى مصلحة القوة الشاملة المصرية، والتى أدت إلى نجاح الجيش المصرى ليكون ضمن أفضل 9 جيوش على مستوى العالم بحسب تصنيف «جلوبال فاير باور» الذى احتل فيه الجيش المصرى المركز الأول فى ترتيب الجيوش العربية يليه فى المرتبة الثانية السعودية ثم الجزائر، وفى المركز الرابع الإمارات، وعلى المستوى العالمى احتل الجيش المصرى المركز التاسع بعد أمريكا، وروسيا، والصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وفرنسا، وبريطانيا، ليتفوق الجيش المصرى على باقى الدول الإقليمية والعالمية حيث جاء بعد الجيش المصرى البرازيل، ثم إيطاليا، وألمانيا، وتركيا، وإيران، وإسرائيل وغيرها من جيوش دول العالم.

القوة الشاملة المصرية سياسيا واقتصاديا وعسكريا انعكست إيجابيا على الدور المصرى إقليميا، والذى نجح فى معالجة الكثير من الأزمات والمشكلات، وكبح جماح العنف، وكسر شوكة الإرهاب، والتصدى لكل محاولات فرض الأمر الواقع التى تستهدف الإضرار بمصالح الشعوب دون مراعاة للقوانين الدولية أو الإخلال بقواعد العدالة والإنصاف.

 

Back to Top