زلزال «الأحد الكبير» فى إسرائيل!

 

نشر بالأهرام الأحد 13-6

بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

إذا لم تحدث مفاجآت غير متوقعة ـ وربما تحدث ـ فإنه من المقرر اليوم الأحد وقوع زلزال كبير فى إسرائيل ينهى عصر بنيامين نيتانياهو، كأطول رئيس وزراء فى إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، بعد أن ظل طوال 12 عاما متتالية رئيسا للوزراء.

طوال تلك الفترة نجح نيتانياهو فى تدمير خصومه واحدا تلو الآخر من خلال التحالفات غير المقدسة بعد كل انتخاب من الانتخابات الأربع الماضية التى لم يفز فيها الليكود بنسبة حاسمة، مما اضطره إلى التحالف مع الأحزاب الأخرى إما لكسب الوقت، أو لإعادة صياغة المشهد الانتخابى بما يحقق مصلحته، واستمراره فى رئاسة الحكومة.

حدث نفس السيناريو فى الانتخابات الأخيرة، وفاز حزب الليكود بالنسبة الأعلى لكنها نسبة غير حاسمة، ولم يتمكن من تشكيل الحكومة خلال المدة القانونية المقررة، بعد أن استوعب خصومه الدرس ورفضوا التحالف معه، مجمعين على هدف واحد فقط، وهو إبعاده عن تشكيل الحكومة.

قاد محاولات التغيير ونجح فيها يائير لابيد الذى تحالف مع نفتالى بينيت ومجموعة من الأحزاب الأخرى، وإثباتا لجديته فى المحاولة ترك يائير لابيد الفرصة لشريكه نفتالى بينيت لقيادة الحكومة أولا لينفى عن نفسه تهمة ألاعيب نيتانياهو الذى كان يتحالف مع منافسين على وعد بتقاسم السلطة ثم يقوم بنسف التحالف بمجرد أن يحقق غرضه ليكرر المشهد من جديد، ويخرج المتحالفون معه بخفى حنين فى كل مرة.

ممارسات نيتانياهو وألاعيبه جعلت معظم الأحزاب المتحكمة فى أغلبية الكنيست ترفض عروض نيتانياهو «الخادعة» خشية الوقوع فى «الشرك» من جديد، وتمترسوا جميعا وراء هدف إبعاده عن رئاسة الحكومة.

لايمكن التنبؤ بشكل قاطع بنجاح حكومة التغيير فى إسرائيل فى تخطى «عقبة» كسب ثقة الكنيست الإسرائيلى لأنها تتمتع بأغلبية «هشة» لاتتعدى صوتا واحدا، حيث تستند حكومة التغيير إلى 61 صوتا فقط فى مقابل 59 صوتا لاتؤيدها، وإن كان بين المجموعة الأخيرة عدد من الأصوات يقف على الحياد، رافضين كلا المعسكرين المتنافسين على رئاسة الحكومة مثل باقى الأصوات العربية البعيدة عن مجموعة منصور عباس التى تحالفت مع حكومة التغيير.

يراهن نيتانياهو حتى اللحظة الأخيرة ـ وقد ينجح ـ على إسقاط حكومة التغيير فى البرلمان من خلال ممارسة الضغوط القصوى على نواب الأحزاب اليمينية المتحالفة مع حكومة التغيير خاصة هؤلاء النواب المنشقين عن حزب الليكود، ولو نجح فى ذلك واستقطب عددا منهم فسوف تتدهور الأمور فى إسرائيل إلى نقطة الصفر من جديد، لتبدأ سيناريوهات أخرى متعلقة ببقاء نيتانياهو كرئيس مؤقت للحكومة لمرحلة انتقالية ولحين إجراء الانتخابات، أو ينجح مرة أخرى فى العودة من خلال هندسة تحالفات جديدة كالتى نجح فيها من قبل.

أغلب الظن أن حكومة التغيير سوف تنجح فى تخطى «عقبة» الثقة البرلمانية، ليغادر نيتانياهو ديوان رئاسة الحكومة، وتبدأ مرحلة جديدة فى إسرائيل تحت شعار التغيير والتخلص من إرث نيتانياهو الثقيل على الخريطة السياسية.

نيتانياهو يسير على خطى ترامب الآن، وبدأ يلجأ لنفس طريقته بعد أن استشعر جدية خروجه من السلطة، وهو الآن يقوم بنفس أفعال وتصرفات ترامب فى اللحظات الأخيرة قبل مغادرته السلطة، حيث يقوم بحملة خطيرة، وغير مسبوقة فى الشحن ضد منافسيه، بل إنه لايتوارى عن الطعن فى مصداقية الانتخابات الإسرائيلية، وهو ما يكشف الحقيقة «الهشة» للديمقراطية الإسرائيلية الزائفة، حيث أكد فى تصريحات منشورة له أن إسرائيل شهدت «أكبر عملية تزوير للانتخابات فى تاريخها».

بعيدا عن تأكيدات نيتانياهو بتزوير الانتخابات فقد بدأ يطلق سهامه المسمومة على خصومه متهما إياهم بأنهم يعرضون إسرائيل للبيع، وأن تلك الحكومة هى حكومة استسلام.

حالة الشحن غير المسبوقة التى يشنها نيتانياهو وأنصاره جعلت رئيس جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى «شاباك» نداف أرغمان يصدر بيانا نادرا فى الأسبوع الماضى حذر فيه من التصعيد الخطير فى الخطاب العنيف والتحريضى.

هذه التحذيرات غير المسبوقة وغيرها من الأصوات العاقلة فى إسرائيل جعلت قطاعات عريضة من الرأى العام هناك تسترجع ذكريات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق «إسحق رابين» الذى راح ضحية الشحن من اليمين المتطرف وأعداء السلام.

لم يشأ نيتانياهو أن يرحل فى هدوء لكنه ترك العديد من كرات اللهب للحكومة الجديدة فى حالة نجاح ولادتها المتعثرة اليوم الأحد، وأخطرها ما قامت به حكومته فى الأسبوع الماضى بالتصريح لما يعرف إعلاميا بـ «مسيرة الأعلام» وهى مسيرة مثيرة للجدل ينظمها اليمين المتطرف الإسرائيلى للاحتفال بإعلان القدس عاصمة موحدة للدولة العبرية إثر احتلالها عام 1967.

كان من المقرر أن تقام تلك المسيرة يوم الخميس الماضى لكن تحذيرات الأجهزة الأمنية كانت وراء تأجيلها، وفى الوقت ذاته أراد نيتانياهو ترك كرة لهب جديدة لخليفته لربما تكون سببا فى إحراق الحكومة المرتقبة بأسرع مما يتخيل البعض.

من المقرر أن يشارك فى تلك المسيرة المثيرة للجدل الآلاف من المستوطنين واليمين المتطرف وتسير فى القدس الشرقية المحتلة، وتمر بمحاذاة وداخل أسوار المدينة القديمة، وفى السوق الرئيسية وفى الحى الإسلامى.

بالتأكيد سوف يتخلل تلك المسيرة استفزاز للسكان العرب فى تلك المناطق، مما يثير غضبهم، لتتحول المسيرة إلى صدامات عنيفة تسهم فى إشعال الموقف فى كل الأراضى المحتلة من جديد، بما يهدد اتفاق وقف إطلاق النار.

بعيدا عن مفاجآت اللحظة الأخيرة فإن التفاؤل بمستقبل عملية السلام فى ظل حكومة التغيير يبدو محفوفا بالمخاطر لأنها حكومة «هشة»، وهى «مولود مشوه» جاء بعد ولادة «متعسرة» على طريقة ولادة الحكومات الإسرائيلية السابقة خلال الانتخابات الأربع الأخيرة التى أفرزت جميعها حكومات «مبتسرة» ناقصة النمو جعلت الحرب على الحقوق الفلسطينية شماعتها للبقاء، وأسهمت فى زيادة التطرف والعداء ضد كل ماهو فلسطينى من خلال تصويب تهم الخيانة والتفريط لكل الأصوات المعتدلة داخل المجتمع الإسرائيلى.

انعكس ذلك على تراجع أحزاب اليسار والوسط وخفوت شعبية حركة السلام الآن، وكل الأصوات المعتدلة داخل المجتمع الإسرائيلى.

ربما تكون ميزة حكومة التغيير الجديدة ــ إذا نجحت ــ فى أنها سوف تعيد بعث الحيوية فى «الجسد المنهك» لتلك الأحزاب والحركات المعتدلة، لكنها تواجه تحديات ضخمة بسبب عدم الانسجام فيما بينها، حيث لا يجمع بينها سوى هدف واحد فقط هو الإطاحة برئيس الحكومة الحالى «نيتانياهو» .

 

الانباء الواردة من وسائل الاعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتوقعة برئاسة نفتالى بينيت، ويائير لابيد اكدت للولايات المتحدة الأمريكية التزامها بتجديد محادثات السلام مع السلطة الفلسطينية، وأنها ـ أى الحكومة الجديدة ترغب فى استئناف مفاوضات الحل النهائى.

بغض النظر عن مصداقية هذه الأنباء من عدمها، وعن مدى نجاح حكومة التغيير الإسرائيلية فى «الولادة» والخروج إلى النور فإن الكرة الآن فى الملعب الفلسطينى لاستثمار هذه الفرصة الذهبية، للوحدة ولم الشمل وإعادة تقديم السلطة الفلسطينية لنفسها من جديد للعالم مستغلين فى ذلك التعاطف العالمى غير المسبوق مع القضية الفلسطينية وعدالتها .

من الضرورى أن تتكاتف الفصائل الفلسطينية خلف الجهود المصرية «الحثيثة» التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لدعم القضية الفلسطينية فى كل المحافل الدولية بعد أن نجحت تلك الجهود فى وقف إطلاق النار، والبدء فى إعادة إعمار غزة، وما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية خلال عدوانها الأخير، وأسفر عن خسائر بشرية واقتصادية ضخمة.

مصر تبنى وتعمر فى الأراضى الفلسطينية، وفى نفس الوقت تقوم بجهود جبارة لتوفير كل عناصر النجاح لحوار مثمر ومفيد للفصائل الفلسطينية فى القاهرة حول كل القضايا العالقة، سواء فيما يتعلق بملفات إعادة الإعمار أو الأسرى وكذلك فيما يتعلق بالوصول إلى رؤية عملية لخارطة طريق حول مستقبل منظمة التحرير، وإجراء الانتخابات التشريعية والبناء على ماسبق من حوارات ناجحة أسهمت فى ردم «الهوة» بين الفصائل الفلسطينية.

المهم الآن أن تملك الفصائل الفلسطينية مايكفى من الشجاعة لتقديم بعض التنازلات الضرورية للوصول إلى أرضية مشتركة موحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على مواكبة «الزلزال الكبير» فى إسرائيل الآن ، واقتناص الفرصة الحالية للبدء فى عملية سلام جادة تضمن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

Back to Top