الدبلوماسية المصرية «تهزم» إثيوبيا فى مجلس الأمن

 

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

بغض النظر عن نوعية القرار المتوقع صدوره من مجلس الأمن، وهل يقوم المجلس بإصدار قرار أم لا؟ وهل سينتصر المجلس للقرار التونسى أم يقوم بتعديله أو الاعتراض عليه؟.. بغض النظر عن كل ذلك فقد نجحت الدبلوماسية المصرية فى «هزيمة» إثيوبيا بـ «القاضية» فى جلسة مجلس الأمن مساء الخميس الماضى بتوقيت القاهرة.

قادت الدبلوماسية المصرية «المعركة» ببراعة ضمن تنسيق «محكم» مع الشقيق السودانى، ونجحت باقتدار فى وضع «أزمة السد» على أجندة المجلس للمرة الثانية خلال مدة قصيرة لاتتجاوز 13 شهراً.

كان «الفارق» ضخماً بين «الحقائق المصرية»، التى أوضحها سامح شكرى وزير الخارجية ببراعة، وبين الأكاذيب الإثيوبية، التى لم تأت بجديد على لسان وزير الرى الإثيوبى الذى فقد أعصابه، وراح يطلق عبارات غير مفهومة، وغير لائقة مثل اتهامه مجلس الأمن بإهدار وقته وأمواله فى عقد مثل هذه الجلسات، ومطالبته المجلس بأن تكون تلك الجلسة هى الجلسة الأخيرة التى تتم فيها مناقشة تلك القضية.

نجح سامح شكرى فى عرض قضية مصر «العادلة» أمام مجلس الأمن باعتبارها قضية «وجودية» بالنسبة لمصر، موضحاً مخالفات إثيوبيا للقانون الدولى، وانتهاكها للقواعد الحاكمة للأنهار، «العابرة» ومؤكدا فى الوقت ذاته أن مصر لها كل الحق فى حماية حق الشعب المصرى فى الحياة لو تعرض للخطر بسبب السد الإثيوبى.

استمعت إلى جلسة المجلس منذ بدايتها حتى نهايتها، ونتيجة الجهود الدبلوماسية التى بذلتها مصر طوال السنوات الماضية، فقد انعكست تلك الجهود على تعميق فهم كل الدول المشاركة فى تلك الجلسة لأزمة السد، وخطورتها وتداعياتها السلبية، وتأكيدهم جميعاً ضرورة إيجاد حل عادل ومنصف للجميع.

صحيح كانت هناك الكثير من الكلمات الدبلوماسية التى لا تريد توجيه أصابع الاتهام إلى الجانب الإثيوبى بشكل مباشر، ولا ترقى إلى مستوى العلاقات الثنائية بين مصر وبعض تلك الدول، لكن كل الكلمات جاءت تصب فى «عدالة» الموقف المصرى السودانى، وحقهما فى المخاوف التى تنتاب أكثر من 150 مليون نسمة نتيجة غياب الشفافية من الجانب الإثيوبى.

استشهد الوزير سامح شكرى بتصريحات المسئولين الإثيوبيين التى أكدت النوايا العدوانية الإثيوبية حينما أشار إلى تصريح وزير خارجيتها بعد الملء الأول للسد الذى قال فيه بعجرفة وصلف «إن النهر تحول إلى بحيرة، وإن النيل ملك لنا».

ايضاً استشهد بما جاء فى خطاب وزير الخارجية الإثيوبى ايضاً الموجه إلى مجلس الأمن فى 23 يونيو 2021 الذى ذكر فيه «أن ملء وتشغيل سد النهضة دون السعى للتوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان هو مجرد ممارسة للحد الأدنى من حقوق إثيوبيا السيادية كدولة مشاطئة فى مجرى مائى دولى».

تصريحات تؤكد أن «الصلف» الإثيوبى، وتعنت مواقفه وراء «الأزمة» الحالية بين دولتى المصب مصر والسودان من جهة، ودولة المنبع «إثيوبيا» من جهة أخرى.

خلال الجلسة لقن مندوب النيجر إثيوبيا درساً مهماً حينما أشار إلى تجربة النيجر فى الإدارة المشتركة لاستغلال الموارد الطبيعية فى حوض نهر النيجر منذ عام 1963، مشيراً إلى أن دول غرب إفريقيا التسع، وإفريقيا الوسطى التى يتشكل منها حوض النيجر توافقت على إستراتيجية للإدارة والاستخدام الرشيد والمستديم لمياه نهر النيجر من جانب كل دولة من خلال سلطة حوض النيجر التى أنشئت عام 1980، وطالب بأن تكون تلك التجربة مصدر إلهام لحل أزمة السد الإثيوبى.

أيضاً فقد عرض مندوب المكسيك تجربة دولته فى إدارة الأنهار العابرة محذراً من نشوب صراع فى المنطقة بسبب السد مشيراً إلى إنشاء لجنة المياه العابرة عام 1889 بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك إنشاء آلية مشابهة بين المكسيك من جهة، وبليز وجواتيمالا من جهة أخرى، وكلها آليات ومؤسسات معنية بإدارة الأنهار العابرة، للحدود، وهو نموذج يمكن أن يحتذى به فى أزمة السد الإثيوبى مع بعض التعديلات التى تلائم ظروف نهر النيل.

سألت الوزير سامح شكرى عن تقييمه جلسة مجلس الأمن وما دار فيها من كلمات ومناقشات؟

أجاب: لقد نجحت مصر فى أهدافها تماماً والتى دعتها إلى عرض القضية على مجلس الأمن للمرة الثانية فى غضون عام واحد تقريبا حيث كانت الجلسة الأولى يوم 29 يونيو من العام الماضى، لتحذر من الملء الأول للسد ومخاطره، وهو ما تجاهلته إثيوبيا وقامت بالملء الأول بشكل أحادى، ثم كانت الجلسة الثانية يوم الخميس الماضى لتوضح مصر للمجتمع الدولى خطورة النهج الإثيوبى الأحادى، ومحاولتها فرض الهيمنة والاستحواذ على نهر النيل الذى يعتبر قضية «وجودية» بالنسبة لمصر.

الآن المجتمع الدولى لديه دراية كاملة بالمشكلة ومخاطرها وأبعادها، لذلك ناشدت مصر مجلس الأمن العمل بكل جهد ودأب لتجنب تصاعد التوتر والأزمات فى تلك المنطقة «الهشة».

أوضحنا أن إثيوبيا تصر على التعنت، وأنها تجاهلت جلسة مجلس الأمن فى الملء الأول، وهى الآن تكرر نفس المسلك فى الملء الثانى حينما استبقت جلسة مجلس الأمن، وشرعت فى الملء المنفرد الثانى دون اتفاق يضمن حماية شعوب دولتى المصب من مخاطره.

وأضاف وزير الخارجية: كلمات كل الدول فى مجلس الأمن أكدت القلق المشروع لمصر والسودان، وتفهمت كل الدول أيضاً مخاطر عدم التوصل إلى اتفاق، وطرحت خلال كلماتها ما يتوافق مع مشروع القرار التونسى المقدم إلى مجلس الأمن.

وأضاف: هناك بعض الدول تجنبت تحميل إثيوبيا المسئولية المباشرة عن فشل المفاوضات،

لكن الكلمات فى معظمها أوضحت نجاح الدبلوماسية المصرية فى «تدويل» قضية السد الإثيوبى ومخاطر المسلك الإثيوبى الأحادى، وضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم، والتأكيد على حق مصر فى حماية حق شعبها فى الحياة والوجود بكل الوسائل والسبل.

سألت: وماذا عن الخطوة التالية؟

أجاب سامح شكرى: الخطوة التالية فى يد مجلس الأمن، وهو الذى سوف يقرر الخطوة التالية من خلال المشاورات والمداولات على مشروع القرار التونسى، وهل ستكون هناك إضافات عليه أو تعليقات أم توافق.

 

كل هذا سوف يتضح خلال المشاورات والمداولات خلال الأيام القليلة المقبلة، مشيرا إلى أنه لا يوجد هناك توقيت زمنى محدد، وإنما ذلك يرتبط بموقف دولة تونس الشقيقة التى قدمت القرار طبقا لما ستسفر عنه تلك المداولات والمشاورات.

وأضاف وزير الخارجية: مراحل التداول والتشاور تشمل البحث والمراجعة من جانب الفنيين المتخصصين، ثم بعد ذلك يأتى مستوى الممثلين الدائمين، ثم يكون الأمر بعد ذلك متعلقا برؤية الدولة المقدمة لمشروع القرار، وحينها سوف تقوم بنقله إلى اللون الأزرق لاتخاذ القرار المناسب من المجلس، مشيرا إلى أنه ليس هناك «تكهن» بموقف محدد، لكن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتوضيح كل الأمور، والخطوة المقبلة تتوقف على رؤية مجلس الأمن لاحتواء التصعيد المحتمل، مطالبا مجلس الأمن بالقيام بمسئولياته لحفظ السلم والأمن، ودعم المسار التفاوضى من خلال تأييد مشروع القرار التونسى.

وأكد سامح شكرى أن صمت المجلس مرفوض لأنه يعنى تخلى المجلس عن مسئولياته من منظور الدبلوماسية الوقائية وحل المنازعات بالطرق السلمية.

على الجانب الآخر فقد لقنت وزيرة الخارجية السودانية د. مريم الصادق المهدى إثيوبيا درسا لن تنساه بعد أن كشفت أكاذيب إثيوبيا بعدم إضرار السد بالسودان، وأوضحت أن السودان أضير مرتين فى الملء الأول: «بالعطش» مرة، وبـ «الفيضان» مرة أخرى.

كما فضحت خلال مؤتمرها الصحفى بعد جلسة مجلس الأمن محاولات إثيوبيا الدائمة للوقيعة بين العرب والأفارقة من جانب، وبين مصر والسودان من جانب آخر، وأكدت أنها محاولات فاشلة لأنها تستند جميعها على «الأكاذيب» و«الفتن»، وطالبت إثيوبيا بالكف عن نشر الأكاذيب واثارة الفتن.

أعتقد أن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتوضيح مدى كفاءة مجلس الأمن فى القيام بدوره فى حفظ الأمن والسلم العالميين، والكشف عن المواقف «الملتبسة» لبعض الدول، ومدى جدية تلك الدول فى مساندة الحقوق المشروعة لدولتى المصب «مصر والسودان» فى مياه نهر النيل باعتباره أطول نهر دولى عابر للحدود من أجل منع التصعيد والتوتر، وتحويل السد الإثيوبى إلى مصدر للتعاون والتعايش المشترك بدلا من أن يكون سدا للمشكلات والأزمات فى القارة الإفريقية.

Back to Top