حينما اجتمعت الأسرة المصرية فى إستاد القاهرة
نشر بالأهرام الأحد 18-7
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
فى مشهد مهيب يجسد حجم الالتحام بين الرئيس عبد الفتاح السيسى وشعبه اجتمع عشرات الآلاف من أبناء الشعب المصرى فى أكبر تجمع من نوعه لمشاهدة انطلاق مشروع القرن الحادى والعشرين الذى يستفيد منه أكثر من نصف عدد سكان الشعب المصرى.
كانت الساعة تقترب من السابعة والنصف من مساء الخميس الماضى، حينما اكتملت الاستعدادات لهذا الحدث الضخم غير المسبوق.
العديد من الأسر المصرية من كل محافظات مصر بلا استثناء التى جاءت إلى إستاد القاهرة كانت تنتظر بشغف ذلك الحدث الفريد ولم تتأثر بحرارة جو ذلك اليوم، ولحسن الحظ فقد تحسن الطقس بعد أن اختفت شمس ذلك اليوم الحار، ومع نسمات الهواء التى بدأت تداعب وجوه الحاضرين انطلقت فعاليات ذلك الاحتفال الضخم لتعلن تدشين أكبر وأضخم مشروع تشهده مصر فى القرن الحادى والعشرين.
على طريقة الرئيس عبد الفتاح السيسى المميزة لم يكن تدشين المشروع وكتابة وثيقته إيذانا بانطلاق هذا المشروع العملاق، وإنما كما اعتاد الرئيس أن يفعل ـ كانت تلك الوثيقة تأكيدا على انطلاق المشروع منذ فترة، وبدء دوران عجلة العمل والإنتاج فيه بشكل مكثف وعملى.
تأكيدا لذلك التصور اجتمع على شاشات العرض أمامنا فى إستاد القاهرة عبر تقنية «الفيديو كونفرانس» 10 مواقع مختلفة لأعمال يتم تنفيذها فى قرى 10 محافظات، بالإضافة إلى غرفة العمليات المركزية ليقدموا أمام الرئيس وجموع الحاضرين تقريرا مفصلا عن حجم الأعمال التى تمت على أرض الواقع فى تلك القرى.
المشاهد كلها جاءت معبرة عن حجم الإنجاز الذى تحقق فى تلك القرى خلال الفترة الوجيزة الماضية.
بدأ العرض بقرية الرياض فى محافظة بنى سويف ثم انتقل إلى قرية شرنوب فى البحيرة، وبعدها كانت قرية الصحوة بالوادى الجديد، ثم عزبة بدوى فى الغربية، ثم قرية اتليدم فى صعيد مصر بالمنيا، ومنها إلى قرية بهيج بالإسكندرية، ثم آخر حدود الدولة المصرية فى أسوان وقرية الكرامة، وبعدها قرية قابونة بالشرقية، ثم قرية الكوامل بحرى فى سوهاج لنصل إلى محطة النهاية فى قرية النجوع قبلى بالأقصر.
المشروعات تتنوع مابين رصف طرق، وبناء مساكن، وإنشاء مستشفيات ومدارس ومراكز شباب، وإقامة مجمعات خدمات وغيرها من المشروعات المختلفة التى تحتاجها تلك القرى لتظهر فى أبهى صورة، كما هو مخطط لها فى نهاية خطط تطويرها.
التصور الموضوع لكل قرية تم وضعه بكل دقة وانضباط وطبقا لجدول زمنى محدد لا يتم تجاوزه، لذلك فإن العمل يجرى فى تلك المشروعات ليل نهار، ورغم أنه كان من المقرر تكريم منسقى الأعمال فى تلك القرى، إلا أن ارتباط بعض هؤلاء المكرمين بأعمالهم فى مواقع العمل، جعلهم ينيبون بعض أفراد أسرهم لاستلام التكريم حتى يتمكنوا من استكمال أعمالهم فى الميدان.
مشروع تطوير القرى هو حلم كل المصريين الذى تحول إلى واقع، وبدأ كأمنية وحلم للرئيس كان يتمناه ويحلم به مثل كل مصرى بتحويل حياة المصريين فى تلك المناطق للأفضل، وحينما تولى مقاليد الحكم شرع فى الإعداد لتنفيذ ذلك الحلم.
بدأ تحويل الحلم إلى واقع بالتحديد فى 2 يناير عام 2019، حينما وجه الرئيس بإطلاق مبادرة «حياة كريمة» لتحسين مستوى المعيشة وكتب على حسابه آنذاك »أوجه الدعوة لمؤسسات وأجهرة الدولة بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى وبرعايتى المباشرة لإطلاق مبادرة وطنية على مستوى الدولة لتوفير حياة كريمة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجا خلال عام 2019.. تحيا مصر».
منذ ذلك التاريخ بدأ الحلم يظهر إلى النور، لكن إصرار الرئيس على اكتمال الحلم ازداد ليتسع الحلم لكل القرى المصرية بلا استثناء.
تحد ضخم وخطير يحتاج إلى أموال ضخمة تصل إلى 700 مليار جنيه، وجهد جبار يستلزم تضافر كل جهود المجتمع ليظهر إلى النور.
ضخامة الحلم والأمل كانت واضحة فى كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام مجموع الحاضرين فى إستاد القاهرة، حينما شكر الله مرارا وتكرارا على فضله ودعمه لإتمام هذا العمل الجبار.
اختيار الرئيس لهذا المشروع العملاق ليكون عنوانا للجمهورية الجديدة اختيار موفق تماما لأنه يعنى كما أشار الرئيس «تدشينا للجمهورية المصرية القائمة بثبات ورسوخ على مفهوم الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التى تمتلك القدرات الشاملة عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وتعلى مفهوم المواطنة وقبول الآخر، وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية، وتتطلع لتنمية سياسية تحقق حيوية للمجتمع المصرى قائمة على ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية والكرامة والإنسانية».
لا يمكن أن تكون هناك عدالة أو كرامة أو إنسانية فى ظل توزيع غير عادل لثمار التنمية ومن هنا جاء هذا الحلم الأكبر ليكون العنوان الأبرز فى الجمهورية الجديدة الذى يحقق العدالة والكرامة والإنسانية لأكثر من نصف عدد سكان مصر،.
نجح د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ببراعة فى رسم صورة حية لهذا المشروع العملاق أثناء استعراضه لمحاور العمل الرئيسية بالمشروع القومى لتطوير الريف المصرى أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى وجموع الحاضرين فى إستاد القاهرة.
أوضح د. مصطفى مدبولى أن مشروع تطوير الريف المصرى هو المشروع الأضخم الذى لم تقم أى دولة فى العالم فى العصر الحديث بتنفيذه، مشيرا إلى أن مصر شهدت خلال القرن التاسع عشر مشروع شق قناة السويس، وفى القرن العشرين كان مشروع بناء السد العالى.
أما مشروع تطوير الريف المصرى فهو مشروع القرن الحادى والعشرين بجدارة لافتا إلى أن كل من مشروعى قناة السويس، والسد العالى استغرق العمل فى كل منهما 10 سنوات، كما أن كل مشروع منهما كان له منطقة جغرافية معينة، وأهداف محددة، بعكس مشروع تطوير الريف المصرى الذى يستغرق تنفيذه 4 سنوات فقط، ويمتد ليشمل جميع أرجاء مصر، كما أنه ليس عملا هندسيا واحدا، وإنما ينضوى تحت رايته آلاف المشروعات التى سيتم تنفيذها فى جميع القرى المصرية.
رؤية ووصف د.مصطفى مدبولى رئيس الحكومة لهذا المشروع العملاق معبرة وصادقة لأنه ملحمة تنموية متكاملة تغطى 4500 قرية وأكثر من 28 ألف تابع ويستهدف 58% من إجمالى عدد سكان مصر، أى أن أكثر من نصف عدد السكان سوف يستفيدون بشكل مباشر من هذا المشروع الحيوى العملاق، وهذا يكفيه ليكون مشروع القرن.
على الجانب الآخر فإن د. محمود محيى الدين الاقتصادى المصرى الدولى، وأحد أبرز خبراء الاقتصاد العالمى وحاليا هو المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى ومبعوث الأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة أشاد فى مداخلة مسجلة بالمبادرة وأهميتها وتفردها على المستوى العالمى.
اتصلت به أمس الأول الجمعة حيث كان فى بيروت ضمن مهمة عمل إلى هناك وسألته عن سر سعادته الشخصية بالمبادرة وأسباب إشادة الأمم المتحدة بها؟
أجاب د.محمود محيى الدين: شخصيا أنا مواطن مصرى مغموس فى ريف مصر وقراها، وأعلم حجم التمييز الذى يشعر به مواطن الريف المصرى مقارنة بمواطن المدن، ومن هنا يأتى تقديرى الشخصى للمبادرة لأنها تنهى عصورا طويلة من التمييز بين مواطنى الريف والمدن بهدف تحقيق مفاهيم العدالة الاجتماعية بشكل عصرى وحديث وبما يؤدى إلى توزيع عادل لثمار التنمية.
أما فيما يخص الأمم المتحدة ومبادرة التنمية المستدامة وتقييم مبادرة تطوير الريف المصرى واعتبارها أفضل المبادرات على مستوى العالم فذلك يرجع للعديد من الأسباب.
أول هذه الأسباب سوابق الأعمال المتميزة للدولة المصرية فى عصر الرئيس عبد الفتاح السيسى مثل الطفرة الهائلة فى شبكة الطرق التى ساهمت فى تحسين حياة المواطنين وتخفيض حجم معاناتهم، بالإضافة إلى مبادرات الصحة خاصة ما يتعلق بعلاج فيروس سى والأمراض المزمنة، إلى جوار تحسين أوضاع المياه والصرف الصحى والكهرباء وغيرها من المجالات التى تحققت بها طفرات غير مسبوقة.
السبب الثانى للتقييم أن مبادرة تطوير الريف هى المبادرة الأكثر شمولا فى العصر الحديث لأنها تسهم فى »توطين التنمية«، وليس فقط تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وإنما تسهم فى توزيع عادل للتنمية المستدامة فى إطار من الالتزام بالمعايير الـ 17 المعتمدة من الأمم المتحدة.
المعايير الـ 17 موزعة على العديد من المجالات التى تتطابق مع المبادرة المصرية مثل الاستثمار فى البشر من خلال مجالات التعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى توفير بنية تكنولوجية متقدمة بما يحقق المساواة بين سكان الريف والمدن فى تلك المجالات فى إطار من التكافؤ الاجتماعى، وإتاحة الفرص للجميع خاصة الفئات الأضعف مثل النساء والأطفال.
وأشار د.محمود محيى الدين إلى أن أهم ما يميز المبادرة المصرية هى التزامها ببرنامج زمنى بدأ منذ عام 2019 وينتهى عام 2024 وهذا يعنى إمكان مراجعة برامج المبادرة ومتابعتها كل فترة والوقوف على حجم الإنجاز بها ونقاط القوة والضعف.
سألته عن حجم تمويل المبادرة وقدرة ذلك التمويل على الوفاء بمتطلباتها؟
أجاب د.محمود محيى الدين المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى قائلا: تمويل المبادرة يصل إلى 700 مليار جنيه بمتوسط 200 مليار جنيه لكل مرحلة تقريبا وهو حجم تمويل ضخم يأتى فى توقيت غاية فى الأهمية، وهو توقيت انتشار جائحة كورونا وما تركته من آثار اقتصادية سلبية.
هذا المشروع سوف تكون له آثار إيجابية ضخمة على حركة المال والأعمال والانتعاش الاقتصادى فى مصر، وسوف يسهم فى ضخ جديد للطلب، وتحريك آليات الاقتصاد، وإحياء الطلب على فرص العمل والاستثمار.
وأوضح أن ضمن مزايا هذا المشروع أيضا أنه سوف يسهم فى فتح الشرايين الاقتصادية الوطنية لأن أغلب مكونات المشروع محلية بما يسهم فى إنعاش الاقتصاد خلال تلك المرحلة، ويؤدى إلى تعويض الاقتصاد الوطنى عن انكماش الاقتصاد العالمى من خلال إيجاد الطلب المحلى الذى سوف يسهم فى تعويض الأزمة العالمية.
لفت د.محمود محيى الدين انتباهى إلى أن محركات الاقتصاد السائدة من قبل كانت تتركز فى بعض المناطق مثل مدن القناة، والمدن الجديدة، والقاهرة، فى حين أن مبادرة تطوير الريف تفتح شرايين جديدة ومتنوعة فى جميع المناطق المصرية من الإسكندرية حتى أسوان، وهو ما يسهم فى خلق اقتصاد قوى ومتنوع، ويفتح مجالات جديدة للتصدير ويضيف أبعادا جديدة للمنظومة الإنتاجية، فى ظل الاهتمام بالتحول الرقمى داخل المبادرة، وتوفير فرص متكافئة فى هذا المجال بين الريف والمدن.
كل هذه المميزات وغيرها وضعت المبادرة المصرية على رأس أفضل مبادرات التنمية المستدامة فى العالم من خلال الوحدة المعنية لاختيار النماذج الناجحة فى مجال التنمية المستدامة على مستوى العالم.
انتهى كلام د.محمود محيى الدين أحد أبرز خبراء الاقتصاد على مستوى العالم وإشادته بالمبادرة المصرية واختيارها كأفضل المبادرات العالمية فى هذا الإطار، وهو ما يعطى قوة دفع هائلة لكل فئات المجتمع المصرى وأطيافه وليست الحكومة وحدها من أجل استكمال الحلم بحلول 2024 إن شاء الله بعد أن دارت ماكينات العمل والإنتاج والإرادة فى كل قرى مصر وتوابعها.