التعديات الزراعية «تصطدم» بـ «الزيادة السكانية»!
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
مطالبات الرئيس عبد الفتاح السيسى الدائمة والمتكررة بمنع التعدى على الأراضى الزراعية هى تأكيد لتراث مصرى صميم يربط بين «الأرض والعرض» وضرورة الحفاظ عليها باعتبارها مصدر الخير والنماء وسلة الغذاء للمصريين.
حينما يتحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن الأرض الزراعية وضرورة الحفاظ عليها ويحذر من تآكلها والتعدى عليها يذكرنى بالمصرى الأصيل الذى يربط بين الأرض والعرض والذى كان ولايزال يردد دائمًا «الأرض مثل العرض»، يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها.
يوم الثلاثاء الماضى وخلال افتتاح المدينة الغذائية المتكاملة فى قلب صحراء مدينة السادات التقى الرئيس الصحفيين والإعلاميين، وخلال المؤتمر الصحفى شكرت الرئيس على إنجاز القرن فى تطوير الريف المصرى الذى يمس بشكل مباشر حياة ما يقرب من 60 مليون مواطن مصرى مقيمين فى قرى مصر وتوابعها فى طول البلاد وعرضها متمنيًا أن يتم إنجاز التطوير كما هو مخطط له بدقة من أجل تحقيق نهضة كبرى فى القرى تسهم فى تغيير وجه الحياة فى الريف المصرى.
الرئيس كان واضحًا وحاسمًا فى إجابته كعادته، مؤكدًا أن البرنامج الموضوع سيتم تنفيذه بدقة مهما كانت تكلفة تنفيذه، وطالما توافر التمويل فمن المؤكد أن تنفيذ البرنامج سوف يتم فى أسرع وقت من أجل إسعاد المواطنين وخلق حالة من الرضا المجتمعى الحقيقى لدى هذا القطاع من المواطنين الذين يشكلون نحو 58% من الشعب المصرى، مشيرًا إلى أنه سيتم إنجاز منظومة متكاملة من الصرف الصحى ومياه الشرب والرى والكهرباء والرصف، بالإضافة إلى توفير كل وسائل الاتصالات الحديثة فى الأماكن الحكومية فى القرى وربطها بشبكات (فيبر) حديثة طبقًا لأعلى المعايير والمواصفات.
تطرق الرئيس فى حديثه إلى قضيتين مجتمعيتين خطيرتين، وهما: قضية التعديات الزراعية، وما حدث فى الريف المصرى من تعديات خطيرة أهدرت مساحات كبيرة من أجود الأراضى الزراعية، وأضاعت معها فرص عمل كثيرة على المزارعين فى الريف.
القضية الأخرى، هى: قضية الزيادة السكانية التى تلتهم الموارد وما يتحقق من إنجازات مما يتطلب تعاونا مجتمعيا جادا للحفاظ على الرقعة الزراعية، وضبط الزيادة السكانية على اعتبار أن المجتمع هو الشريك الأساسى للحكومة والدولة فى الحفاظ على المكتسبات والإنجازات التى تتحقق الآن على مختلف الأصعدة، وفى كافة المجالات.
أعتقد أن الوعى المجتمعى بات ضرورة ملحة الآن للوقوف كحائط صد فى مجابهة هاتين القضيتين الخطيرتين لأن الزيادة السكانية تصطدم بعنف بالتعدى على الأراضى الزراعية، وفى الوقت الذى تقفز فيه معدلات الزيادة السكانية بشكل غير منضبط وبما يفوق قدرات الدولة الاقتصادية تتآكل الرقعة الزراعية المخصصة لإنتاج الغذاء للسكان فى تناقض صارخ وخطير.
الزحف السكانى فى الريف دمر مساحات كبيرة من أجود الأراضى الزراعية على مدار العقود الماضية، مما أدى إلى إهدار إنتاج هذه الأراضى، وضياع الملايين من فرص العمل أمام العاملين فى القطاع الزراعى من سكان القرى.
أكثر من مليونى حالة تعد على الأراضى الزراعية وقعت خلال الخمس سنوات التى أعقبت ثورة يناير2011، وقبل ذلك وقعت ملايين أخرى من التعديات مما أدى إلى اغتيال أكثر من مليونى فدان من أجود الأراضى الزراعية خلال الخمسة عقود الماضية، وبما يزيد على 25% من إجمالى المساحة الزراعية التى كانت موجودة.
نشطت التعديات واستشرت بعد خروج قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية رقم 96 لسنة 1992 إلى النور .
بعد صدور ذلك القانون حدثت مذبحة كبرى للأراضى الزراعية بعد أن تم «فك الارتباط» بين الملاك والمستأجرين، ونشط تجار وسماسرة الأراضى فى بيع الأراضى الزراعية للسكن بعد أن قرر الملاك التخلص من أراضيهم التى كانوا محرومين منها لفترات طويلة.
أثمرت المذبحة الكبرى عن اغتيال مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية، وإقامة مناطق سكنية عشوائية عليها خالية من الخدمات والمرافق، وتفتقد التهوية الصحية ولا تزورها الشمس إلا قليلا.
تراخى الحكومات المتعاقبة أسهم فى زيادة مساحات التعديات خاصة مع إلغاء الأمر العسكرى رقم (1) لسنة 1996 الذى أصدره المرحوم د. كمال الجنزورى وبخروجه من الحكومة تم إلغاء هذا الأمر العسكرى لتزداد شراسة التعديات على الأراضى الزراعية بعد أن أصبح بعض موظفى حماية الأراضى الزراعية جزءا من منظومة الفساد والتعديات على الأراضى الزراعية.
استمرت لعبة القط والفأر من جانب الحكومات المتعاقبة حتى بدأت الدولة المصرية مؤخراً فى مواجهة تلك التعديات، وتقرر فتح باب المصالحات أمام ما حدث من تعديات سابقة، وغلق الباب تماماً أمام المخالفات الجديدة بالتنسيق بين الأجهزة المعنية المختلفة، والمتابعة الدقيقة لكل ما يحدث على الأراضى الزراعية يوميا من خلال التصوير الجوى على مدار الـ 24 ساعة يوميا.
سألت وزير الزراعة السيد القصير عن الموقف الحالى للتعديات الزراعية، وهل انتهت تلك الظاهرة؟
أجاب وزير الزراعة قائلا: تماما انتهت التعديات وغير مسموح الآن على الإطلاق بأى اختراق لمنع التعدى على الأراضى الزراعية، وهناك متابعة يومية دقيقة لكل البلاغات التى يتم تحريرها لمن يحاول فرض الأمر الواقع كما كان يحدث من قبل.
ساعد فى ذلك قرارات الحكومة بوقف البناء بشكل عام، وضرورة إصدار التراخيص اللازمة للمبانى حتى لو كانت مبانى قديمة.
هذه القرارات والتعليمات «أنهت» ظاهرة الفوضى التى كانت موجودة من قبل وأدت إلى تدمير ما يقرب من مليونى فدان خلال العقود الخمسة الأخيرة.
وأضاف السيد القصير: مساحة الأراضى الزراعية الإجمالية الآن حوالى 9٫4 مليون فدان، منها 6٫1 مليون فدان من الأراضى القديمة، والباقى أراض جديدة ومستصلحة.
ميزة الإنتاج فى الأراضى القديمة أن تكلفته أقل كثيرا من الإنتاج فى الأراضى الجديدة، لأن الأراضى القديمة قريبة من العمران ــ كما أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء افتتاح المدينة الغذائية ــ وملاصقة للقرى التى تتوافر بها هذه النوعية من العمالة، بالإضافة إلى وجود بنية تحتية جاهزة من ترع ومصارف وكلها عوامل تسهم فى تخفيض تكلفة الإنتاج وجودته، وهو ما ينعكس فى النهاية على أسعار المحاصيل الزراعية المعروضة فى الأسواق لصالح المستهلكين.
وأشار وزير الزراعة إلى أن التعدى على الأراضى الزراعية يتعارض مع الزيادة السكانية غير المنضبطة، وفى الوقت الذى يجب فيه تدبير احتياجات هذه الزيادة من المحاصيل والسلع الغذائية يتم تدمير الرقعة الزراعية وإهدارها فى مساكن أقرب ما تكون إلى المساكن العشوائية وتشويه وجه الريف الجميل بزراعة الكتل الأسمنتية، بدلا من المحاصيل والفواكه فى الأراضى الزراعية.
سألته عن معدلات الإنتاجية فى الأراضى القديمة والأراضى الصحراوية المستصلحة؟
أجاب وزير الزراعة السيد القصير قائلا: الطبيعى أن الإنتاجية فى الأراضى القديمة أعلى وأرخص تكلفة، لأن الأراضى القديمة أكثر جودة، ولكن هناك عوامل متعددة تؤثر فى الإنتاجية والسعر، منها التغيرات المناخية على سبيل المثال التى يجب أن ننتبه إليها جيدا، فلم يعد هناك فصل ربيع أو خريف وإنما هناك شتاء وصيف، وقد أدت التغيرات المناخية هذا العام إلى التأثير على محصولى الزيتون والمانجو بعد أن ارتفعت درجات الحرارة خلال شهرى فبراير ومارس الماضيين، وهما شهرا «التزهير» للمحصولين مما أدى إلى التأثير سلبيا على الإنتاج.
أخيرا يبقى الوعى المجتمعى هو حائط الصد الرئيسى فى الدفاع عن مكتسبات تطوير الريف المصرى من خلال الحفاظ على الرقعة الزراعية وعدم إهدار سنتيمتر واحد منها، وضبط الزيادة السكانية ليعود الخير والنماء لكل قرى مصر وتوابعها فى طول البلاد وعرضها.