البحث عن المستقبل فى سماء «كابول»!

 

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

 

ماذا بعد انسحاب آخر جندى من القوات الأمريكية من أفغانستان يوم الثلاثاء الماضي؟ وإلى أين تسير أفغانستان؟

 

هل تسير إلى التهدئة، وتغيير المسار وإقامة نظام حكم معترف به دوليا وإقليميا ومحليا؟ أم تسير إلى التصعيد وبدء دوامة جديدة من العنف والإقصاء، واحتضان الكيانات الإرهابية ليبدأ تصاعد أعمدة الدخان من جديد فى سماء العاصمة «كابول» وغيرها من الأقاليم؟!

 

لا أحد يملك على وجه اليقين إجابات قاطعة على تلك التساؤلات، والسبب الرئيسى لذلك أن أفغانستان تحولت منذ أكثر من 40 عامًا إلى دار حرب بالوكالة، بدأها الاتحاد السوفيتى السابق، حينما تورط فى احتلال تلك الدولة، ليدخل «الغريم» الأمريكى على الخط حتى أصبحت «أفغانستان» ورطة كبيرة للسوفيت، وكانت «المسمار الأول» فى نعش الاتحاد السوفيتى الذى انهار وتفكك بعد ذلك.

 

لم تستوعب أمريكا الدرس، وربما كان السبب الرئيسى لعدم الفهم والاستيعاب أنها هى من كانت تقوم بتحريك «العرائس» من خلف الستار ضد السوفيت، «وتوهمت» أن «الأمريكان» ليسوا كالسوفيت، وأنهم أكثر دراية وخبرة.

 

 

 

 

بعد عشرين عامًا فشلت التجربة الأمريكية فى أفغانستان على غرار فشل التجربة الروسية قبل ذلك، ولم تنجح أمريكا فى إقامة الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هناك، أو إقصاء طالبان من المشهد الأفغانى.

 

الآن عاد المشهد فى أفغانستان إلى المربع رقم واحد، ما بين رغبة طالبان فى تشكيل حكومة جديدة، وبين استكمال سيطرتها على باقى الأقاليم المتنازع عليها، خاصة منطقة وادى بنجشير الذى يبعد نحو 80 كيلومترا شمال كابول بعد فشل جهود الحل السلمى ورفض طالبان مطالب أحمد مسعود نجل أسد بنجشير أحمد شاه مسعود، وبدء العملية العسكرية بين الجانبين.

 

أغلب الظن أن طالبان سوف تنجح فى السيطرة على إقليم «بنجشير» رغم الصعوبات والخسائر التى قد تتكبدها، لأنها سيطرت على الأقاليم المجاورة، وبالتالى تحاصر الإقليم من كل الاتجاهات، وأصبحت تسيطر بالكامل على معظم الممرات والمداخل، وما هى إلا مسألة وقت قد يطول أو يقصر، لتعلن طالبان سيطرتها الكاملة على كامل الأراضى الأفغانية، خاصة أن الأطراف الدولية الخارجية لاتزال تترقب الوضع، ولا تريد التورط بشكل مباشر فى تلك المعركة.

 

أما فيما يخص تشكيل الحكومة، فالمفاوضات أوشكت على الانتهاء، وكل الأنباء الواردة من هناك ترشح القيادى عبدالغنى برادار، ليكون رئيسًا لتلك الحكومة المرتقبة.

 

ربما يكون تشكيل الحكومة والأسماء الواردة فيها مؤشرًا على مسار أفغانستان المقبل، فإذا خرجت الحكومة المنتظرة حكومة موسعة وضمت أطيافا متعددة فإن ذلك سوف يكون مؤشرا للانفتاح المستقبلى لحركة طالبان والعكس صحيح، فإذا اتجهت طالبان إلى «التقوقع» حول حركتها، ورفضت الأطياف الأخرى أو وضعتهم فى أماكن ووزارات غير مؤثرة فهذا يعنى أن طالبان كما هى، وأنها فقط التزمت الصمت والهدوء لحين تقوية «شوكتها»، وضمان خروج القوات الأجنبية لتكشف عن وجهها الحقيقى.

 

فى كل الأحوال لن يكون تشكيل الحكومة الأفغانية هو المعيار أو المؤشر الوحيد الحاكم والمؤثر لأن الممارسة العملية لحركة طالبان هى الفيصل فى الحكم على مسارها، ولن يتضح ذلك قبل شهور أو ربما سنوات.

 

هناك تحديات ضخمة وخطيرة تنتظر الحكومة المقبلة فى ظل الانهيار الاقتصادى، ونقص الخدمات والسلع، وعدم وجود أرصدة نقدية أو سلعية يمكن الاعتماد عليها.

 

إلى جوار التحديات الاقتصادية فهناك تحديات اجتماعية مماثلة خاصة ما يتعلق بالنساء، ودورهن فى ظل إعلان الحركة أن الحكومة المقبلة لن تكون المرأة ممثلة فيها.

 

لا يتعلق الأمر بالتمثيل الحكومى للمرأة فقط لكنه يمتد إلى حق المرأة فى العمل خاصة بعد أن خرجت أول مظاهرة نسائية فى مدينة «هرات» ضمت نحو 50 إمرأة يوم الخميس الماضى لتطالب بحق المرأة فى العمل، والاحتجاج على رفض مشاركة المرأة فى الحكومة المقبلة.

 

هناك ترقب حذر فيما يتعلق بوضع المرأة وحقها فى التعليم والمشاركة فى العمل، وكلها مواقف لن تتضح إلا من خلال أفعال طالبان، ومدى اقتناعها بتلك الحقوق الضرورية للمرأة من عدمه خاصة أن لها تجارب «مريرة» سابقة وجميعها كانت تنكر تلك الحقوق، ولا تعترف بها من الأساس.

 

المشكلة تكمن فى «أدبيات» طالبان وطريقة تفكيرها، وهو ما كشفت عنه احتفالاتها يوم الأربعاء الماضى التى عرض التليفزيون الأفغانى أجزاء منها تضمنت عرضا عسكريا للحركة به العديد من المشاهد لمقاتلين يرتدون سترات انتحاريين، وآخرين يقودون سيارات مفخخة، وهو ما أثار العديد من الانتقادات للحركة وطريقتها فى المباهاة بالانتحاريين والسيارات المفخخة.

 

أعتقد أن ذلك هو «مربط الفرس» كما يقولون لأن طالبان إذا أرادت أن تتحول إلى حكومة تقود دولة فالمؤكد أنها سوف تفشل فشلاً ذريعاً بمرور الوقت، لأن الدولة تعنى مؤسسات للحكم ووزارات وهيئات، وجيشا، وشرطة، وموظفين بما يترتب على ذلك من أجور ورواتب، وميزانية واحتياطى نقدى وسلعى، وخدمات صحية وتعليمية، وبنية تحتية.

 

هذه المتطلبات سوف تعجز طالبان عن الوفاء بها، ومن ثم سوف يثور الشعب عليها وتنتهى إلى زوال.

 

الصين الآن هى المستهدف الأول للولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فإن أمريكا تتمنى أن تتورط الصين هناك على غرار التورط السوفيتى القديم لتكون «مسمار» البداية فى «هز» الإمبراطورية الصينية القادمة بسرعة الصاروخ من الخلف إلى الأمام لتحتل مكان الصدارة العالمية.

 

تخشى أمريكا أن تحل «الصين» محلها فى مقعد «القيادة الدولية»، وربما يكون ذلك هو السبب الأهم غير المعلن فى مخطط أمريكا الإستراتيجى فى الانسحاب من أفغانستان إلى جوار الأسباب الأخرى المعلنة.

 

الصين حتى الآن أكثر ذكاءً ودهاءً، وقد تعاملت بذكاء مع «المتغير» الأمريكى فى أفغانستان، وبدأت تمد يد التعاون والمساعدة إلى طالبان لمساعدتها فى إقامة نظام حكمها الجديد، وتزويدها بالمساعدات، بل امتنعت هى وروسيا عن التصويت لمصلحة قرار مجلس الأمن الذى دعا إلى إلزام حركة طالبان بضمان إجلاء الأفغان والرعايا الأجانب عن بلادهم دون عوائق لكى تؤكد لحركة طالبان موقفها المساند لها فى المحافل الدولية فى إطار المخطط الصينى لاحتواء الحركة، وعدم التصعيد معها.

 

أعتقد أن الوضع فى أفغانستان قد يستغرق شهورا، وربما سنوات حتى تتكشف خريطة طريق الحكم هناك، ومستقبل حركة طالبان، وهل انتقلت إلى مرحلة «الدولة» أم غير ذلك؟!.

 

 

Back to Top