وداعًا للسلع «الرديئة» والضرائب «الجزافية»
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
استوقفتنى يوم الثلاثاء الماضى مداخلة الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن تحديث النظام الجمركى، وميكنة الإجراءات الجمركية، خاصة حينما أشار إلى أن الهدف هو مصلحة المواطن أولا، وتحسين جودة السلع والخدمات المقدمة إليه، وضرورة انتهاء عصر السلع غير المطابقة للمواصفات، وأنه لن يتم استيراد أى سلعة إلا إذا كانت خاضعة للمعايير والمواصفات القياسية الأوروبية.
الرئيس طمأن المستوردين والشركات العالمية بأن الهدف هو تسهيل الإجراءات، ونقل مستوى الخدمة فى الجمارك المصرية إلى مستوى الخدمة المقدمة فى موانى سنغافورة، والبلاد الأكثر تقدما، بحيث يتم التسهيل على المستوردين، وإنهاء الإجراءات فى أسرع وقت ممكن، وضمان الموافقة على إدخال الشحنة قبل وصولها إلى الميناء، وفى الوقت نفسه ضمان جودة السلع المستوردة، والسيطرة على المنافذ البرية والبحرية والجوية بشكل كامل، بما يضمن عدم إدخال أى مواد محظورة أو مخالفة مثل المخدرات وغيرها.
أعتقد أن ما يحدث فى قطاع الجمارك هو ثورة كاملة فى هذا القطاع، بعد أن «ترهل» وازدادت متاعبه ومشكلاته، وأصبح يمثل عبئا ضخما على المستوردين الجادين، وفى الوقت نفسه أصبح «ثغرة» لتسريب السلع «المضروبة»، وسلع «بير السلم»، التى لا تخضع لأى مواصفات، سواء كانت سلعا منزلية أو كهربائية أو حتى سلعا غذائية.
على سبيل المثال؛ فإن الصين تصدر منتجاتها إلى أوروبا وأمريكا، وأيضا تصدرها إلى الأسواق المصرية، وفى الوقت الذى تكون فيه السلع الصينية على أعلى مستوى فى الأسواق الأوروبية؛ فإننا نجد العكس فى الأسواق المصرية، حيث يقوم بعض المستوردين بشراء الأصناف «الرديئة» من الأسواق الصينية وشحنها إلى مصر، وإغراق الأسواق بها من أجل الكسب السريع على حساب جودة السلع التى قد يضطر بعض المواطنين لشرائها نتيجة انخفاض أسعارها، ولعدم وجود بديل لها أحيانا.
تحدثت إلى د. محمد معيط وزير المالية للوقوف على آخر مستجدات تطوير المنظومة الجمركية وتأثيراتها المتوقعة على ضبط الأسواق المصرية، والارتقاء بجودة السلع فيها، وانعكاسات ذلك على حركة التصدير والاستيراد، وأيضا خطوات تطوير المنظومة الضريبية، والفاتورة الإلكترونية، وعلاقة ذلك بنهاية عصر التقديرات الجزافية، وتحقيق العدالة الضريبية.
سألته فى البداية عن تطوير المنظومة الجمركية، ولماذا تأجل التطبيق إلى بداية شهر أكتوبر المقبل؟!
أجاب د. معيط: ما يحدث فى تطوير المنظومة الجمركية هو ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معان، لأن الجمارك كانت قد «ترهلت» وأصبحت تمثل صداعا دائما فى رأس المستوردين والشركات العالمية، وفى الوقت نفسه كانت «ثغرة قاتلة» لنفاذ السلع «المضروبة»، وأحيانا المواد المحظورة.
كل هذا الآن أصبح من الذكريات التاريخية، بعدما وجه الرئيس بضرورة تطوير الجمارك لتصبح على أعلى مستوى قياسى عالمى ـ كما أشار الرئيس فى مداخلته ـ وضرب نموذجا بالجمارك فى سنغافورة.
لقد قطعنا شوطا كبيرا فى هذا المجال، وكانت البداية منذ 6 أشهر، وخلالها تم تجهيز مقار الجمارك بأحدث الأجهزة والمعدات، وتطوير البنية التحتية لها، وكذلك تطوير العنصر البشرى، وفصل مقدم الخدمة عن المستفيد منها، لإنهاء كل حلقات الفساد التى من الممكن حدوثها.
وأضاف وزير المالية: زارنى عدد من سفراء الدول الأجنبية خلال الفترة الماضية، وطلبوا مهلة إضافية لتوفيق الأوضاع، والطلب نفسه طلبه مجتمع رجال الأعمال، وقد توصلنا إلى مهلة تنتهى بنهاية هذا الشهر ليبدأ التطبيق اعتبارا من بداية شهر أكتوبر المقبل إن شاء الله، ولن يتم إعطاء مهلة إضافية أخرى، كما أشار الرئيس فى لقاء الثلاثاء الماضى.
هل هناك عوائد مباشرة سوف يشعر بها المواطن بعد تطبيق نظام التسجيل المسبق وتطوير المنظومة الجمركية؟!
أجاب وزير المالية: بالتأكيد سوف يحدث اختلاف جوهرى فى نظام الاستيراد، وبمرور الوقت، وانتهاء مخزون السلع الحالى الذى تم استيراده قبل تطبيق المنظومة؛ لن تكون هناك سلع «رديئة» فى الأسواق المصرية التى كانت تأتى ضمن الحاويات المملوءة بسلع الأرصفة الصينية أو غيرها من الدول التى نستورد منها.
وأضاف: للأسف كان بعض المستوردين يلجأون إلى استيراد أصناف «رديئة» من الأحذية، والسلع الكهربائية، والسلع المنزلية بكل أنواعها، ويكون العمر الافتراضى لهذه السلع والمنتجات قصيرا جدا، بالإضافة إلى مخاطرها، وما يمكن أن تسببه من مشكلات، خاصة الأجهزة الكهربائية.
نظام التسجيل المسبق كفيل بضبط كل تلك المخالفات، حيث يضمن دخول السلع والمنتجات المستوردة على «السيستم» وتسجيل البيانات كاملة، وبعدها تقوم الأجهزة المعنية بالتأكد من صحة هذه البيانات، والمنشأ، وتاريخ الصنع، وتاريخ الانتهاء، ومعرفة ما إذا كانت هذه البضائع والسلع مسموحا بدخولها إلى مصر أم لا، والتأكد من الميناء الذى سوف يتم جلب البضائع منه، ليتم فى النهاية إعطاء الموافقة والرقم التعريفى المسمى اختصارا (ACID) ويعنى نظام المعلومات المسبق، أو رفض الشحنة قبل شحنها من الدولة القادمة منها.
فى حالة الموافقة على الشحنة يتم إرسال الموافقة قبل شحن البضائع، وإرسالها، ولا يتم الفحص فى الموانى المصرية إلا فى حالات محددة منها على سبيل المثال؛ التأكد من جودة العينات، أو سلامة المنتجات، ودون ذلك يتم إدخال الشحنات فورا، مادامت لها موافقة مسبقة.
ويشير د. محمد معيط إلى أن هذا النظام يضمن انتهاء عصر سلع «بير السلم»، فلن يتم إدخال أى سلعة إلا بعد التأكد من بلد المنشأ، والجهة المصنعة، وهل تخضع المصانع والمنشآت للمواصفات والمعايير، ولها أكواد دولية أم لا، وبالتالى لن تدخل سلعة واحدة دون أن تكون خاضعة لتلك المعايير. من هنا نضمن عدم دخول سلع فاسدة أو منتهية الصلاحية، أو سلع «الرصيف»، ومصانع «بير السلم»، وأيضا عدم إدخال مواد محظورة مثل المخدرات أو أى مواد مخالفة أخرى.
إلى جوار ذلك؛ لن يحدث تكدس فى الموانى، أو حجز أماكن دون داع، لأن الشحنات سوف يتم التعامل معها على الفور، وخلال مدة لن تتجاوز 72 ساعة أو أقل سوف يتم الإفراج عن الشحنات التى تم استيرادها.
سألته عن ردود فعل الشركات العالمية والمستوردين خلال الفترة التجريبية الماضية؟
أجاب وزير المالية: ردود الفعل أكثر من رائعة، والتجاوب كان كبيرا، وقد تم تسجيل أكثر من 18 ألف شركة أجنبية على المنظومة، وعدد كبير من الشركات المصرية والمستوردين لتأكدهم من جدية الدولة فى هذا المجال، وأنه سوف يتم التطبيق اعتبارا من شهر أكتوبر المقبل، ولا مجال للتراجع إطلاقا.
لكن هل المنافذ الجمركية جاهزة الآن للتطبيق؟
أجاب د. محمد معيط: المنافذ الجمركية بأشكالها المتعددة (برا وبحرا وجوا) جاهزة تماما، وتم استحداث نظام المراكز اللوجستية، وهناك العديد من المزايا التحفيزية لتشجيع مجتمع رجال الأعمال على الانضمام إلى المنظومة الجديدة، بالإضافة إلى تدريب العناصر البشرية لتكون مؤهلة تماما لذلك، وتحديث البنية التحتية، وقد تم تنفيذ 24 ألف معاملة خلال الفترة التجريبية دون أى عوائق أو مشكلات فى التطبيق، مشيرا إلى تقديم وزارة المالية كل أوجه الدعم الفنى للمستوردين، والمستخلصين الجمركيين، وأصحاب التوكيلات الملاحية، وعقد اجتماعات أسبوعية يومى الإثنين والخميس للرد على كل الاستفسارات، ومساعدتهم من خلال الدعم الفنى اللازم.
قلت: وماذا عن منظومة الضرائب وتطويرها، وإلى أين وصلت الفاتورة الإلكترونية؟
أجاب د. محمد معيط وزير المالية: قطعنا خطوات هائلة فى هذا المجال، حيث تمت إعادة هيكلة مصلحة الضرائب، وتوحيد الضرائب على الدخل مع الضرائب على المبيعات فى إطار مصلحة الضرائب المصرية، وتم دمج المأموريات خلال الشهر الحالى، وأصبح هناك ما يعرف بـ«المأمورية المدمجة»، بحيث يكون هناك رقم تعريفى واحد للعميل الواحد مع المأمورية الواحدة المدمجة.
إلى جوار ذلك؛ هناك ميكنة كاملة للإجراءات، وتحديث وتطوير البنية التحتية لمأموريات الضرائب، وقد أرسلنا إلى جميع الممولين إخطارات بدمج الملفات، بحيث ينعكس ذلك على جودة الخدمة المقدمة للمجتمع الضريبى، ومنع الحلقات الوسيطة، فى إطار الخطة المتكاملة لميكنة النشاط الاقتصادى فى الدولة، والتحول الرقمى، والتى يدخل ضمنها نظام الفواتير الإلكترونية.
وأضاف: الفاتورة الإلكترونية تضمن العدالة الضريبية للممولين، بعيدا عن التقديرات الجزافية والعشوائية بعد أن انتهى ذلك إلى الأبد.
فى نظام الفاتورة الإلكترونية تتم المحاسبة طبقا لأسس عادلة وشفافة، فإذا كان «الممول» عليه ضرائب يدفعها، وإذا كان ممن لهم حق الاسترداد يسترد مستحقاته على الفور.
وماذا عن الاقتصاد الهامشى.. وكيف يخضع هو الآخر للضرائب تحقيقا لمبدأ العدالة الضريبية؟
أجاب وزير المالية: تطوير المنظومة الضريبية والجمركية، والتحول الرقمى، جميعها تصب فى مبدأ العدالة الضريبية، لأن كل الأعمال سوف تظهر إلى النور.
وأضاف: هناك نظام جديد سوف يتم تطبيقه خلال المرحلة المقبلة والمعروف بنظام (B-To-C)، ومن المتوقع استكماله خلال فترة تتراوح من عام إلى عامين، وبموجب هذا النظام سوف يتم تركيب جهاز لدى كل المحلات التى بلغ إجمالى ما تم حصره حتى الآن منها نحو 3 ملايين محل.
هذا الجهاز يرصد كل عمليات البيع والشراء لدى المحلات، لضمان العدالة الضريبية. وأشار إلى أن هناك نظامين: (B-To-C) يرصد تعامل الشركات والمحلات مع المستهلكين، والنظام الآخر (B-To-B)، يرصد تعامل الشركات مع الشركات، وبهذا نضمن دخول جميع الأنشطة الاقتصادية تحت مظلة الدولة والاقتصاد الرسمى بعد تحقيق معايير الشفافية والإفصاح فى كل عمليات البيع والشراء، والاستيراد والتصدير، والأراضى والعقارات، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية.
وأضاف قائلا: لقد بدأنا فى يناير الماضى، ومن المتوقع أن نصل إلى النهاية فى منتصف العام المقبل، وذلك فى مشروعات الفاتورة الإلكترونية، والإيصالات الإلكترونية، وميكنة جميع الإجراءات الضريبية، وبعدها يتم الانتهاء من نظامى (B-To-B)، و(B-To-C) خلال العامين المقبلين لتكون مختلف الأنشطة الاقتصادية تعمل فى النور وطبقا لقواعد العدالة والشفافية، التى سوف تنعكس بالإيجاب على المستهدفات من الضرائب والجمارك، وزيادتها بما ينعكس بدوره على تحسين خدمات الصحة والتعليم والإسكان، وحياة المواطنين بشكل عام، إلى جوار تحقيق مبادئ العدالة والشفافية على الجميع، دون تحيز لمصلحة مجموعة على أخرى، بما يؤدى إلى المزيد من تكافؤ الفرص، ودعم وتقوية الاقتصاد الوطنى.
انتهى حديث وزير المالية د. محمد معيط، ويبقى القول إن ما يحدث من ثورة فى منظومة الضرائب والجمارك سوف يكون له انعكاساته الإيجابية ليتبوأ الاقتصاد المصرى مكانته اللائقة به خلال المرحلة المقبلة، بعد أن نجح فى عبور خطة الإصلاح الاقتصادى بنجاح، واجتياز تحدى جائحة كورونا خلال المرحلة الماضية بكفاءة واقتدار شهدت لها المنظمات العالمية المتخصصة.
كل هذا سوف يكون قوة دفع إضافية للدخول بقوة إلى الإصلاح الهيكلى فى الاقتصاد لتصبح مصر نمرا اقتصاديا متميزا فى الشرق الأوسط وإفريقيا خلال المرحلة المقبلة إن شاء الله.