الحرب على «التعديات» بعد انتهاء «العشوائيات»!

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

فى طريقه إلى موقع احتفال افتتاح مشروعات الإسكان البديل للمناطق غير الآمنة بمشروع حدائق أكتوبر الواقع على مدخل مدينة السادس من أكتوبر من طريق الواحات فى الأسبوع الماضى لمح الرئيس عبدالفتاح السيسى حجما ضخما من المبانى المقامة بشكل غير مخطط وغير صحى على جانبى الطريق الدائرى.

هذه المشاهد «الصعبة» جعلت الرئيس يدق جرس الإنذار ويطالب بضرورة إيقاف التعديات والبناء غير المخطط، مشددا على مسئولية ووعى المواطن باعتباره أهم عنصر لإنهاء ملف البناء غير المخطط على الأراضى الزراعية.

لا شك أن التعديات على الأراضى الزراعية كانت هى المدخل الرئيسى لإقامة العديد من المناطق العشوائية فى المدن والريف، لأن العشوائيات تبدأ دائما بالبناء غير المخطط على الأراضى الزراعية أو غيرها.

 

بنظرة بسيطة على المناطق العشوائية نجد أن معظمها كان أراضى زراعية مثل عزبة الهجانة وإمبابة وعين شمس وجانبى الطريق الدائرى وغيرها من المناطق.

 

رويدا رويدا زحف العمران ليلتهم الأراضى الزراعية قطعة وراء قطعة فى تلك المناطق ويحولها إلى كتل أسمنتية متلاصقة وعشوائية وغير مخططة.

 

تجار الأراضى لم يتركوا سنتيمترا واحدا إلا و«باعوه» سعيا وراء المزيد من المكاسب البعيدة عن الضرائب ومراقبة الدولة، والنتيجة أن الشوارع كانت هى الاستثناء، «وتراصت» البيوت بشكل عشوائى منع «الشمس» من الدخول إلى هذه المناطق، وحولها إلى مناطق غير صحية وغير آمنة لكل من يسكن فيها.

 

تكدس السكان فى الوادى والدلتا منذ قديم الأزل فيما لا يزيد على 7٪ من مساحة مصر جعل هذه المناطق هى الأكثر عرضة للتعديات والنمو العشوائى رغم وجود أكثر من 90٪ من مساحة مصر فراغا يبحث عمن يسكنه أو يعمره.

 

نتج عن ذلك التكدس (السكنى والاقتصادى) تدمير أجود الأراضى الزراعية التى ترتفع فيها إنتاجية الفدان إلى أضعاف إنتاجية الأراضى الصحراوية، وتدمير شبكة ضخمة للبنية التحتية الزراعية المتمثلة فى شبكة عملاقة من الترع والمصارف أقيمت على مدار مئات السنين، بالإضافة إلى تدمير شبكة هائلة للصرف الزراعى.

 

أى أن الكارثة كانت مزدوجة تمثلت فى تدمير أجود الأراضى الزراعية بما عليها من بنية تحتية زراعية من ناحية إلى جوار إقامة العديد من المناطق العشوائية غير المخططة وغير الآمنة من ناحية أخرى، وهى المناطق التى لم تصمد طويلا وأصبحت تمثل خطورة داهمة استدعت التدخل والإزالة، بالإضافة إلى تطوير المناطق غير المخططة وهو الأمر الذى من المقرر أن تصل تكاليفه إلى ما يقرب من تريليون و400 مليار جنيه فى الريف والحضر.

 

رغم ضخامة التكاليف إلا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أصر على مواجهة تلك الأزمة حتى لا تتكرر كوارث انهيار المساكن على رءوس المواطنين كما حدث فى الدويقة والمناطق العشوائية قبل ذلك.

 

الأولوية كانت للمناطق غير الآمنة فى القاهرة والإسكندرية والمحافظات، وحظيت محافظة القاهرة وحدها بأكثر من 16 مليار جنيه فى عدة مشروعات مثل الأسمرات 1و2و3، وأهالينا 1و2و3 وروضة السيدة زينب 1و2 والمحروسة، بالإضافة إلى مشروعات مصنع 18 الحربى، وأرض العمدة، وأرض المسبك وغيرها.

 

أوشكت الدولة الآن على الانتهاء من العشوائيات «غير الآمنة»، وبنهاية هذا العام سوف يتم الإعلان عن «مصر خالية من العشوائيات غير الآمنة» بعد تسكين أهالى ماسبيرو فى مساكنهم الجديدة التى يجرى الانتهاء من استكمال أعمالها الآن.

 

إلى جوار العشوائيات «غير الآمنة» هناك المناطق غير المخططة فى المدن، وكذلك عشوائيات القرى والمناطق غير المخططة بها.

 

تطوير الريف ومبادرة حياة كريمة مسار مختلف عن مسار تطوير المناطق غير الآمنة وغير المخططة فى المدن، وكل مسار من هذين المسارين يتكلف فى حدود الـ 700 مليار جنيه ليكون ذلك هو الإنفاق الأعلى والأضخم فى تاريخ الدولة المصرية على تطوير المناطق السكنية العشوائية وغير المخططة فى الريف والحضر على السواء.

 

نجح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تدبير الموارد اللازمة للتطوير فى الريف والحضر رغم صعوبة ذلك ـ ونجحت الدولة فى الانتصار على العشوائيات بعد أن أنهت كارثة المناطق غير الآمنة، وجار العمل فى المناطق غير المخططة إلى جوار البدء فى المشروع العملاق لتطوير قرى الريف المصرى الذى من المقرر الانتهاء منه خلال 3 سنوات طبقا لتوجيهات الرئيس فى هذا الصدد.

 

للوقوف على معدلات الإنجاز فى مشروع تطوير المناطق العشوائية غير الآمنة وغير المخططة سألت اللواء خالد صديق رئيس صندوق التنمية الحضرية عن أسباب تغيير اسم صندوق تطوير العشوائيات إلى صندوق التنمية الحضرية، وهل معنى ذلك انتهاء العشوائيات؟

 

أجاب: تغيير اسم صندوق تطوير العشوائيات جاء فى إطار إستراتيجية الدولة للتوسع فى مفهوم تطوير المناطق العشوائية وتنميتها الحضرية، فالعشوائيات جزء أساسى من عمل الصندوق، لكنه يمتد أيضا إلى كل ما يتعلق بالتنمية الحضرية فى المدن سواء كانت متعلقة بالمناطق الأثرية والتاريخية أو تطوير عواصم المدن، وكذلك تطوير الأسواق وكل ما يتعلق بالتنمية الحضرية.

 

وأضاف: فى ديسمبر المقبل سوف يتم الانتهاء من تسكين كل سكان المناطق غير الآمنة، حيث تم الانتهاء من كل المناطق فى القاهرة والمحافظات ولا يتبقى سوى 3 مناطق جار العمل فى التشطيبات النهائية لها وهى منطقة عزبة خير الله التى تم الانتهاء من 95% من أعمالها، ومنطقة حلايب وشلاتين التى تم الانتهاء من 100% من أعمال المبانى، و60% من أعمال المرافق، والمنطقة الثالثة هى منطقة مثلث ماسبيرو التى يجرى العمل فى أعمال التشطيبات بها، ومن والمقرر الانتهاء من تلك الأعمال فى نهاية العام الحالى.

 

سألته عن الأربع عمارات التى لا تزال موجودة فى مثلث ماسبيرو المطلة على شارع 26 يوليو ولماذا تأخرت أعمال إزالتها حتى الآن؟!

 

أجاب اللواء خالد صديق: العمارات الأربع كانت تحتاج إلى قرارات خاصة بالأماكن التراثية وهل تقع ضمن هذه الأماكن أم لا ؟ وصدرت القرارات الخاصة بها التى أكدت أنها ليست ضمن الأماكن التراثية، وجار العمل على تنفيذ إزالتها لينتهى العمل فى تلك المنطقة كمرحلة أولى تستتبعها مرحلتان ثانية وثالثة لتطوير تلك المنطقة بالكامل.

 

يستفيد من مشروع مثلث ماسبيرو نحو 1000 أسرة وجار العمل لتجهيز الشقق الخاصة بهم تمهيدًا لنقلهم إليها فور انتهاء أعمال تلك التجهيزات .

 

سألته: هل يقتصر عمل صندوق التنمية الحضارية على المدن فقط؟!

 

أجاب اللواء خالد صديق، رئيس الصندوق قائلًا: صندوق التنمية الحضرية يختص بنحو 227 مدينة مقامة على مساحة 417 ألف فدان ، منها 160 ألف فدان تحتاج إلى تطوير وتنمية بواقع 40% من هذه المدن.

 

التطوير يشمل البنية التحتية من مياه وكهرباء وصرف وطرق ومدارس ومستشفيات بتكلفة تصل إلى 318 مليار جنيه إلى جوار ما حدث من تطوير للمناطق غير الآمنة فى تلك المدن بتكلفة 40 مليار جنيه.

 

انتهى العمل فى 56 منطقة بمسطح نحو 4600 فدان، وجار العمل فى 79 منطقة جديدة بمسطح يصل إلى 6900 فدان، ومن المقرر الانتهاء من تلك الأعمال فى منتصف العام المقبل.

 

الخطة الموضوعة للانتهاء من كل أعمال تطوير المدن الرئيسية تنتهى ضمن خطة 2020/2030، وتستهدف إقامة 500 ألف وحدة سكنية جديدة بتكلفة 350 مليار جنيه لكل الشرائح، بالاضافة إلى تطوير عواصم المدن، وكذلك الانتهاء من الأماكن التراثية، والقاهرة الخديوية، وحدائق الفسطاط، لتصل تكلفة التطوير والتنمية فى المدن والحضر إلى ما يقرب من 700 مليار جنيه.

 

سألته: وهل تدخل الأسواق العشوائية الموجودة فى معظم المدن ضمن خطط التطوير والتنمية؟

 

أجاب اللواء خالد صديق : هناك 1105 أسواق عشوائية تم رصدها على مستوى المدن المصرية، تضم 306 آلاف وحدة نشاط اقتصادى متنوع وهذه الأسواق تدخل ضمن خطط التطوير بتكلفة 44 مليار جنيه فى إطار خطة 20/30، لتكون الدولة قد نجحت فى المخطط الكامل للانتهاء من العشوائيات والمناطق غير المخططة فى كل ربوع المدن المصرية إلى جوار مشروع القرن لتطوير القرى المصرية، والذى من المقرر الانتهاء منه خلال الـ 3 سنوات المقبلة، وبذلك تصبح مصر بلا عشوائيات أو مناطق غير مخططة فى طول مصر وعرضها (الريف والحضر على السواء).

 

انتهى كلام اللواء خالد صديق رئيس صندوق التنمية الحضرية الذى يؤكد نجاح الدولة فى الانتصار فى معركة العشوائيات والمناطق غير المخططة، لكن تبقى أزمة التعديات على الأراضى الزراعية التى تحتاج إلى وعى «مجتمعي» شامل لوقف تلك الكارثة والتى تعتبر الثغرة القاتلة لولادة أى عشوائيات جديدة إذا استمرت ولم يتم وقفها.

 

هزيمة التعديات على الأراضى الزراعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمواطنين فى الوقوف بالمرصاد ضد كل أشكال التعديات على الأراضى الزراعية من تبوير، أو بناء مخالف، أو أى شكل من اشكال التعديات التى تحولت إلى إدمان لدى فئة من المواطنين والتجار والسماسرة.

 

علاج إدمان التعديات يحتاج إلى التوعية أولاً ثم المواجهة ثانياً خاصة بعد أن قامت الدولة بتوفير البدائل من المساكن فى كل محافظات مصر لكل الراغبين فى توفير السكن المناسب.

Back to Top