من مبادرة «تطوير القرى» إلى «إلغاء الطوارئ»

من مبادرة «تطوير القرى» إلى «إلغاء الطوارئ»

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

هل هناك علاقة بين إطلاق مبادرة «تطوير القرى المصرية» ــ التى يسكنها أكثر من نصف سكان مصر، والتى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يوليو الماضى باستاد القاهرة ــ و«إلغاء حالة الطوارئ» يوم الأربعاء الماضى، بعد 4سنوات من فرضها، إثر هجومين داميين استهدفا كنيستين قبطيتين فى طنطا، والإسكندرية؟‬

قد تبدو العلاقة بعيدة، لأن مبادرة «تطوير القرى» مبادرة اقتصادية، اجتماعية، تنموية، فى حين أن «حالة الطوارئ» تستهدف الأوضاع الأمنية، واستقرار الدولة.

الحقيقة أن هناك علاقة مؤكدة بين الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والأوضاع الأمنية، ومدى استقرار الدولة، وقوتها، وتماسكها.

لولا قوة الدولة، واستقرارها، ونجاحها فى مواجهة «قوى الشر» ــ التى كانت تستهدف زعزعة استقرار الدولة، وهدم كياناتها ــ لما استطاعت الدولة أن تتحرك إلى الأمام، وتعيد بناء اقتصادها، وتخطو تلك الخطوات الهائلة، التى حدثت خلال السنوات الست الماضية.

 

نجاح الدولة فى مواجهة الإرهاب، وقطع دابره، كان الخطوة الأساسية لكل النجاحات التى جاءت، بعد ذلك، فى المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية.

 

كانت البداية صعبة، ومعقدة، لتشابك الانهيار الاقتصادى مع الانهيار الأمنى، ففى الوقت الذى وصلت فيه الأوضاع الاقتصادية إلى «الحضيض» ــ بعد انهيار خدمات الكهرباء، والغاز، وظهور طوابير الخبز، وأنابيب البوتاجاز، واختفاء السلع من الأسواق ــ كانت الأوضاع الأمنية، أيضا، فى أسوأ أحوالها، بعد تنامى العمليات الإرهابية، وانتشارها فى سيناء، وكل الأراضى المصرية، وكان المخطط الأسود يستهدف إقامة «ولاية داعش» فى سيناء، بعد عزلها, وقطع اتصالها بالوطن الأم.

 

كان المجهود شاقا، وعظيما، وكانت البداية بتثبيت أركان مؤسسات الدولة المصرية، وتقويتها، ومنعها من الانهيار، والبدء بالمواجهة الشاملة للإرهاب فى سيناء، وكل شبر من ربوع الدولة المصرية.

 

صمدت قوات الجيش، ومعها الشرطة، فى مواجهة الإرهاب الأسود، ولم يَفت فى عضدهم سقوط شهداء أبطال من بينهم، بل زادهم ذلك قوة، وإصرارا على استكمال مسيرة دحر الإرهاب، وبالفعل، نجحت قوات الجيش، والشرطة فى محاصرة الإرهابيين, وتدمير حصونهم, ووقعوا بين قتلى وأسرى، ولم يعد منهم على قيد الحياة سوى بعض «الذئاب المنفردة»، الفارة، والمذعورة، التى تنتظر مصيرها المحتوم.

 

كانت «العملية الشاملة» هى «الضربة القاضية»، التى ألحقت الهزيمة النهائية بالإرهابيين، وجففت منابعهم، وقطعت أوصالهم، وأنهت أحلامهم «الشريرة»، وأوهامهم «الكاذبة»، وعادت سيناء، بعدها، آمنة، مستقرة، وانتشر الأمن، والأمان فى كل شبر من أراضى الدولة المصرية.

 

على الجانب المقابل، لم «تركن» الدولة المصرية إلى مواجهة الإرهاب الأسود وكفى، رغم أهمية ذلك، وضرورته، بل عملت، بكل قوة، على المسار الموازى (الإصلاح الاقتصادى)، ونجحت فى تخطى أعنف أزمة اقتصادية تعرضت لها الدولة المصرية، والتى كادت تصل بها إلى إعلان «الإفلاس».

 

قاد الرئيس عبدالفتاح السيسى مرحلة «إصلاح اقتصادى» شاق، بدأت بتحرير سعر الصرف، ومنه إلى إطلاق العديد من المشروعات القومية، العملاقة، فى كل المجالات الاقتصادية، والتنموية.

نجحت الدولة فى مواجهة التحدى الاقتصادى، رغم جائحة «كورونا»، التى كان لها تأثير مدمر على اقتصادات دول العالم المختلفة، ولم ينج منها أى اقتصاد عالمى، سواء كان هذا الاقتصاد قويا،أو ضعيفا، وسجلت اقتصادات معظم دول العالم نموا بالسالب.

فى تلك الظروف الصعبة، حافظ الاقتصاد المصرى على نموه الإيجابى، ضمن مجموعة صغيرة من الدول، التى نجحت فى ذلك، وهو ما دعا مؤسسات التصنيف الائتمانى إلى تثبيت التصنيف الائتمانى لمصر، والإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للمرة الرابعة، على التوالى، منذ بدء جائحة «كورونا».

ثقة مؤسسات التصنيف الدولية تعد شهادة إضافية لصلابة، وتنوع الاقتصاد المصرى، وتعكس التزام الحكومة بمسار مستدام للإصلاح الاقتصادى.

مؤسسة «إستاندرد آند بورز» أشادت فى تقريرها، الأسبوع الماضى، بقوة، ومرونة السياسات الاقتصادية، التى وضعتها الحكومة المصرية للتعامل مع جائحة «كورونا»، والتى صاحبها استكمال تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والمالية، والهيكلية، مما ساعد على ارتفاع رصيد الاحتياطى من النقد الأجنبى، وتوفير قاعدة تمويل محلية قوية، على نحو أدى إلى توسيع قاعدة الإيرادات، وتحسين القدرة التنافسية للصادرات.

هذه المسارات الاقتصادية، والأمنية، الناجحة،أسهمت بقوة فى قيام الرئيس عبدالفتاح السيسى بإصدار قراره التاريخى الأسبوع الماضى، وتحديدا يوم الأربعاء، بعد انتهاء حفل تخريج دفعة جديدة من الكليات العسكرية، «إنهاء حالة الطوارئ»، التى ظلت مفروضة طوال السنوات الأربع الماضية.

 

فى يوليو الماضى، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى تدشين إعلان «الجمهورية الجديدة» فى استاد القاهرة، من خلال إطلاق مبادرة «تطوير القرى المصرية»، مشيرا إلى «أن الجمهورية المصرية الجديدة قائمة بثبات، ورسوخ، على مفهوم الدولة الديمقراطية، المدنية، الحديثة، التى تملك القدرات الشاملة عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، وتُعلى مفهوم المواطنة، وقبول الآخر، وتسعى لتحقيق السلام، والاستقرار، والتنمية، وتتطلع إلى تنمية سياسية تحقق حيوية للمجتمع المصرى، قائمة على ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية».

«إلغاء الطوارئ» يسهم فى تحقيق التنمية السياسية، ويرسخ مفاهيم العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، بعيدا عن الإجراءات الاستثنائية، التى تفرضها حالة الطوارئ.

المثير للانتباه أن «إلغاء حالة الطوارئ» جاء ضمن احتفالات مصر بالذكرى الــ «٤٨» لنصر أكتوبر العظيم، فى إطار مرحلة «العبور الثانى» للدولة المصرية إلى «الجمهورية الجديدة»، التى يتحقق فيها حلم إقامة الدولة المدنية، العصرية، الحديثة، التى تليق بمصر، وشعبها، وقيادتها.

Back to Top