قتلة عثمان وعلى والمسيحيين!

بقلم : عبدالمحسن سلامة

كان سيدنا عثمان بن عفان من أحب الصحابة إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم وتزوج أبنتى الرسول بعد أن توفيت الأولى فتزوج الثانية، وهو الذى بشره النبى بالجنة والمغفرة، لما قام به من أعمال رائعة وعظيمة لخدمة الدعوة الإسلامية فى مهدها، ومع ذلك أحتجزه الخوارج فى منزله، ودخلوا عليه ومنعوا عنه الماء قبل أن يقتلوه، وهو الذى اشترى بئر «رومة» فى المدينة ليشرب المسلمون منه، ثم قطعوا يديه وقتلوه.

نفس العقلية القاتلة والهمجية هى التى قتلت سيدنا على بن أبى طالب الذى أفتدى رسول الله بنفسه فى مواقف كثيرة، لكن ذلك لم يشفع له عند القاتل الفاجر عبدالرحمن بن ملجم الذى قتل سيدنا على رضى الله عنه اثناء خروجه لصلاة الفجر.

إذا رجعنا إلى الوراء قليلا نجدها نفس العقلية «المنحطة» التى حاولت قتل وصلب سيدنا عيسى عليه السلام رغم كل المعجزات التى آتى بها سيدنا عيسى منذ ولادته فهو الذى كان يشفى المرضى بإذن الله ويبصر الأعمى بإذن الله، وهو الرسول العظيم الذى أرسله الله لهداية الناس، ومع ذلك كان هناك مجموعة من القتلة «الفجرة» الغائبة عقولهم عن الوعى فحاصروه وعذبوه حتى النهاية.

هى نفس عقلية القاتل المأجور أنتحارى الكنيسة المرقسية محمود حسن مبارك الذى كان يعمل باحدى شركات البترول، وقام بتلغيم نفسه وذهب ليقتل أبرياء خرجوا للصلاة فى كنيستهم بالاسكندرية وليس لهم هدف سوى الصلاة والتقرب إلى الله، لكنه لم ينجح فى مهمته الخبيثة فقتل الضباط والجنود الأبرياء الذين يؤدون واجبهم بكل جد وانضباط ليختلط دم المسلمين بالمسيحيين.

بذات الطريقة وبكل الخسة والنذالة قام المجرم ممدوح أمين محمد بغدادى بتفجير كنيسة مارجرجس بطنطا ليقع العشرات من الضحايا الأبرياء اثناء تأدية صلواتهم خاشعين لله رب العالمين.

هذه هى عقلية المجرمين السفاحين على مر التاريخ، فعلوها مع سيدنا عيسى عليه السلام، وفعلوها مع سيدنا عثمان بن عفان، وسيدنا على ابن أبى طالب، وفعلوها فى احداث كثيرة ومتنوعة ثم كانت آخر جرائمهم البشعة ما حدث فى الكنيستين بطنطا والاسكندرية.

تلك العقلية تحتاج إلى ضرورة التصدى لها ومحاصرتها منذ نشأتها الأولي، فلا يجب الصمت عليها حتى تكبر وتنمو، لأنه فى تلك الحالة يصبح من الصعب السيطرة عليها، بل ربما يكون من المستحيل لان الذى يؤمن بقتل نفسه، وقتل الآخرين يستحيل أن يكون له علاج، أما قبل ذلك فان أمر إصلاحه قد يكون ممكنا، وهى البداية منذ النشأة فى المنزل والمدرسة والمسجد.

المصيبة الكبرى أننا نجد أن من بين الارهابيين من هم حاصلين على درجات البكالوريوس والليسانس، ومن هم فى مستويات مادية معقوله، كل هذا يؤكد أن الازمة هى أزمة «تربية» فى المنزل والمدرسة، ولابد ان تكون هناك إعادة صياغة لكل هذه المفردات، وفى القلب منها تجديد الخطاب الدينى لأن دور العلماء هو الأكثر أهمية فى هذا الشأن، فمن آتى هؤلاء القتلة بهذه الفتاوى الضالة، وهل كان مقتل سيدنا عثمان صحيحا؟ ومقتل سيدنا على صحيحا؟!

لابد أن يفتح العلماء هذا الجرح النازف وتطهيره من كل التخاريف والأباطيل، وإلا فإن الأمور يمكن أن تزداد تعقيدا وتأزما وتنال من المسلمين. وتسهم فى تشويه صورتهم أكثر مما عليه الآن.

أتمنى أن يقوم المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب الذى أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قراره أخيرا بوضع استراتيجية شاملة لاستئصال العنف والإرهاب من التربة المصرية ليقدم نموذجا يحتذى به لكل الدول العربية والإسلامية.

هذه الاستراتيجية تكون لها أبعاد سياسية واجتماعية ودينية وإعلامية واقتصادية وأمنية والبداية لابد أن تكون من المناهج التعليمية فى دور الحضانة والمدارس ثم كل المراحل التعليمية المختلفة. بحيث لا نجد بعد ذلك إرهابيا يحمل درجة الليسانس أو البكالوريوس أو حتى المؤهلات المتوسطة.

 

أيضا فإن الاستراتيجية لابد أن تتضمن رؤية حول تجديد الخطاب الدينى بالحوار مع مؤسسة الأزهر الشريف وشيخها العالم الجليل أحمد الطيب. ووزارة الأوقاف ووزيرها محمد مختار جمعة وليس من خلال إسلام بحيرى أو الشيخ ميزو، بحيث تكون هناك رؤية دينية مستنيرة لكل العلماء ولكل من يصعدون على المنابر تؤكد حرمة الدماء وتلفظ كل دعاوى العنف والإرهاب، ولن يتحقق ذلك إلا بالدورات التأهيلية الملزمة لكل العلماء كبيرهم وصغيرهم، وفتح أوسع حوار فى هذا الصدد لنصل فى النهاية إلى تنقية التراث الاسلامى من كل الشوائب والأباطيل.

أما الإعلام من صحف وإذاعات وتليفزيونات فهو الذى يجب أن يكون فى القلب من هذه الاستراتيجية، لأن الاعلام فى كل منزل، ودوره غاية فى الأهمية والخطورة لمحاصرة التطرف والإرهاب، وأعتقد أن دور الاعلام لابد أن يمتد إلى الدراما والأفلام، وأتمنى أن نشاهد مسلسلات هادفة وراقية يتم توظيفها لمحاربة التطرف والإرهاب، وليت الزعيم عادل إمام وغيره من الاسماء الكبيرة تشارك فى تلك الأعمال، وبدلا من أن يقدم محمد رمضان دور البلطجى والسفاح يقدم أعمالا كبيرة ومهمة تحارب الإرهاب والتطرف وتغفر له أدواره السابقة السيئة.

نحن الآن فى لحظة «فارقة» ومهمة فى تاريخ مصر، ولابد أن تكون هناك نهاية لتلك الأعمال الإرهابية الخسيسة، لأن الإرهاب حينما يتمكن من «رقبة» دولة ينهى هذه الدولة، وأمامنا وحولنا الصومال تلك الدولة التى ضاعت منذ عدة عقود ولن تعود، وكذلك ليبيا، والعراق، وسوريا، واليمن، ولذلك فلا بديل أمامنا سوى وحدة الصف والإصرار على اقتلاع الإرهاب من جذوره، ولكن ذلك لن يحدث بالتمنيات والنوايا، وإنما برؤية شاملة يتم تطبيقها الآن ومستقبلا.

لا نريد أن نشتعل حماسا لمجرد وقوع الحادث ثم نهدأ وننسى حتى يقع حادث جديد ـ لا قدر الله ـ وإنما نريد إستراتيجية حقيقية يتم تنفيذها بكل دقة حتى بعد استئصال الإرهاب إن شاء الله.

أخيرا أتمنى أن يكون المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب تحت رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى وأن تكون له صلاحيات عليا تتخطى حدود الوزارات. بحيث تكون قراراته ملزمة للجميع، وهذا هو السبيل الوحيد لنجاحه.

رابط المقال

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/588678.aspx

Back to Top