أحاديث الصباح والمساء من الجنوب إلى الشمال

أحاديث الصباح والمساء من الجنوب إلى الشمال

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

الزمان: صباح يوم الخميس الموافق 25 نوفمبر 2021

المكان: قريتا غرب أسوان والشهامة المتضررتان من السيول

الأحداث: مشاهد إنسانية مؤثرة لرئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى وهو يتفقد آثار السيول التى ضربت القريتين وأدت إلى تحويل الكثير من المنازل إلى أنقاض.

تبعثرت أحلام وطموحات الأهالى فى بيت يحميهم من غدر الزمان، وضاعت تحويشة عمرهم القليلة المتمثلة فى بعض الأثاث أو ما يطلقون عليه بلغة البسطاء «العفش»، وأخذت السيول معها مدخراتهم القليلة.

جهاز العرائس، وتحويشة العمر، وحوائط البيوت، كلها أشياء تبعثرت، وعادت أثرا بعد عين.

كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يتابع دقيقة بدقيقة ما يحدث على أرض أسوان الطيبة، وكان يتابع كل الإجراءات والخدمات والمساعدات الإنسانية والغذائية والطبية العاجلة.

تحركت قوافل الخير والدعم من كل الاتجاهات، وبدأت على الفور خطة عاجلة لمساندة المتضررين ماديا ومعنويا، وترميم المنازل المتضررة، وتوفير الشقق البديلة للبيوت المنهارة.

لم يكتف الرئيس عبدالفتاح السيسى بتلك التحركات التى واكبت الأزمة منذ وقوعها، وأصر على الذهاب بنفسه إلى هناك ليكون وسط الأهالى، ليرى الواقع، ويجلس مع المواطنين، يتحدث إليهم، ويسمع شكواهم دون وسيط أو تقارير.

كانت الأحاديث عذبة وصافية كعذوبة نهر النيل القادم من الجنوب، من هناك، أحاديث تخرج من القلب صادقة «وحنونة»، ليس فيها «افتعال»، أو «تزويق».

قال المواطنون بحريتهم، واستمع الرئيس إليهم، واستجاب لهم، وكانت المفاجأة السارة حينما أعلن توفير 500 شقة، مؤثثة بالكامل، وجاهزة للسكن فورا لكل أسرة فقدت منزلها من جراء السيول.

«أنت وش خير علينا كلنا».. هكذا عبر أحد أصحاب المنازل المتضررة بعد عودة الأمل إليهم مرة أخرى وزيارة الرئيس لهم.

فى «مضيفة» أحد الاهالى شرب الرئيس «الشاي» مع بعض الأهالى، وشرح لهم مبادرة حياة كريمة التى تستهدف الارتقاء بحياة المصريين فى كل قرى مصر من مياه شرب، وصرف صحى، وتعليم، ووحدات صحية، وطرق، وتكنولوجيا معلومات وغيرها.

حديث الرئيس فتح باب الأمل أمام الأهالى، ليطالبوه بإدراج قرى أسوان المتضررة ضمن المرحلة الأولى من مبادرة «حياة كريمة».

كان الرئيس كريما كعادته مع المواطنين، وعلى الفور كلف د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بإدخال قرى أسوان ضمن المرحلة الأولى.

لم يكتف الرئيس بتفقد قرية دون أخرى لكنه أصر على تفقد القريتين، والوقوف على حجم الإنجاز منذ وقوع الأزمة حتى الآن.

انتهت أحاديث الصباح وغادر الرئيس إلى حيث يكون المشهد الثانى فى المساء .

المشهد الثانى

الزمان : مساء ذات اليوم الخميس الموافق 25 نوفمبر 2021

المكان : طريق الكباش الذى يربط بين معبدى الأقصر والكرنك بطول 2700 متر، والذى يعتبر أقدم ممر وطريق تاريخى فى العالم.

بدأ الكشف عن طريق الكباش عام 1949، باتجاه معبد الأقصر ويعود تاريخه إلى عام 1600 ق.م. فى الدولة الحديثة فى عهد الأسرة 18، ونبعت فكرة طريق الكباش من الملكة حتشبسوت لإقامة طريق بين معبدى الأقصر والكرنك، وبدأت بإقامة 6 «مقاصير» فى الطريق بين المعبدين كاستراحة للمراكب المقدسة التى كانت تخرج من الكرنك إلى معبد الأقصر.

طوال 72 عاماً كان حلم الكشف عن «طريق الكباش» وإعادته إلى الحياة مرة أخرى مجرد حلم تعترضه العديد من الأزمات والمشكلات خاصة ما يتعلق بتعديات الأهالى الذين أقاموا مساكنهم فوق الطريق، وأقاموا معها المساجد والكنائس لتأكيد هذه التعديات.

ظلت الأحلام مؤجلة منذ عام 1949 حتى كانت البداية الحقيقية عام 2004 على يد د. سمير فرج حينما كان محافظاً للأقصر، الذى بدأ حينذاك رحلة الألف ميل، وبالفعل انطلقت خطط إزالة العشوائيات والتعديات، إلا أن كل الخطط توقفت مع انطلاق أحداث يناير 2011 للأسف الشديد.

عادت الأمور إلى المربع رقم واحد وكاد الحلم أن يضيع مرة أخرى حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى وأصدر توجيهاته للهيئة الهندسية فى عام 2017 لاستكمال أعمال إزالة التعديات خاصة منطقة نجع «أبوعصبة» وغيرها، والانتهاء من جميع التجهيزات لعودة طريق الكباش إلى الحياة مرة أخرى بعد 3700 سنة من إنشائه و72 عامًا من اكتشافه.

افتتاح طريق الكباش جاء فى إطار تطوير شامل لمدينة الأقصر أكبر متحف مفتوح على مستوى العالم، وإنتهاء أعمال تطوير وترميم معبد الأقصر، وهو المعبد المقام منذ أكثر من 4 آلاف عام، وبسبب الإهمال وعوامل التعرية ضاعت كثير من تفاصيله، ونجح علماء الآثار المصريون فى إظهار التفاصيل والألوان بجدران المعبد الأصلية.

كانت ليلة من ليالى مصر الساحرة التى أبهرت العالم، وأظهرت قدرة الأحفاد من المصريين على السير فى طريق عظمة الأجداد.

استطاع الأجداد إقامة حضارة عظيمة لاتزال تحوى الكثير والكثير من أسرار العظمة والخلود، ونجح الأحفاد فى الحفاظ على تفاصيل هذه الحضارة العظيمة، وإعادة اكتشافها، وتقديمها إلى العالم بما يليق بها من إجلال وإبهار وشموخ.

يبقى السؤال: ما هى أوجه التشابه بين مشاهد أحاديث الصباح فى القرى المنكوبة وأحاديث المساء فى إفتتاح طريق الكباش الذى أبهر العالم؟ وهل هناك علاقة فيما بينهما؟

المؤكد أن أوجه الربط كثيرة وترابط العلاقات بين أحاديث الصباح والمساء متعددة للأسباب الآتية:

أولا: لولا أحاديث الصباح ما كانت أحاديث المساء، بمعنى أن أحاديث الصباح والاهتمام ببناء الدولة المصرية الحديثة بكل مكوناتها هو المسلك الطبيعى الذى انتهجه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ 7 سنوات، لتتأكد مكانة مصر وقوتها من جديد.

انتشر التعمير فى كل مكان، وسار الإصلاح فى مسارات متوازية، وليست متقاطعة.

كانت البداية من العشوائيات وتطويرها فى طول مصر وعرضها لتنتهى وصمة العشوائيات الخطرة من جبين الدولة المصرية، فى القاهرة، والإسكندرية، وبورسعيد، وباقى المحافظات.

حتى العشوائيات غير الخطرة يجرى الآن على قدم وساق تطويرها، وإعادة صيانتها من جديد فى الريف والحضر على السواء، وكان مشروع تطوير القرى المصرية هو الأضخم فى تاريخ التنمية البشرية على مستوى العالم. بحجم استثمارات يصل إلى 700 مليار جنيه خلال 3 سنوات.

ثانيا: امتدت يد التغيير والتحديث إلى جميع قطاعات الدولة المصرية، حيث يجرى حاليًا مضاعفة مساحة المعمور فى مصر من 7 % إلى 14%، لأول مرة فى تاريخ الدولة المصرية منذ ما يقرب من 7 آلاف عام، ضمن خطط تشمل إقامة أكثر من 14 مدينة جديدة، وإضافة ما يقرب من 4 ملايين فدان للرقعة الزراعية ضمن عدة مراحل منها ما يتعلق بالريف المصرى الجديد، أو مشروع مستقبل مصر والدلتا الجديدة، وكذلك التوسعات الزراعية فى سيناء، وغيرها من المشروعات التى تدخل تباعا إلى الخدمة ضمن المخطط الإستراتيجى لذلك.

ثالثا: دارت عجلة الاقتصاد المصرى بعد «تعثر قاتل» كاد يؤدى إلى إفلاس الدولة المصرية بعد يناير 2011 وانطلق الاقتصاد الوطنى ليكسب ثقة العالم من جديد ويواجه جائحة كورونا، ويحافظ على ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية ليحتفظ بتصنيفه الائتمانى، ويسترد الاحتياطى الاستراتيجى مكانته بعد أن تجاوز أكثر من 40 مليار دولار رغم ظروف جائحة كورونا.

لكل هذه الأسباب وغيرها من التفاصيل التى يصعب سردها دفعة واحدة كان التوافق بين أحاديث الصباح والمساء، فالتقدم لغة واحدة، وليس أجزاء، وهو ما تسير عليه الجمهورية الجديدة فى كل مراحل تدشينها وصولا إلى الدولة العصرية المدنية الحديثة لتكون مصر درة العالم العربى وإفريقيا والشرق الأوسط.

أخيرا يبقى أن أحاديث الصباح والمساء جاءت هذه المرة من الجنوب، من منبع النيل، رمز الخير والعطاء والنماء لمصر والمصريين، وهى رسالة لها معنى ومغزى فى مثل هذا التوقيت ليصل صداها إلى كل أنحاء المعمورة.

Back to Top