المهمة العاجلة فى تجفيف منابع الفساد

المهمة العاجلة فى تجفيف منابع الفساد

منذ عامين وبالتحديد فى شهر يونيو 2019 استضافت مصر المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد فى شرم الشيخ الذى جاء متوافقا مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى وتتويجاً لجهود الدولة المصرية فى مكافحة الفساد.

غدا إن شاء الله تستضيف مصر مؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والذى يعقد خلال الفترة من 13 إلى 17 ديسمبر، وهو المؤتمر الدولى الأضخم الذى يستهدف مكافحة الفساد عالمياً، وتجفيف منابعه، والوقاية منه.

فى المنتدى الإفريقى لمكافحة الفساد قدمت مصر تجربتها فى هذا المجال إلى الدول الإفريقية حيث كانت مصر من الدول القليلة التى أطلقت إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد بمرحلتيها الأولى والثانية والتى تم إطلاق مرحلتها الأولى فى 9 ديسمبر عام 2014 فى اليوم العالمى لمكافحة الفساد تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى بمقر هيئة الرقابة الإدارية، ثم قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بإطلاق المرحلة الثانية من تلك الإستراتيجية (2019 إلى 2022) خلال المنتدى الإفريقى استكمالاً للمرحلة الأولى وتضمنت 9 أهداف رئيسية لاستكمال أهداف الإستراتيجية.

أهم تلك الأهداف تركزت فى الارتقاء بمستوى الأداء الحكومى، وتحسين جودة الخدمات الجماهيرية، واعتماد منظومة متكاملة لتبادل المعلومات بين الأجهزة الحكومية إلكترونيا، وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة فى جميع عناصر المنظومة الإدارية.

مؤتمر الغد سوف يكون فرصة لعرض التجربة المصرية وما حققته من نجاحات فى الإستراتيجية الوطنية بمرحلتيها الأولى والثانية أمام الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

 

 

ولأن مصر محل ثقة واهتمام من جميع الأطراف فإنه من المتوقع أن تشارك أكثر من 120 دولة، وأكثر من ألف شخص من دول العالم المختلفة فى مؤتمر شرم الشيخ، والذى سوف تترأسه مصر لمدة عامين، وهى المدة الدورية المقررة لانعقاده كل عامين.

المؤتمر سوف يقوم بمراجعة ما قامت به الدول الأعضاء فى تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة للحد من الفساد، وآليات التنفيذ، وسبل الوقاية وتجفيف منابع الفساد، وطرق تعزيز التعاون الدولى لمكافحة تلك الظاهرة.

أيضا يناقش المؤتمر خلال فترة انعقاده العديد من الموضوعات ذات الصلة مثل ما يتعلق بدور المرأة فى تعزيز النزاهة، والتحديات والفرص التى توفرها ميكنة الخدمات فى الحد من الفساد، ومبادرات استعادة الأموال المنهوبة، وجهود مكافحة الفساد فى إفريقيا، والمبادرة العالمية لجعل المدن أكثر مقاومة للفساد.

«ليست مهمة الرقابة الإدارية فقط هى الجرى وراء الفاسدين وتعقبهم والقبض عليهم فقط.. لكن مهمة الرقابة الأساسية أيضا الوقاية من الفساد قبل وقوعه، وتحصين المجتمع ضده»... هذه الجملة ركز عليها الوزير حسن عبدالشافى رئيس هيئة الرقابة الإدارية فى الندوة التثقيفية التى عقدتها الهيئة يوم الخميس الماضى بمناسبة اليوم العالمى لمكافحة الفساد، لأن الوقاية من الفساد، وتجفيف منابعه يمنع الجريمة قبل وقوعها، ويوفر الكثير من الجهد والوقت والتكاليف فى حالة وقوع جرائم الفساد.

كان التحدى الأساسى لمنع وقوع جرائم الفساد، والحد منها هو ضرورة ميكنة الخدمات، ومنع العلاقة المباشرة بين مقدم الخدمة ومتلقيها، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء أضخم منصة معلوماتية تشرف على تنفيذها هيئة الرقابة الإدارية للدولة المصرية، بهدف الوصول إلى تقديم الخدمة بأفضل جودة، وفى أسرع وقت، وغلق الباب كاملاً أمام حلقات الفساد بعد أن تم الفصل بين مقدم الخدمة والمتلقى لها.

خلال عامين سوف تنجح الدولة المصرية فى ميكنة 550 خدمة، وتحويلها إلى خدمات رقمية يتم تقديمها للمواطنين فى منازلهم ومكاتبهم بأعلى مستوى من الجودة بعيداً عن الاحتكاك بالموظفين فى السجل المدنى، وإدارات المرور، والشهر العقارى، والأحياء، وغيرها من مواقع العمل التى يضطر فيها المواطن إلى الاحتكاك بالموظف لقضاء مصالحه.

هذه هى النقلة «الجبارة» التى يحرص عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إطار تدشين الجمهورية الجديدة خاصة مع قرب الإعلان عن انتقال الحكومة إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

جزء أساسى من فكرة الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة هو تحديث وميكنة أعمال الجهاز الحكومى، خاصة بعد الانتهاء من منصة مصر المعلوماتية والتى تستهدف الحصول على «رضا» المواطنين بعد حصولهم على الخدمات التى يرغبون فيها فى أسرع وقت ممكن، وبإقل جهد، وتكلفة، وأعلى مستوى جودة.

تحديث الأداء، وتطوير العمل الحكومى لن يكون مقصوراً على العاصمة الإدارية الجديدة وحدها، لكنها سوف تكون القاطرة التى تقود باقى المدن والأحياء لجعل المدن أكثر مقاومة للفساد، وهو المبدأ العالمى المطروح على طاولة النقاش خلال مؤتمر شرم الشيخ غداً.

فى الندوة التثقيفية استعرض الوزير حسن عبدالشافى ما حققته مصر من نجاحات فى الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بمرحلتيها الأولى والثانية، مؤكدا نجاح مصر فى تحقيق أغلب الـ71 مادة من مواد الاتفاقية والوثائق الـ17 المتعلقة بها، مشيرا إلى أن نسب نجاح جهود تطبيق الإستراتيجية تتراوح بين 88% و92% فى المرحلتين الأولى والثانية، مما يعد مؤشرا قوياً على نجاح الدولة المصرية فى تحقيق أهداف الإستراتيجية، مما جعل مصر محل تقدير واحترام العالم، وموافقة المنظمة الدولية على استضافة مصر للمؤتمر الدولى الذى تبدأ أعماله غداً فى شرم الشيخ.

سألت د. غادة والى وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة عن التكلفة الاقتصادية للفساد العابر للحدود؟!

أجابت: يترتب على الفساد العابر للحدود تكلفة اقتصادية ضخمة حيث تشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة الفساد تبلغ أكثر من 3 تريليونات دولار سنويا، وهى تكلفة ضخمة تتسرب إلى حسابات المجرمين والفاسدين بدلاً من استثمارها فى التنمية والخدمات العامة.

وأشارت د. غادة والى وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن القارة الإفريقية للأسف الشديد تعتبر هى النموذج الأبرز فى هذا المجال رغم أنها الأكثر احتياجاً لاستغلال كل ثرواتها ومواردها، مشيرة إلى أن تكلفة الفساد السنوية فى إفريقيا تبلغ أكثر من 88مليار دولار سنويا، وهو ما يساوى إجمالى الدعم التنموى والاستثمار الأجنبى المباشر فى القارة السمراء، ويوازى 50% من العجز القائم لتمويل أهداف التنمية المستدامة.

سألت: ماذا عن الجهود الدولية والأممية لمكافحة الفساد على المستوى العالمى؟!

أجابت د.غادة والى: هناك إطار دولى شامل يتمثل فى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وهى الاتفاقية التى وقعت عليها 187 دولة، وبرغم وجود هذه الاتفاقية فإنه لايزال هناك استنزاف ضخم للموارد يحرم الشعوب من الاستفادة من ثرواتها وتحقيق طموحاتها المشروعة فى التنمية.

وأضافت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة قائلة: العام الحالى 2021 شهد عقد أول جلسة حول الفساد فى تاريخ الجمعية العامة للأمم المتحدة فى يونيو الماضى، وفيها اعتمدت الجمعية العامة إعلانًا سياسيًا يتضمن تعهد الدول الأعضاء بتكثيف الإجراءات لمكافحة الفساد وتعزيز التعاون الدولى.

وأكدت د.غادة والى أن مؤتمر شرم الشيخ الذى يبدأ أعماله غدًا يأتى فى إطار جهود المنظمة الدولية لتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويعتبر فرصة محورية لاستعراض الجهود التى قامت بها الدول الأعضاء فى هذا الإطار، ورؤيتهم المستقبلية فى مجال مكافحة الفساد.

سألت: هل هناك وسائل يمكن من خلالها تجفيف منابع الفساد على المستويين الوطنى والعالمي؟

أجابت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة: المشاركة المجتمعية هى خط الدفاع الأول، وذلك من خلال نشر مبادئ النزاهة والشفافية بين الأفراد والهيئات والمؤسسات، لضمان إيجاد مجتمعات قادرة على إحداث التغيير المجتمعى، وتحصين هذه المجتمعات ضد الفساد، والوقاية من كل أشكاله.

فى هذا الإطار، لابد من العمل على تمكين الشباب كشركاء أساسيين ضد الفساد، والترويج للنزاهة ورفض الفساد بكل السبل الممكنة بدءًا من البرامج والمناهج الدراسية، مرورًا بالرياضة والثقافة والفنون، وانتهاءً بالاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة، والميكنة والرقمنة للحد من الفساد والوقاية منه.

سألت: وماذا عن مؤتمر شرم الشيخ والمتوقع منه لمكافحة الفساد على المستوى الدولى؟

أجابت د.غادة والى: مؤتمر شرم الشيخ فرصة فريدة لوضع خارطة طريق دولية لمكافحة الفساد خلال الفترة المقبلة، حيث من المقرر أن يركز الإعلان السياسى الذى سوف يعتمده المؤتمر على كيفية التعامل مع الفساد فى إطار الأزمات، مثلما حدث فى جائحة (كورونا)، وكذلك متابعة الخطوات التى اتخذتها المنظمة الدولية للتصدى للفساد، وتفعيل التعاون الدولى فى هذا الإطار خاصة فيما يتعلق بدعم الأجهزة الرقابية الوطنية، وحماية قدرتها على ممارسة عملها باستقلالية وحرية تامة، وبما يتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان والعدالة والنزاهة والشفافية.

Back to Top