الجائزة التى مهدت الطريق للحرب فى إثيوبيا
الجائزة التى مهدت الطريق للحرب فى إثيوبيا
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
أفردت صحيفة الـ«نيويورك تايمز» الأمريكية تقريراً موسعا فى الأسبوع الماضى بعنوان «جائزة نوبل التى مهدت الطريق للحرب» استعرضت فيه بعض وقائع الفظائع التى يرتكبها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد ضد شعبه فى مناطق التيجراى، وأكد التقرير أن آبى أحمد هو الذى اختار طريق الحرب فى أعقاب حصوله على جائزة نوبل عام 2019، وتلك هى المفاجأة التى حاولت الصحيفة الكشف عنها.
بدأ تخطيط رئيس الوزراء الإثيوبى للحرب بالاتفاق مع إريتريا، وإنهاء العداوة مع الرئيس الإريترى أسياسى أفورقى، فى مقابل التعاون معاً ضد خصومهما المشتركين فى «تيجراى».
خلف الأبواب المغلقة ناقش آبى أحمد ومستشاروه مزايا الصراع فى القضاء على خصومه إلى الأبد، وعلى الفور بدأ بتحريك القوات تجاه الإقليم، وأرسل طائرات شحن عسكرية إلى إريتريا، فى وقت كان فيه الكثير من دول الغرب قد وقعت فريسة «لخديعة» جائزة نوبل، مما جعله أكثر «غرورا» فى إمكان «الإفلات» من المحاسبة على نزواته العدوانية تجاه شعب تيجراى.
كان آبى أحمد يتوقع انتصارا سهلا وسريعا مدعوما بالتعاون الإريترى إلا أن أحلام رئيس الوزراء الإثيوبى تبخرت مع تصاعد أدخنة نيران المعارك بعد أن نجح مقاتلو الـ «تيجراى» فى الصمود، وتحويل الغزو الإثيوبى ــ الإريترى للإقليم إلى هزيمة ساحقة، وهجوم مضاد استولوا من خلاله على العديد من المدن حتى باتت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مهددة.
هنا سقط القناع المزيف لرئيس الوزراء الإثيوبى بعد أن ارتدى البدلة العسكرية ليشعل المزيد من النيران فى الحرب الأهلية «الضروس» الدائرة هناك الآن، ويساهم فى زيادة حملات الشحن والكراهية مما أدى إلى وقوع العديد من الفظائع والجرائم.
تقرير النيويورك تايمز جاء متزامنا مع انعقاد مجلس حقوق الإنسان لمناقشة الأوضاع فى إثيوبيا يوم الجمعة الماضى، والذى حذر من مخاطر انتشار العنف فى إثيوبيا، مشيرا إلى أن الوضع هناك يزداد سوءا، مما قد يكون له العديد من التأثيرات السلبية على المحيط الإقليمى كله وليس فى الداخل الإثيوبى فقط.
وقد حذرت ندى الناشف نائبة المفوض السامى لحقوق الإنسان فى الأمم المتحدة فى بداية جلسة مناقشات الوضع فى إثيوبيا التى دعا إليها الاتحاد الأوروبى من أن «خطر الكراهية والعنف والتمييز مرتفع جدًا، وقد يتصاعد إلى عنف عام»، مشيرة إلى «أن استمرار الوضع بهذا الشكل سوف تكون له تداعيات ضخمة على ملايين الأشخاص فى إثيوبيا، وفى كل أنحاء المنطقة».
حالة التخبط التى تعيشها إثيوبيا الآن جعلتها تلجأ إلى فرض أساليب قاسية على الحريات ووسائل الإعلام، واتخاذ إجراءات عنيفة ضد مراسلى الصحف ووكالات الأنباء المعتمدين هناك، وآخرها الصحفى «أمير أمان كيارو» مراسل وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية الذى تم اعتقاله بتهمة «الإرهاب»، مما جعل الوكالة الأمريكية تستنكر ذلك فى بيان رسمى لها، ووصفت ادعاءات إثيوبيا بأنها «محض ادعاءات لا أساس لها» ودعت الحكومة الإثيوبية إلى إطلاق سراحه فورًا.
حالة مراسل وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية ليست هى الحالة الوحيدة، وإنما هناك عشرات الحالات التى تم إلقاء القبض عليها، واحتجازها أو ترحيلها فى إطار سلسلة من التضييق على كل وسائل الصحافة والإعلام المحلية والدولية، للتعتيم على الأوضاع الداخلية المتردية، ومنع نقل ما يحدث من فظائع وانتهاكات هناك.
المشكلة الآن أن الشعب الإثيوبى أصبح يقع تحت وطأة ظروف قاسية وخيارات شديدة المرارة، أبرزها خطر الإبادة، نتيجة أعمال القتل المنتشرة الآن فى كل الأقاليم الإثيوبية أو المجاعة التى باتت تهدد أكثر من 9 ملايين إثيوبى أصبحوا يحتاجون إلى إعانات غذائية عاجلة بحسب ما أعلنه برنامج الأغذية العالمى.
كل التقارير تشير إلى حدوث مجازر وحملات إبادة جماعية فى العديد من المناطق، ووقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وازدياد معدلات الاغتصاب، والإيذاء الجنسى والبدنى، للأسرى والمعتقلين، وتورط الجيش الإثيوبى فى تلك الجرائم، مما جعل العديد من الأصوات الدولية تطالب بتحويل تلك الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية، لملاحقة المتهمين فيها، وتوقيع العقوبات اللازمة عليهم.
لكل ذلك، فقد تحركت وزارة الخارجية الأمريكية وأعلنت يوم الإثنين الماضى فى بيان لها نشرته عبر موقعها الإلكترونى إنها تتابع بقلق بالغ التقارير التى تشير إلى ارتكاب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان فى منطقتى أمهرة وعفر فى إثيوبيا، ووقوع أعمال وحشية، وتدمير للبنى التحتية.
طالبت وزارة الخارجية الأمريكية فى البيان بضرورة وقف العنف ضد المدنيين، وطالبت بالتحقيق فى تلك الجرائم للوقوف على مدى صحتها، والالتزام بتحقيقات شفافة وشاملة لمحاسبة كل الأطراف المسئولة.
على الجانب الآخر، فقد أوقعت الحرب الأهلية فى إثيوبيا خسائر جسيمة فى الاقتصاد الإثيوبى، ولم تعد إثيوبيا تصلح للاستثمار فى الوقت الحالى، أو المستقبلى بعدما أصبح الوضع السياسى فيها فى منتهى «الهشاشة» طبقا لتقرير وكالة «رويترز» العالمية للأنباء.
الوكالة أشارت إلى انخفاض قيمة العملة إلى أدنى مستوياتها، وتجاوز نسبة التضخم السنوى أكثر من 35٪.
أيضا أشارت الوكالة إلى هروب المستثمرين بعد تحذيرات سفارات الدول الأجنبية رعاياها بضرورة مغادرتهم الأراضى الإثيوبية، وكذلك نتيجة لغياب المعلومات، وعدم وجود آفق لحل المشكلات الحالية.
أما صندوق النقد الدولى، فقد توقع استمرار انخفاض معدلات نمو الاقتصاد الإثيوبى فى العام الحالى، بما لا يزيد على 2 ٪، فى حين أشار الصندوق إلى أنه من الصعب توقع معدلات النمو فى الأعوام المقبلة بسبب ما يعترى الاقتصاد الإثيوبى من «الضبابية القاتلة»، مما يصعب معه التنبؤ بالأوضاع الاقتصادية فى السنوات المقبلة.
ارتفعت أسعار السلع الأساسية بما يزيد على 100٪، وأغلقت العديد من الشركات أبوابها، خاصة تلك الشركات التى لها فروع فى مناطق القتال، أو التى كانت تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية والتى كانت تعطى أفضلية لتلك الشركات، وتمنحها إعفاءات جمركية فى الأسواق الأمريكية.
كل ذلك أدى إلى انهيار الاحتياطيات النقدية الأجنبية، حتى وصلت إلى 2.4 مليار دولار فقط، وهو ما يكفى لتغطية الواردات الإثيوبية الضئيلة لمدة تقل عن شهرين فقط، أى أقل من حد الثلاثة أشهر المتعارف عليها كحد أدنى لتوفير الحماية الكافية للشعوب.
تلك هى الأوضاع المأساوية التى يعيشها الشعب الإثيوبى الآن بسبب المغامرات الفاشلة، والقرارات غير المدروسة، والميل إلى تأجيج الصراعات الداخلية والإقليمية.
أتمنى أن يعاود آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى التفكير مرة أخرى وينزع إلى السلام داخليا وخارجياً لكى يهنأ الشعب الإثيوبى بالسلام والأمان، ويصبح قادراً على أن يكون شريكا مع مصر والسودان ليعود الهدوء والاستقرار إلى دول حوض وادى النيل، ويتحول نهر النيل إلى شريان للحياة والازدهار بعيداً عن القلاقل والاضطرابات والفتن.