سباق الزمن بين التجربة «المصرية» والطريقة «الألمانية»
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
فى بداية مشوارى الصحفى قرأت خبرًا صغيرًا فى الصفحة الخارجية فى صحيفة «الأهرام» عن قيام بلدية برلين بإزالة عدة منازل من شارع رئيسى، بغرض توسعة الشارع لكى يستوعب حركة المرور المتوقعة بعد عشر سنوات.
وقتها تمنيت وحلمت أن يحدث ذلك فى مصر، وأن ننتقل من سياسة «المسكنات»، ومنطق «إطفاء الحرائق» إلى مرحلة متقدمة وأسلوب جديد نسابق به الزمن، وتتحرك الحكومة بمعدل أعلى من معدلات المشكلات الموجودة.
للأسف الشديد ظلت سياسات الحكومات المتعاقبة منذ عدة عقود طويلة تسير بمنطق «إطفاء الحرائق»، بمعنى أن التدخل الحكومى لم يكن ليحدث إلا بعد وقوع الأزمات، بحيث لا يتم التفكير فى توسعة شارع ما إلا بعد إصابته بالشلل الكامل، والأخطر هو طريقة المعالجة التى كانت تقتصر على حلول موضعية مؤقتة، من خلال إنشاء كوبرى أو نفق أو طريق بديل يساعد فقط فى التخفيف من تلك الأزمة القاتلة.
كان زمن تنفيذ ذلك الحل يستغرق عدة سنوات، وبالتالى حينما يتم افتتاحه وتشغيله تقل فعالية تأثيره وبالتالى لا تؤتى المردود الإيجابى المتوقع .
هكذا ظلت الحكومات المتعاقبة تراوح مكانها، وتلجأ إلى المسكنات، والعمل بأسلوب إطفاء الحرائق، مفتقدة فى ذلك بعد النظر، وضرورة مسابقة الزمن، للتغلب على الأزمات السائدة أو تلك الأزمات المتوقعة بعد سنوات.
منذ ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى تغير ذلك المفهوم تمامًا، ولم تعد الحكومة تعمل بنظام رجل المطافئ، وإنما حدث تغيير جوهرى، يتماشى مع الطريقة الألمانية، والدول الأخرى المتقدمة التى سبقتنا فى هذا المجال.
على سبيل المثال لا الحصر، فقد حفرت الحكومات المصرية السابقة نفقا وحيدا أسفل قناة السويس، هو نفق الشهيد «أحمد حمدي»، الذى استغرق العمل فيه عشر سنوات كاملة، فى حين أن طريقة التفكير اختلفت فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفى أقل من خمس سنوات تم حفر 5 انفاق كاملة، وتم افتتاحها ودخلت حيز التشغيل بالفعل، بما يعنى إنشاء نفق كل عام، وليس فى عشرة أعوام، ليصبح لدى مصر الآن ستة أنفاق كاملة تستوعب حركة المرور والكثافة المتوقعة، لمدة تزيد على العشرين عامًا المقبلة إن شاء الله.
كان من الممكن الاكتفاء بنفق إضافى أو نفقين، لكن طريقة التفكير أصبحت مختلفة، لأن هناك خطة إستراتيجية موضوعة لتنمية سيناء، ويجرى تنفيذها الآن، وهى الخطة التى تقوم على استغلال سدس مساحة مصر عمرانيا وصناعيًا وزراعيًا وبشريًا، ولا يمكن لهذه الخطة أن ترى النور بشكل كامل إلا إذا تم تنفيذ البنية التحتية التى تسهم فى تحقيقها، فكانت خطة إنشاء الكبارى والأنفاق التى تستوعب الكثافة المرورية المتوقعة خلال العشرين عامًا المقبلة على الأقل لتنطلق سيناء إلى آفاق التنمية بدون عوائق أو مشكلات.
ما حدث فى أنفاق سيناء يجرى تكراره فى كل المجالات، وفى كل بقعة من بقاع الأراضى المصرية.
لقد سعدت بحضور احتفالية إفتتاح مشروع مجمع إنتاج البنزين بأسيوط، وهو المجمع الذى يغطى احتياجات الصعيد بالكامل من البنزين دون الانتظار لقدومه من الإسكندرية أو السويس أو القاهرة.
مشروع افتتاح مجمع البنزين فى أسيوط كان باكورة الافتتاحات فى أسبوع الصعيد والذى يشهد نشاطاً رئاسياً مكثفا لافتتاح العديد من المشروعات الخدمية فى مختلف المجالات وفى كل محافظات الصعيد بلا استثناء.
يوم الأربعاء كانت أسيوط ومحافظات الصعيد على موعد مع افتتاح العديد من المشروعات الصحية والخدمية المختلفة، وأمس السبت كان الموعد فى محافظة قنا لافتتاح محور قوص والعديد من مشروعات محاور النيل والطرق والكبارى فى الصعيد.
اعترف د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء الذى لا يهدأ ولا يكل أو يمل من العمل بأن الصعيد عانى طويلاً من التهميش مما أدى إلى تدنى مستوى الخدمات به على مدى عقود طويلة، وكانت النتيجة تدهور مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وانهيار البنية التحتية، وارتفاع نسبة الفقر رغم أن عدد سكان الصعيد حوالى 30% من إجمالى سكان الدولة يعيشون على ثلثى مساحة الأرض المصرية.
النسبة «المعكوسة» بين مساحة الأرض وعدد السكان أرجعها د. مصطفى مدبولى إلى أن محافظات الصعيد تحولت إلى محافظات طاردة للسكان بسبب انهيار الخدمات وارتفاع معدلات البطالة إلى ما يقرب من 13% وهو المعدل الأعلى بين باقى مناطق الجمهورية.
منذ 7 سنوات تغير الحال فى الصعيد كما تغير فى كل محافظات الجمهورية، وانتهت سنوات التهميش فى الصعيد، وأشرقت شمس الخير هناك لتشع بنورها على سكان الصعيد، وعلى كل سكان مصر من أسوان إلى الإسكندرية.
تركزت خطة تطوير الصعيد على إنهاء عزلته «المكانية» من خلال إنشاء شبكة ضخمة من المحاور والطرق لتنهى عزلة الصعيد «المكانية» إلى الأبد.
بالأمس تم افتتاح خمسة محاور جديدة على النيل يتراوح امتدادها بين عشرين إلى ثلاثين كيلومترا، وبعد افتتاح وتشغيل تلك المحاور ينتهى عصر التقاطعات على طريقى القاهرة ـ أسوان الزراعى والصحراوى، وكذلك تنتهى مشكلات تقاطع الطرق مع خطوط السكك الحديدية، والترع والمصارف المائية.
أبرز هذه المحاور محور عدلى منصور الممتد لمسافة 7 كيلومترات وبتكلفة مليار و 147 مليون جنيه، ومحور ديروط الذى يمتد إلى 45 كيلومترا وانتهت مرحلته الأولى وطولها 15 كيلومترا وبعرض 21 مترا، وبتكلفة مليار و 917 مليون جنيه، بالإضافة إلى محور كلابشة الحر الذى يبلغ طوله 23 كيلومترا، وعرضه 21 مترا وبتكلفة مليار جنيه.
أما محور قوص فطوله يبلغ 19 كيلومترا وعرضه 21 مترا، وتكلفته مليار و 522 مليون جنيه، فى حين أن محور سمالوط بالمنيا يبلغ طوله 24 كيلو مترا وعرضه 21 مترا وتكلفته مليار جنيه.
بحسبة بسيطة يتضح أن إجمالى تكاليف الطرق والمحاور التى تم افتتاحها أمس تبلغ حوالى 7 مليارات جنيه فى عدة مشروعات متنوعة تسهم فى إنهاء مشاكل عبور نهر النيل فى المناطق السكانية، وكذلك حل مشكلات عبور السكك الحديدية، وربط المناطق الصناعية بالمناطق السكانية، وربط المدن السكانية القديمة بالمدن السكانية الجديدة وكذلك ربط التجمعات الصناعية بالمناطق العمرانية، بالإضافة إلى «تسهيل» ربط محافظات ومدن الصعيد بالقاهرة، و«تسريع» حركة الانتقال بما يسهم فى توفير الوقت والجهد والمال، والأهم توفير جميع عناصر الأمان لمرتادى هذه الطرق والمحاور.
ولأن أسلوب إطفاء الحرائق كان هو السائد فى الحكومات السابقة فقد تحولت طرق الصعيد إلى «طرق للموت» نتيجة ضيق هذه الطرق، وعدم مواكبتها لحجم الحركة، وافتقادها لمعايير السلامة والأمان، وزيادة حجم التعديات على جانبيها.
كل هذا جعلها تتحول إلى «مصائد للموت» بعد زيادة معدلات وقوع الحوادث اليومية المتكررة عليها.
لهذا كان قرار المواجهة فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى مختلفا، بحيث لا يكون الهدف هو «علاج مؤقت» وإنما بهدف وضع رؤية مستقبلية شاملة من خلال تحسين خدمات النقل والمواصلات، وإنشاء شبكة من الطرق والمحاور على أحدث المواصفات العالمية، بالإضافة إلى تطوير خدمات السكك الحديدية، وإدخال القطار السريع إلى جوار تطوير الخدمات الحالية، بحيث تصبح رحلتا الذهاب والعودة من وإلى الصعيد آمنة وسريعة، وبأعلى مستوى عالمى من معايير السلامة والأمان .
هذه البنية التحتية الضخمة من شبكة الطرق والسكك الحديدية سوف تنهى «عزلة» الصعيد إلى الأبد، كما تم إنهاء «عزلة» سيناء من قبل، وسوف تعالج الخلل فى النسق العمرانى والسكانى، وتمهد للثورة العمرانية التى تشهدها محافظات الصعيد الآن من خلال إنشاء مجموعة ضخمة من المدن الجديدة من المتوقع أن يصل عددها إلى 14 مدينة جديدة تستوعب الكثافة السكانية المتوقعة خلال العشرين عاماً المقبلة.
مدن الصعيد الجديدة سوف تسهم فى علاج الخلل الموجود الآن فى التركيبة السكانية والتى تظهر فى وجود 25% فقط يسكنون مدن الصعيد فى حين يسكن القرى 75% من المواطنين، هذه النسبة تتعارض مع النسب العالمية التى لا تقل نسبة سكان الحضر فيها عن 50% ولايزيد عدد سكان الريف على الـ50% الأخرى.
إلى جوار ذلك فإن انتشار المدن الجديدة فى الصعيد سوف ينهى عصر التعديات على أجود الأراضى الزراعية وهى المشكلة التى توقف أمامها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أسيوط يوم الأربعاء الماضى لما لها من تبعات اقتصادية خطيرة، وتأثيراتها السلبية على ارتفاع معدلات البطالة، وزيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك بما يؤدى إلى زيادة الواردات، وزيادة التضخم وإضعاف العملة الوطنية «الجنيه» نتيجة استنزاف العملة الأجنبية فى الاستيراد، فى وقت تتزايد فيه معدلات الزيادة السكانية، وما تحمله معها من تبعات وأعباء متزايدة.
أخيراً فإن أسبوع الصعيد الذى بدأ منذ الأربعاء الماضى ويستمر خلال الأيام المقبلة يؤكد اهتمام الدولة بكل شبر من الأراضى المصرية، لا فرق فى هذا بين العاصمة الإدارية الجديدة أو الصعيد أو ريف مصر الذى يشهد الآن أضخم مشروع للتنمية المستدامة على مستوى العالم فى إطار مشروع حياة كريمة الذى يستهدف كل القرى المصرية فى كل المحافظات بلا استثناء بتكلفة تصل إلى أكثر من 700 مليار جنيه ويتم تنفيذه خلال 3 سنوات.