الجمعية العامة للأمم المتحدة للشباب فى شرم الشيخ

الجمعية العامة للأمم المتحدة للشباب فى شرم الشيخ

قبل جائحة «كورونا»، ولعدة سنوات، شاركت فى تغطية اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك فى سبتمبر من كل عام.

خلال فترة انعقاد الجمعية، تتحول نيويورك إلى متحف عالمى مفتوح، لأن كل الدول تشارك تقريبا فى تلك الاجتماعات بوفود رسمية رفيعة المستوى، يترأسها غالبا رؤساء الدول أو من يتم تفويضهم للمشاركة فى هذا المحفل العالمى المهم.

الجمعية العامة للأمم المتحدة منصة عالمية مهمة، لعرض كل الآراء ووجهات النظر العالمية فى مختلف القضايا المتفق عليها، والمختلف أيضا.

فى أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحينما تسير فى شوارع نيويورك طيلة تلك الفترة، تجد بجوارك من يتحدث العربية بطلاقة، ومن يتحدث الإنجليزية بالبراعة نفسها، ومن تكون لغته الفرنسية أو غيرها من اللغات العالمية، أو حتى المحلية.

كل وفد يتحدث لغته، ويتفاهم بها، والكل يسابق الزمن، لكى يلحق بموعد الجلسة المخصصة له، أو موعد ورشة العمل التى يشارك فيها.

تذكرت هذا كله وأنا أشارك فى منتدى شباب العالم فى نسخته الرابعة خلال الأسبوع الماضى، الذى امتد من الاثنين حتى الخميس الماضى.

 

خلال انعقاد المنتدى، تحولت شوارع شرم الشيخ إلى نسخة مصغرة من شوارع نيويورك، وتحولت قاعة المؤتمرات الكبرى فى شرم الشيخ إلى مقر مصغر للجمعية العامة للأمم المتحدة، الموجود فى نيويورك.

 

الطوابير الطويلة على أبواب الدخول هى طوابير الدخول نفسها إلى مقر الأمم المتحدة، وتقريبا الإجراءات نفسها حتى دخول القاعة.

 

فى طوابير منتدى الشباب وفود مختلفة جاءوا من 196 دولة من دول العالم، للمشاركة فى النسخة الرابعة من المنتدى.

 

تعددت اللغات وتنوعت بحسب هوية كل وفد من الوفود المشاركة، فهناك الوفود العربية، وهناك الوفود القادمة من الدول الأوروبية، وكذلك الوفود الإفريقية، وغيرها من مختلف دول العالم.

 

تحولت شرم الشيخ إلى متحف عالمى مفتوح بالألوان، واللغات المختلفة.

 

الجميع يشارك فى الجلسات العامة أو الفرعية أو ورش العمل، التى امتدت وتشعبت إلى العديد من المجالات، وكذلك فى العروض المسرحية والفنية، التى أقيمت خلال أيام المنتدى ولياليه.

 

حفلات الافتتاح والختام جاءت معبرة عن ذلك المعنى، من حيث مشاركة العديد من الفنانين والفنانات فيها، القادمين من عدة دول، وقارات مختلفة، حيث امتزجت اللغات بعضها مع بعض فى إطار فنى رفيع المستوى، لتجسد فكرة العالمية، والاختلاف، وقبول الآخر.

أما على مستوى اختيار الموضوعات فى الجلسات، فقد جاءت هذه الموضوعات متسقة مع فكرة العالمية، بدءا من الجلسة العامة الرئيسية، التى ناقشت «جائحة كورونا.. إنذار للإنسانية وأمل جديد»، مرورا بجلسات اليوم الثانى، التى ناقشت «الطريق من جلاسجو إلى شرم الشيخ لمواجهة التغيرات المناخية».

كان اليوم الثانى أيضا مشحونا بالجلسات، التى وصل عددها إلى 9 جلسات فى قاعات مختلفة، ناقشت العديد من القضايا المتعلقة بمبادرات الشباب، ونموذج محاكاة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومسارات الطاقة للتوجه إلى مستقبل أكثر أمانا، ومستقبل التكنولوجيا والتحول الرقمى، وغيرها من القضايا المتعلقة بالمرأة، والسلم والأمن العالمى.

أما اليوم الثالث، فلم يختلف عن اليومين السابقين، حيث بلغ عدد الجلسات فيه نحو 7 جلسات، أبرزها ما يتعلق بالتجارب التنموية لمواجهة الفقر، ودور المؤسسات الدولية فى دعم تعافى الدول من الجائحة، ومستقبل العمل وريادة الأعمال، وكذلك قضايا الأمن الغذائى، وصناعة الفن والمحتوى الإبداعى.

إلى جوار ذلك، كان هناك العديد من الفعاليات الجانبية وورش العمل المتنوعة، التى شارك فيها معظم الشباب المشاركين فى المنتدى.

فى اليوم الرابع والأخير، جاءت توصيات المنتدى، التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، لتؤكد عالمية المنتدى، ودوره كمنصة عالمية للشباب، حيث ركزت التوصيات على مشاركة الشباب الفاعلة فى تنظيم «قمة المناخ»، المقرر عقدها فى نهاية العام الحالى بشرم الشيخ «cop27»، وإنشاء منصة حوار فعالة بين الدولة والشباب ومؤسسات المجتمع المدنى، المحلية والدولية، وأن يكون 2022 هو «عام المجتمع المدنى»، بالإضافة إلى تفعيل منصة حوار تفاعلية دائمة لشباب العالم وشباب مصر، لتبادل الرؤى والأفكار، وكذلك إطلاق حملة دولية من شباب مصر والعالم المشارك فى المنتدى، للتعريف بأهمية قضايا الموارد المائية، وتكليف رئاسة الوزراء بإعداد تصور شامل، يعبر عن رؤية مصر لإعادة إعمار مناطق الصراع إقليميا.

 

الملاحظ أن موضوعات الجلسات، وكذلك التوصيات، كلها تعلقت بقضايا ذات طابع عالمى، بداية من جائحة «كورونا» ومشكلات الفقر وحقوق الإنسان، وانتهاء بالتوصيات.

 

جائحة «كورونا» كارثة عالمية هبطت على رأس البشرية، لتضرب الاقتصادات العالمية فى مقتل، وتؤدى إلى إحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية وصحية وتعليمية هائلة.

لم تنته جائحة «كورونا» بعد، وبالتالى لم تنته تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على البشرية بشكل عام، والشباب بشكل خاص.

أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، شارك فى الجلسة الرئيسية عبر كلمة مسجلة، أشار فيها إلى أن الشباب هم أشد المتضررين والأكثر تأثرا بتلك الجائحة، لما تركته من آثار سلبية على سوق العمل، وارتفاع نسب البطالة إلى أرقام غير مسبوقة.

لم يكن أنطونيو جوتيريش وحده الذى شارك فى الجلسات بكلمات مسجلة أو عبر الـ«فيديو كونفرانس» أو بالحضور، لكن امتد الأمر إلى العديد من الشخصيات العالمية المرموقة مثل تيدروس أدهانوم، رئيس منظمة الصحة العالمية، ورئيس مجموعة البنك الدولى، ديفيد مالباس، وجون كيرى، مبعوث الولايات المتحدة لقضايا المناخ، بالإضافة إلى العديد من المسئولين العالميين البارزين على مختلف الأصعدة.

 

فى تصورى أن حضور الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، له دلالة رمزية مهمة، على اعتبار أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت هى قضية العرب الأولى، ومن المهم أن يعى شباب مصر والعالم حيوية تلك القضية وأهميتها، باعتبارها مفتاحا مهما للسلم والأمن الإقليمى والعالمى.

 

أيضا، فإن حضور رئيس الوزراء اللبنانى، نجيب ميقاتى، كان فرصة لمشاركة الشعب اللبنانى همومه ومشكلاته، وجدية مصر فى الوقوف إلى جوار الشعب اللبنانى، كى تستعيد الدولة اللبنانية «عافيتها» مرة أخرى، بعد أن تكالبت عليها الظروف القاسية، وأصبحت فى موقف شديد القسوة، بما يهدد مستقبلها، ومستقبل شعبها.

الأمر المؤكد أن مصر فى النسخة الرابعة لمنتدى الشباب تختلف عن مصر فى النسخ السابقة، لحجم العمل والإنجاز الذى يتحقق على أرض الواقع كل يوم، فمصر الآن تملك تجربة ملهمة فى مجال المبادرات الصحية، وكذلك فى مجال الإصلاح الاقتصادى، إلى جانب التجربة المصرية فى مكافحة الإرهاب.

كان من المستحيل إقامة هذا المنتدى منذ 7 سنوات فى شرم الشيخ أو فى أى مدينة فى مصر، حيث كانت مصر مصنفة ضمن الدول العالية الخطورة فى مجال الإرهاب.

أما الآن، فقد تحولت مصر إلى تجربة ملهمة فى هذا المجال، وشهد شباب العالم حجم الأمن والأمان والاستقرار فى شرم الشيخ، وفى كل ربوع الدولة المصرية.

 

على المستوى الاقتصادى، عرض الرئيس عبدالفتاح السيسى تجربة الدولة المصرية فى الإصلاح، وكيف نجح الشعب المصرى فى الاصطفاف إلى جوار دولته، مما أدى إلى نجاح خطة الإصلاح الاقتصادى، وكسب ثقة مؤسسات التمويل العالمية، والحفاظ على تصنيف مصر الائتمانى، وتحقيق معدل نمو إيجابى خلال الجائحة، وهو ما ساعد الاقتصاد المصرى على مواجهة تداعيات تلك الجائحة، اقتصاديا وصحيا واجتماعيا.

أعتقد أن المشهد الختامى لتكريم النماذج الشبابية جاء متوافقا مع أهداف المنتدى ورؤيته، حيث تنوع تكريم النماذج، ليشمل العديد من النماذج الناجحة من دول العالم المختلفة، بدءا من مصر، ومرورا بالسنغال والأرجنتين ومالي وكندا والسعودية، وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول، ليعبر ذلك التكريم عن روح المنتدى، التى تهدف إلى تقدير وتكريم النماذج الشبابية الملهمة من مصر ودول العالم المختلفة، ليكونوا القدوة والنموذج لكل شباب العالم.

المهم الآن البناء على ما تحقق من نجاح فى المنتدى الرابع، ليتحول المنتدى إلى جمعية عامة لشباب العالم كل عام فى شرم الشيخ، على غرار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك فى سبتمبر من كل عام.

Back to Top