70 عامًا من الكفاح ضد الاستعمار والإرهاب

70 عامًا من الكفاح ضد الاستعمار والإرهاب

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

بعد غد الموافق الثلاثاء 25 يناير تحل الذكرى الـ 70 لمعركة الشرطة المصرية الخالدة ضد الاستعمار الإنجليزى، حينما التحمت قوات الشرطة مع الشعب فى كفاحه ضد المحتل الإنجليزى الغاصب، الذى تصور أنه بإمكانه فرض وصايته على الشعب المصرى وشرطته، وفرض شروطه على أفراد الشرطة المصرية بعد أن انحازوا إلى الشعب المصرى رافضين الاحتلال الإنجليزى، ومطالبين بالاستقلال.

فى تلك الأثناء كانت إرهاصات الثورة مشتعلة من الإسكندرية إلى أسوان بين كل أفراد الشعب المصرى رافضين استمرار الاحتلال الإنجليزى الجاثم على صدور المصريين لمدة 70 عاما ورافضين سياسات القصر الموالية للاحتلال، ومستنكرين تصرفات حكومات الأقليات التى يفرضها الملك لتنفيذ مخططات الاحتلال الإنجليزى.

ولأن مدينة الإسماعيلية يسكنها الكثير من الأجانب بحكم أنها كانت ولاتزال مقرا لهيئة قناة السويس المصرية والتى كان يديرها الأجانب آنذاك فى إطار عقد الامتياز والإذعان الممنوح للإدارة الفرنسية منذ حفر وافتتاح القناة، فقد ازدادت وتوسعت حركات المقاومة الشعبية فيها ضد الاحتلال الأجنبى بكل صوره وأشكاله سواء كان احتلالا إنجليزيا أو امتيازا فرنسيا لإدارة القناة.

كان هناك الكثير من الفدائيين الذين يطاردون قوات الاحتلال الأجنبى يتخذون مدينة الإسماعيلية وباقى مدن القناة مقرا لهم لتنفيذ عمليات فدائية نوعية ضد هذه القوات المحتلة.

رفضت قوات الشرطة المصرية المتواجدة فى مدينة الإسماعيلية تنفيذ أوامر المطاردة والاعتقال بحق الفدائيين من أفراد الشعب المصرى، بل إنها كانت تدعمهم وتساندهم، وتوفر لهم الغطاء المناسب من الحماية.

كان الاحتلال الانجليزى يعرف أن أيامه باتت معدودة بعد أن استشعر حالة الغضب المنتشرة بين أفراد الشعب المصرى، ومن هذا المنطلق بدأ يتصرف بعصبية «مفرطة» وكان تركيزه على مناطق «البؤر الساخنة» للمقاومة.

وضع الاحتلال الإنجليزى خطة للسيطرة على مدينة الإسماعيلية بعد أن تحولت إلى «صداع» دائم فى رأس المحتل، وكانت البداية من وجهة نظره طرد الشرطة المصرية لتعاونها مع الفدائيين والثوار من أبناء الشعب المصرى، لكى تتولى قوات الاحتلال بنفسها السيطرة على الأحداث، ومحاولة «وأد» الثورة الشعبية فى مهدها و«كتم حالة» الغضب المتصاعد بين المصريين.

وصل قائد القوات البريطانية فى منطقة الإسماعيلية والقناة «البريجادير إكسهام» إلى مدينة الإسماعيلية وأصدر أوامره بطرد الشرطة المصرية وإخلاء الأماكن المتمركزة بها وأرسل إنذارا شديد اللهجة إلى ضابط الاتصال المصرى يبلغه فيه ضرورة إخلاء الشرطة المصرية لأماكن تواجدها فى المديرية والمحافظة والأقسام والمراكز والمعسكرات بأقصى سرعة ممكنة، على أن تقوم قوات الشرطة المصرية فى تلك الأثناء بتسليم أسلحتها ومعداتها نظرا للاستغناء عن خدماتها.

تسلم الإنذار اللواء أحمد رائف قائد قوات الشرطة المصرية وعلى حلمى وكيل المحافظة اللذان «أبلغا» وزير الداخلية آنذاك فؤاد باشا سراج الدين والذى رفض على الفور ذلك الإنذار، ورفض الخضوع لتعليمات قوات الاحتلال.

تفاعلت قوات الشرطة المصرية مع رفض الإنذار وأعلنت تمسكها الكامل بخيار المقاومة.

انقلبت الدنيا «رأسا على عقب» لدى قوات الاحتلال الإنجليزى، وحشدت القوات البريطانية أكثر من 7 آلاف جندى وضابط مدججين بأحدث أنواع الأسلحة، وحاصروا قوات الشرطة المصرية التى لم تتجاوز أعدادها 850 ضابطا وجنديا فقط، وكانوا لا يملكون إلا الأسلحة الخفيفة فى حين كانت القوات الإنجليزية مسلحة بأحدث أنواع الأسلحة القتالية والهجومية الحديثة فى ذلك الزمان.

رفضت قوات الشرطة المصرية الحصار، وأصرت على موقفها الثابت فى الدفاع عن تراب مصر ضد المحتل الأجنبى، وجن جنون القائد الإنجليزى، وأصدر أوامره بالهجوم الوحشى والبربرى الذى سالت فيه دماء كثيرة من قوات الشرطة المصرية الأبطال، وانهارت المبانى نتيجة كثافة إطلاق النيران ورغم كل ذلك نجح أبطال الشرطة المصرية فى قتل 13 إنجليزيا وإصابة 12 آخرين فى حين استشهد 50 بطلاً من أبطال قوات الشرطة المصرية، وأصيب 80 قبل أن تنتهى تلك المجزرة الوحشية التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإنجليزى.

كان هذا صباح يوم 25 يناير 1952 أى منذ 70عاما بالتمام والكمال، لتكون تلك الحادثة نقلة نوعية ملهمة فى الثورة ضد الاحتلال الإنجليزى، ولم يكد يمر سوى 6 أشهر فقط حتى قامت ثورة 23 يوليو 1952 التى أنهت الاحتلال الإنجليزى، وأممت قناة السويس، وأنهت كل أشكال الاحتلال من على الأراضى المصرية سواء كان احتلالا مباشرا كما كان الاحتلال الإنجليزى أو احتلالا اقتصاديا غير مباشر كما كان الاحتلال الفرنسى لقناة السويس من خلال عقد الامتياز والإذعان.

 

هكذا كانت الشرطة المصرية جزءاً لا يتجزأ من نسيج الشعب المصرى ــ كما القوات المسلحة تماماً ــ فالشرطة والجيش هما جناحا الأمن والأمان للشعب المصرى والدرع الواقى للحفاظ على وحدته واستقراره.

حادث الإسماعيلية الذى تحول إلى عيد للشرطة يحتفل به كل أفراد الشعب المصرى كل عام كان المقدمة للثورة التى قادها الجيش المصرى فى 23 يوليو عام 1952 لينهى 70عاماً من الاحتلال الغاشم والظالم والذى بدأ عام 1882 بعد معركة «حامية الوطيس» بين الجيش المصرى بقيادة الزعيم أحمد عرابى وبين قوات الاحتلال الإنجليزى فى منطقة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية أيضا.

مؤخرا وخلال الفترة الماضية التى أعقبت ثورة 25 يناير 2011 تعرضت الدولة المصرية لعدوان لا يقل خطورة عن العدوان الأجنبى وهو عدوان الجماعات الإرهابية التى حاولت استغلال أجواء ما بعد ثورة 25 يناير 2011 لضرب مؤسسات الدولة، وهدم كياناتها، وكان التركيز الأكبر على ضرب قوات الشرطة المصرية، وكسر «شوكتها» لتسهيل مهام تلك الجماعات «الشيطانية» فى تدمير مؤسسات الدولة المصرية، كما حدث فى بعض البلدان المجاورة مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.

 

ربما تكون الحرب ضد الإرهاب أكثر خطورة من الحرب ضد الاحتلال الأجنبى لأن الاحتلال الأجنبى «عدو ظاهر وواضح» مثلما كان الحال فى حادث الإسماعيلية الشهير.. أما الحرب ضد الإرهاب فهى حرب ضد «عدو خفى» يعيش فيما بيننا، ولا تظهر أفعاله الإجرامية إلا وقت تنفيذ تلك الأفعال القذرة والوحشية.

 

نجحت قوات الشرطة بأسرع مما توقعته الجماعات الإرهابية فى الداخل، وقوى التآمر فى الخارج فى استرداد عافيتها بمساعدة أشقائهم من القوات المسلحة المصرية.

 

وقفت القوات المسلحة على قلب رجل واحد مع قوات الشرطة المصرية، لتوجه الضربات القاصمة ضد البؤر الإرهابية، وكانت العملية الشاملة التى نفذتها القوات المسلحة بكافة أفرعها بالتعاون مع الشرطة المصرية هى «ذروة» الضربات التى قضت على أحلام الإرهابيين، وجففت منابعهم، وقطعت «أوصالهم»، ودمرت حصونهم ليتوارى الإرهاب، ويختفى الإرهابيون إلى غير رجعة، ولم يعد لهم وجود باستثناء بعض عمليات الذئاب المنفردة اليائسة التى ليس لها تأثير ويمكن أن تحدث فى أى دولة من دول العالم.

 

الآن عادت الشرطة المصرية أفضل مما كانت عليه قبل 25 يناير 2011 نتيجة التطور الهائل فى تجهيزاتها، والاهتمام برفع كفاءة العنصر البشرى فيها، وهو ما يبدو واضحا خلال احتفالات التخرج لطلبة كلية الشرطة فى كل عام بعد إدخال العديد من البرامج التدريبية الحديثة والمتميزة التى تضاهى أحدث البرامج العالمية فى هذا المجال، وانعكس كل ذلك على أداء قوات الشرطة لمهامها فى مجالات مكافحة الإرهاب أو مكافحة الجرائم الجنائية المنظمة.

ليس هذا فقط لكن تطوير منظومة العمل فى الشرطة المصرية امتد أيضا إلى الاهتمام بحقوق الإنسان فى إطار التطبيق العملى للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى من خلال البدء فى إنشاء مراكز جديدة للإصلاح والتأهيل تكون بديلا للسجون التقليدية من أجل الالتزام بحقوق النزلاء وإعادة تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع كما حدث فى مركزى وادى النطرون ومدينة بدر.

Back to Top