أمريكا أم روسيا؟!

بقلم : عبدالمحسن سلامة

نجاح الزيارة الأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي وما صاحبها من عودة الدفء إلي العلاقات المصرية ـ الأمريكية جعل البعض يتساءل حول مستقبل العلاقات المصرية ـ الأمريكية من جهة، ومستقبل العلاقات المصرية ـ الروسية من جهة أخري، وهل من الأفضل أن تكون لدينا علاقات إستراتيجية مع أمريكا بعيدا عن الدب الروسي، ام أن الأفضل أن تكون لدينا علاقات إستراتيجية مع روسيا بعيدا عن الهيمنة الأمريكية؟!

البعض يري ضرورة وجود علاقات إستراتيجية مع أمريكا باعتبارها القوة العظمي عسكريا واقتصاديا في العالم، وأنها سيدة العالم بلا منازع حتي في حالة وجود أقطاب أخري مثل روسيا أو الصين أو الاتحاد الأوروبي، فالأمر كله ينتهي عند حدود أن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العظمي وأن شمسها لن تغيب في الأمد القصير علي الأقل، وبالتالي فلا يمكن التضحية بمثل تلك العلاقات الإستراتيجية معها خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلي السلطة هناك، وهو الرجل القوي الذي يحترم الرئيس عبد الفتاح السيسي ويقدر مواقفه، ويساند رؤيته في مكافحة الإرهاب والتطرف، كما أنه يعترف باخطاء الإدارات الأمريكية السابقة ويدين أجندة الفوضي الخلاقة التي كانت أمريكا تتبناها في الشرق الأوسط وأدت إلي الكوارث التي تعيش فيها المنطقة العربية الآن.

أيضا يري هذا الفريق أن مصر قد جربت العلاقات الإستراتيجية مع الاتحاد السوفيتي سابقا، وأن المساندة السوفيتية لم تكن ترقي إلي المساندة الأمريكية للعدو الإسرائيلي بدليل ما ظهر من تفوق إسرائيلي كبير في حرب 1967، وأنه حتي بعد الهزيمة كان هناك «شح» سوفيتي في امدادات الأسلحة والذي كان أحد الأسباب الرئيسية في طرد الخبراء الروس قبل معركة 1973.

الفريق الآخر يري العكس تماما ويرفض العلاقات مع أمريكا لأنها الداعم الأول والأخير للعدو الإسرائيلي، كما أن السياسة الأمريكية في المنطقة هي التي أدت إلي الفوضي التي تعيشها المنطقة الآن، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من صنعت داعش، وهي التي دعمت الجماعات الإرهابية والمتطرفة منذ الحرب الأفغانية، كما أن العلاقات الإستراتيجية مع أمريكا لم تجعلها تمارس الضغوط علي إسرائيل لكي تعطي الفلسطينيين حقوقهم المشروعة حتي الآن، رغم المرونة التي يبديها الجانب الفلسطيني منذ اطلاق عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، واستمر التعنت الإسرائيلي بدعم أمريكا حتي بعد اعتراف الدول العربية بالسلام مع إسرائيل في إطار المبادرة العربية التي أطلقتها الجامعة العربية باجماع كل الدول العربية وتعترف فيها الدول العربية بالسلام وحق إسرائيل في الوجود مقابل الأرض الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية علي حدود 1967.

أيضا يري هذا الفريق أن الرئيس الأمريكي ترامب لديه رؤية أفضل تجاه مصر والمنطقة العربية، لكنه في الوقت نفسه منحاز إلي إسرائيل بشكل أعمي، ويريد نقل السفارة الأمريكية إلي القدس، كما أنه مقيد بالمؤسسات الأمريكية التي بدأت في تضييق الخناق حوله مما يجعل السياسات الأمريكية السابقة مرشحة للاستمرار وهو ما ظهر في ضرب سوريا أخيرا، وبالتالي فإن التحالف مع روسيا أفضل خاصة في ظل نهضة الدب الروسي بقيادة بوتين وتعاظم الدور الروسي علي المستوي العالمي، ولم تعد روسيا الرجل المريض، وإنما اصبحت الرجل القوي المرشح لان يقود العالم ويتعاظم دوره علي مختلف الأصعدة.

 

الحقيقة ان كل فريق لديه مبرراته وتصوراته لمستقبل العلاقات المصرية مع الجانبين الامريكي والروسي غير أن كلا الفريقين علي خطأ لان التجارب أثبتت خطأ أن تكون لدينا علاقة احادية وأن دروس التاريخ أثبتت خطأ ذلك، ولابد من الاستفادة من تلك المواقف وعدم تكرارها مستقبلا، والرئيس عبد الفتاح السيسي حريص علي استقلالية القرار المصري منذ توليه مسئولية السلطة في مصر، حيث جاء في أعقد المواقف وأصعبها علي الإطلاق بعد أن كانت البلاد علي شفا الانهيار، ووقعت البلاد في الفوضي، وتوقفت عجلة الانتاج، وضرب الانهيار الاقتصاد الوطني، وضاع الأمن والأمان من ربوع البلاد، كل هذا يؤكد ضرورة أن تكون تجربة الرئيس عبد الفتاح السيسي مختلفة عن التجارب السابقة في التعاطي مع السياسة الخارجية أو الداخلية علي السواء.

لابد أن تكون لدينا علاقات استراتيجية مع امريكا، ولكن ليس علي حساب العلاقات مع روسيا، وينبغي ألا نقع في قبضة هذا أو ذاك كما حدث في السابق، وحسنا ما يفعله الرئيس من التوازن في العلاقات مع جميع دول العالم شرقه وغربه، وتنويع مصادر السلاح، والتعاون الاقتصادي والعسكري مع جميع دول العالم، ومن يرفض ذلك سواء كانت أمريكا أم روسيا فليذهب إلي الجحيم، فالمهم هو مصلحة مصر وعدم وقوعها في الفخ مرة أخري.

لقد توترت العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق لان الاتحاد السوفيتي كان يعلم انه «يمسك مصر من رقبتها» ورفض الرئيس أنور السادات ذلك، وكان قراره الصائب بطرد الخبراء الروس، لكنه وقع في الفخ حينما اتجه وبقوة إلي الفخ الأمريكي واستمر هذا الوضع حتي بدأت أمريكا تتبني سيناريو الفوضي منذ عام 2005 التي يكشف عن بعض تفاصيلها الوزير أحمد ابو الغيط وزير الخارجية الاسبق والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية في كتابه المهم «شهادتي»، ويروي كيف وصل الأمر إلي محاولة التدخل الامريكي المباشر في السياسة الداخلية المصرية.

هذا الأمر يجيب عن السؤال المطروح وهو : هل نختار امريكا ام روسيا كعلاقة استراتيجية؟!

في رأيي انه لابد من استمرار السياسة الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي القائمة علي العلاقات المتوازنة مع امريكا، وروسيا، والصين، والاتحاد الاوروبي، وغيرهم من دول العالم بحسب المصالح المصرية بعيدا عن الفخ الامريكي أو الروسي الذي وقعنا فيه من قبل وأثبتت الأحداث فشله.

مصر الآن هي من تصنع سياستها الخارجية وهي الآن التي تضع السيناريو المناسب لكل حدث حسب ظروفه ..فمصلحة مصر لابد ان تكون أولا وأخيرا.

رابط المقال

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/590787.aspx

Back to Top