معرض الكتاب وإطلاق ثورة ثقافية فى الجمهورية الجديدة

معرض الكتاب وإطلاق ثورة ثقافية فى الجمهورية الجديدة

بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

أتمنى لو بادرت الحكومة بتمديد معرض الكتاب حتى نهاية الجمعة المقبل، بدلا من الاثنين، لـ«تمكين» أكبر عدد من الأسر المصرية والطلبة من زيارة المعرض، حيث بدأت إجازة نصف العام رسميا أمس، وتمتد أسبوعين.

كان المعرض قد انطلق فى دورته الـ53 يوم الأربعاء الموافق 26 يناير الماضى، وسط مشاغل الكثير من الأسر والطلاب فى الجامعات، ومراحل النقل فى التعليم بالامتحانات، وهو ما منع العديد من الأسر والطلبة من زيارة المعرض خلال الفترة الماضية.

تمديد المعرض حتى نهاية الجمعة يعطى فرصة أكبر لزيارة المعرض الذى شهد إقبالا معقولا خلال الفترة المنقضية، على الرغم من الامتحانات وتقلبات الطقس الحادة خلال الأسبوعين الماضيين.

رغم كل تلك الظروف، فإن المؤشرات تشير إلى تخطى المعرض المليون زائر, وقد شهد أول أمس، الجمعة، إقبالا كثيفا من الجمهور، وحرص العديد من الأسر المصرية على اصطحاب أولادهم إلى المعرض، بالإضافة إلى حرص العديد من الأفراد من مختلف الفئات العمرية على زيارته، مما جعل الطوابير ممتدة أمام المعرض فى مشهد حضارى «لافت» و«رائع».

اللجنة العليا لمعرض الكتاب أعلنت، الخميس الماضى، أن إجمالى عدد الزائرين خلال الأيام الثمانية الأولى وصل إلى ما يقرب من 700 ألف زائر، مما يؤكد ارتفاع مؤشر الوعى الجمعى، وإدراك أهمية الثقافة والمعرفة فى تنمية المجتمع وتطويره.

معرض القاهرة الدولى للكتاب هو أكبر معرض للكتاب فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وثانى أهم معرض للكتاب فى العالم، بعد معرض فرانكفورت الدولى للكتاب.

المعرض بدأ إطلاقه فى 1969، حينما كانت مدينة القاهرة تحتفل بعيدها الألفى، وتبنى وزير الثقافة العبقرى ثروت عكاشة فكرة إقامة معرض للكتاب، وعهد إلى الكاتبة الراحلة سهير القلماوى بالإشراف على إقامة أول دورة لمعرض للكتاب.

تغير مكان المعرض عدة مرات، حتى استقر فى أرض المعارض بمدينة نصر، وظل يقام لفترة طويلة هناك، ثم انتقل منذ 2019 إلى مكانه الحالى فى مركز مصر للمعارض الدولية بالقاهرة الجديدة.

شهد المعرض هذا العام تنوعا كبيرا، وتطويرا شاملا، وشارك فيه العديد من الناشرين من دول العالم المختلفة، وأقيمت به العديد من الندوات الثقافية، وعروض السينما، والمسرح، ومعارض الفنون التشكيلية، والعروض الموسيقية، مما أضاف زخما إضافيا لمعرض الكتاب فى دورته الحالية.

كان المعرض يقام فى دوراته السابقة خلال إجازة منتصف العام، إلا أنه فى العام الماضى، ونظرا لظروف جائحة «كورونا»، وحرصا على عدم إلغائه، فقد أقيمت دورته الـ52 خلال الفترة من 30 يونيو إلى 15 يوليو ٢٠٢١.

هذا العام عاد المعرض إلى توقيته المعتاد، غير أن ظروف «كورونا»، وما استتبعها من تعديلات فى إجازات منتصف العام، أدت إلى اختيار هذا التوقيت، ليتماشى مع أجندة المعارض الدولية، وفى الوقت نفسه يناسب أجندة معارض مركز مصر للمعارض الدولية الذى يرتبط بأجندة سنوية مقررة.

أعتقد أن نجاح معرض الكتاب يجب أن يكون الخطوة الأولى فى إطلاق ثورة ثقافية وتوعوية شاملة، تناسب الجمهورية الجديدة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى.

من غير المقبول ولا المعقول أن تكون هناك «هوة» بين ما يحدث من إنجازات غير مسبوقة فى جميع المجالات، التنموية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبين الواقع الثقافى و«التوعوى» فى مصر، إنما لا بد أن يكون هناك تقارب بين الجانبين، لأن الوعى والتنوير والثقافة هم «حراس المعبد»، للحفاظ على المكتسبات التنموية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تحدث فى مصر الآن ومستقبلا.

دول عديدة سبقتنا فى هذا المجال مثل فرنسا وسنغافورة وإندونيسيا والصين وغيرها، وحينما أضرب نماذج بهذه الدول فليس مطلوبا نقل تجاربهم بـ«الحرف» فى هذا المجال، فلكل دولة خصوصيتها وعاداتها وتقاليدها، وتركيبتها الاجتماعية والدينية والثقافية، ولكن من الممكن الاستفادة من التجربة والفكرة، وتطويع المشروع نفسه للظروف المصرية، وخصوصية المجتمع المصرى بتركيبته الحضارية والثقافية والدينية والاجتماعية.

فرنسا كانت أحدث الدول التى تنبهت إلى المخاطر الكبيرة التى تكاد تعصف بكيانات الدول والشعوب إذا تركت الدول مصائرها لوسائل التواصل الاجتماعى وشركات التكنولوجيا العملاقة.

من هنا تبنى الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، الدعوة إلى إطلاق حركة تنويرية جديدة، أطلق عليها «التنوير فى العصر الإلكترونى» على غرار حركة «التنوير» الفلسفية التى أطلقتها فرنسا فى القرن الثامن عشر.

ماكرون حذر من مخاطر ترك مستقبل التنوير لشركات التكنولوجيا العملاقة، و«السوشيال ميديا»، ومنصات الإنترنت.

كلف الرئيس الفرنسى مجموعة من الباحثين وعلماء الاجتماع والأكاديميين والصحفيين بالعمل على وضع إطار مقترح لثورة التنوير الجديدة فى مهمة أطلق عليها اسم "التنوير فى العصر الإلكترونى”.

الإقبال على معرض الكتاب يدعو إلى التفاؤل، ويرد بقوة على دعاة الجهل والتخلف، واصطناع حاجز وهمى بين القراءة والثقافة من جانب، والتقدم التكنولوجى من جانب آخر.

أتمنى أن يكون معرض الكتاب هو البداية لإطلاق ثورة ثقافية وتوعوية شاملة خلال المرحلة المقبلة، يتم تدشينها مع معرض الكتاب فى العام المقبل.

هذه الثورة ليس هدفها معاداة التكنولوجيا أو «السوشيال ميديا» أو منصات الإنترنت، وإنما هدفها تسخير كل هذه الأدوات وغيرها لزيادة حجم المعرفة والثقافة والتنوير، والحفاظ على الهوية الوطنية، والثوابت والقيم الأخلاقية والدينية المستنيرة، وتحديث القيم الثقافية والاجتماعية، لتتماشى مع ما يحدث فى مصر الآن من تطورات هائلة وغير مسبوقة فى المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، والحرب على الإرهاب.

على سبيل المثال، فقد نجحت مصر فى كسر «الطوق الإرهابى» العنيف الذى كاد يهدد كيان الدولة المصرية، لكن هذا النجاح يحتاج إلى استمرار، ومن المهم أن تتحول مكافحة الإرهاب إلى ثقافة راسخة فى نفوس كل المصريين، بحيث يقوم كل فرد فى الأسرة المصرية بحماية المجتمع من مخاطر التطرف والإرهاب على مر الزمان، لتنتهى تلك «الآفة» المدمرة التى تهدد كيان الدول، وتدمر الشعوب.

الثورة الثقافية الجديدة لن تقتصر على مجال الإرهاب فقط، وإنما ستمتد إلى محاربة كل المفاهيم الخاطئة فى مختلف المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والحرب على الشائعات، ومواجهة الأكاذيب التى تجد أحيانا، للأسف الشديد، دعما ومساندة وترويجا من بعض مواقع «السوشيال ميديا»، وشركات التكنولوجيا العملاقة واليوتيوب.

الثورة الثقافية والتوعوية يجب أن تشارك فيها جميع الهيئات والمؤسسات والوزارات المعنية، من ثقافة وإعلام وشباب ورياضة، وأوقاف وأزهر وكنيسة وصحافة وإعلام.

سألت د. إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، عن الدورة الـ53 لمعرض الكتاب، ورؤيتها لمؤشرات الإقبال؟!.

أجابت وزيرة الثقافة: الإقبال حتى الآن أكثر من رائع، ويبشر بتخطى حاجز المليون زائر على الرغم من برودة الطقس وتقلباته، وهو ما يحافظ على مكانة المعرض كأهم معرض للكتاب فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وثانى أهم معرض للكتاب فى العالم، بعد معرض فرانكفورت الدولى للكتاب.

قلت: هل من الممكن مد المعرض إلى الجمعة المقبل، لإعطاء فرصة أكبر للراغبين فى زيارة المعرض، خاصة أن إجازة نصف العام بدأت رسميًا أمس؟.

أجابت د. إيناس عبدالدايم:: لقد حاولت وبذلت جهدا كبيرا من أجل ذلك، وأسفر التدخل عن مد المعرض ليوم إضافى آخر، حيث كان من المقرر انتهاء المعرض 6 فبراير، وتم المد إلى 7 فبراير.

أضافت وزيرة الثقافة: المشكلة التى تعترض المد حتى الجمعة المقبل هو ارتباطات أجندة مركز مصر للمعارض بأحداث ومعارض مسبقة، ولا يصح أن يتم إلغاء معرض محجوز مسبقًا. ولكل ذلك، فقد قررت تكليف إدارة المعرض بالإعداد من الآن للمعرض المقبل، إن شاء الله، على أن يراعى مد المعرض إلى 20 يومًا، بحيث تدخل فيه فترة إجازة نصف العام كاملة، ويتيح المزيد من الفعاليات والمناقشات من خلاله.

سألت: ما هو الجديد فى المعرض هذا العام؟

أجابت د. إيناس عبدالدايم: لأول مرة هذا العام، تم إدخال أحدث أساليب التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى، حيث ظهرت شخصية الأديب يحيى حقى (شخصية المعرض هذا العام) بتقنية «الهولوجرام» فى عرض تفاعلى مع الجمهور من خلال شاشة تعمل باللمس.

أيضا يمكن للأطفال ورواد قاعة الأطفال مشاهدة إحدى قصص الأديب الراحل عبدالتواب يوسف مجسمة افتراضيًا باستخدام نظارات «3D»، وذلك فى القاعة المستقلة التى تم تخصيصها لأول مرة للأطفال، ولاقت إقبالا كبيرا وواسعا من الأسر المصرية.

وأضافت وزيرة الثقافة: أيضا تمت مضاعفة قيمة جوائز المهرجان إلى 4 أضعاف قيمة الجوائز الحالية، حيث كانت قيمة الجائزة فى الفروع الأدبية والثقافية والناشر المصرى عشرة آلاف جنيه، وتمت زيادتها إلى 40 ألفا، بالتعاون مع البنك الأهلي، وتم استحداث جائزة جديدة لأول مرة للناشر العربى، بالتعاون مع اتحادى الناشرين المصريين والعرب.

وأشارت د. إيناس عبدالدايم إلى إطلاق أول منصة رقمية لمعرض الكتاب، وإتاحة البيع «ONLINE» للكتب، بالتعاون مع وزارة الاتصالات والبريد المصرى، برسوم رمزية، وذلك لأول مرة هذا العام، وخلال العام المقبل سوف نعمل من الآن على إدخال الناشرين إلى المنصة الرقمية، وأن تستمر تلك المنصة طيلة العام، وليس خلال أيام المعرض فقط، بعد أن حققت أرقامًا هائلة فى الزيارات، بلغت نحو 87 مليون زيارة، و8000 جولة افتراضية، و133 ألف مشاهدة للكتب، وبلغ عدد التذاكر التى تم حجزها من خلالها 160 ألف تذكرة.

انتهى حديث وزيرة الثقافة، د. إيناس عبدالدايم، الذى يؤكد نجاح الدورة الـ53 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وضرورة توظيف هذا النجاح فى حل مشكلات توقيت إقامة المعرض، ومدته الزمنية منذ الآن، وفى الوقت نفسه، البدء للتحضير لإطلاق ثورة ثقافية وتوعوية شاملة، تتماشى مع عصر الإنجازات الكبرى فى الجمهورية الجديدة.

 

Back to Top