رسائل «المصارحة والطمأنة» بعد صلاة الفجر

رسائل «المصارحة والطمأنة» بعد صلاة الفجر

توقفت أمام صور الرئيس عبدالفتاح السيسى، الأربعاء الماضى، وهو يقود دراجته من مقر إقامته إلى الكلية الحربية، ولم تكن الشمس قد أشرقت بعد، حيث تشرق الشمس فى حدود السادسة والنصف صباحا تقريبا، فى حين يؤذن الفجر فى تمام الخامسة صباحا.

معنى ذلك أن الرئيس أدى صلاة الفجر، وخرج بعدها مباشرة إلى مقر الكلية الحربية، ليتفقد أحوال الطلبة هناك، ويناقشهم، ويتابعهم بنفسه فى رسالة واضحة الدلالة، وفى توقيت يموج فيه العالم بالاضطرابات والقلاقل، حتى لو كانت بعيدة عنا.

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الكلية الحربية ليست الزيارة الأولى، وإنما هى تقليد معتاد من الرئيس، لمتابعة الطلاب هناك، باعتبارهم أبطال المستقبل الذين يتحملون أمانة حماية حدود الوطن، وسلامته، ووحدته، واستقراره، وأمنه، وأمانه.

كان الرئيس عائدا للتو من زيارته دولة الكويت يوم الثلاثاء، وهى زيارة استغرقت يوما واحدا، لكنه كان يوما حافلا، التقى فيه الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت. كما التقى الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ولى عهد الكويت، وكذلك الشيخ صباح الخالد الصباح، رئيس الوزراء الكويتى.

الزيارة جاءت فى إطار التنسيق الدائم بين الدولتين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز العمل العربى المشترك، وتبادل وجهات النظر حول القضايا العربية والإقليمية، والأهم هو تعزيز أوجه التعاون الثنائى مع اقتراب عقد الدورة الثالثة عشرة للجنة المصرية ـ الكويتية المشتركة فى القاهرة، وكذلك اللجنة القنصلية المشتركة بين البلدين.

كان يوما حافلا مشحونا باللقاءات والاجتماعات الناجحة التى أكدت عمق العلاقات المصرية ـ الكويتية، والسير قدما فى تطويرها، بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين.

فجر اليوم التالى كان الموعد مع زيارة الكلية الحربية فى وقت يعيش فيه العالم فوق صفيح ساخن بسبب الأزمة العنيفة التى يعيشها العالم بسبب النزاع الروسى ـ الأوكرانى، ودخول العالم فى موجة جديدة من الحرب الباردة التى ربما لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

صحيح أن مصر والمنطقة العربية بعيدان عن منطقة النزاع، وليس من المتصور أن تشتعل حرب عالمية ثالثة، لكن فى كل الأحوال فقد أصبح العالم مثل قرية كونية صغيرة، تتأثر بالأزمات التى تحدث فى باقى أنحاء العالم بدرجة أو بأخرى، وبشكل متسارع وغير مسبوق.

العديد من الرسائل المهمة أرسلها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أثناء زيارته الكلية الحربية، وكلها رسائل تتسم بالشفافية والمصارحة، ومن خلالها كانت رسائل «الطمأنة» فى ظل الجمهورية الجديدة التى يتسم فيها الأداء بالتخطيط والتنظيم، وعدم ترك الأمور لـ«الصدفة».

لم يكتف الرئيس بتفقد التدريبات ومتابعة الأنشطة، لكنه أدار حوارا صريحا ومباشرا مع الطلبة الذين هم قادة المستقبل للجيش المصرى الذى احتل المرتبة الـ12 فى تصنيف «جلوبال فاير باور» لأقوى جيوش العالم للعام 2022، لتتصدر مصر الترتيب الإقليمى للدول العربية والشرق الأوسط بعد أن كانت فى المركز الـ13، والثانى فى الشرق الأوسط فى التصنيف العام الماضى.

احتل الجيش المصرى المركز الأول إقليميا، وسبقت مصر تركيا وإيران وإسرائيل وباقى دول المنطقة.

من منطلق المسئولية التى يتحملها الجيش المصرى كأكبر قوة إقليمية وعربية، جاءت رسائل الرئيس عبدالفتاح السيسى، القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى كل أفراد الشعب المصرى، وأبرز هذه الرسائل فى تصورى هى:

أولا: أن السياسة المصرية تقوم على الانفتاح على جميع الدول الكبرى، وإقامة العلاقات المتوازنة والمعتدلة معها من أجل البناء والتنمية، وتحقيق السلام والأمن، حيث تميزت سياسة الرئيس عبدالفتاح السيسى الخارجية بقدرتها على نسج علاقات متوازنة وقوية مع أقطاب القوى الدولية الكبرى. وبعد أن كانت السياسة الخارجية المصرية «تجنح» شرقا أو غربا، نجح الرئيس فى إقامة علاقات إستراتيجية ومتوازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، والاتحاد الأوروبى، وروسيا، وغيرها من القوى الدولية والإقليمية، مما عزز مكانة مصر، ودورها الإستراتيجى فى المنطقة، والعالم بعيدا عن التجاذبات الدولية، والاستقطاب الحاد مع هذا أو ذاك.

ثانيا: تحدث الرئيس عن خطة الدولة لزيادة إنتاجية محصول القمح خلال المرحلة المقبلة، حيث نجحت الدولة فى إضافة 250 ألف فدان جديدة مزروعة بالقمح هذا العام ترتفع إلى مليون فدان فى العام المقبل، لتصل إلى مليونى فدان فى العام التالى من أجل تقليل الاستيراد، وعدم الاعتماد على الخارج فى استيراد القمح.

معنى ذلك أن مصر لم تكن تنتظر وقوع الأزمة الروسية ـ الأوكرانية لكى تتحرك فى ملف تأمين إنتاج القمح، وإنما لديها خطة مبكرة لذلك، وأنه خلال عامين سوف تقوم الدولة المصرية بتأمين النسبة الأعظم من احتياجات المواطنين من القمح بعيدا عن الوقوع تحت ضغط الظروف العالمية المتقلبة، والطوارئ، والمستجدات غير المحسوبة، مثل الأزمة الأوكرانية ـ الروسية التى تفجرت بشكل مفاجئ وسريع.

صحيح أنه لا توجد أزمة عاجلة، وأن مصر لديها ما يكفيها كمخزون إستراتيجى، والأهم أن علاقات مصر متوازنة وقوية بكل الأطراف، ومع ذلك، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى برؤيته الإستراتيجية المستقبلية يعمل على رفع نسب الاكتفاء الذاتى من القمح، وغيره من المنتجات، فى إطار سياسة الإصلاح الاقتصادى التى تبناها الرئيس منذ ولايته، والقائمة على التوسع فى الإنتاج الزراعى وتوطين الصناعات، بما يحقق فى النهاية توفير النسبة الأكبر من احتياجات المواطنين، وفتح آفاق التصدير، ليصل إلى 100 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

ثالثًا: طمأن الرئيس المواطنين على نجاح خطة الإصلاح الاقتصادى، وأن مصر باتت فى وضع أفضل الآن، وأن هذا النجاح هو الذى ساعد الدولة على تخطى جائحة «كورونا» بعد أن سلكت مصر خطة التوازن بين الإجراءات الاحترازية وتوفير اللقاحات والتطعيمات، وفى الوقت نفسه لم تتوقف عجلة العمل والإنتاج.

ولأنه رئيس دولة بدرجة مواطن، فقد أوضح أنه يعلم مدى صعوبة الحياة، والتكاليف المعيشية للمواطن، لكنه طمأن المواطنين بأن القادم أفضل، وأن الدولة تتدخل بقوة، لتخفيف المعاناة عن المواطنين، وتوفير السلع الأساسية لهم بأسعار مناسبة بقدر الإمكان.

أعتقد أن كل المؤشرات تشير الآن إلى بدء تعافى الاقتصاد الوطنى بعد فترات التعثر التى عاشها بعد ثورة يناير 2011، ثم مرحلة بدء الإصلاح فى 2016، ثم جاءت جائحة «كورونا» لتزيد المتاعب والأوجاع، إلا أن الاقتصاد الوطنى تخطى كل تلك العقبات، وكانت مصر من الدول القليلة التى احتفظ اقتصادها بنسب نمو إيجابى فى ظل جائحة «كورونا»، ثم سجل معدل النمو أعلى معدلاته فى النصف الأول من العام المالى الحالى منذ عام 2011، ليشير إلى إمكان تخطى نسب النمو فى نهاية العام المالى الحالى نحو 6.5٪، بما يجعله فى مقدمة الاقتصادات العالمية التى تحقق هذه النسبة.

رابعًا: أكد الرئيس أن رسالة الجيش المصرى الحفاظ على أمن واستقرار مصر، مشيرًا إلى أن هذا أمر عظيم للغاية، وأنه دائمًا يؤكد أن الحفاظ على حياة 100 مليون مصرى هى «قيمة ما بعدها قيمة».

المؤكد أن الجيش المصرى طيلة تاريخه قد نجح فى الحفاظ على الدولة المصرية على الرغم من كل الظروف والأحداث التى عاشها الوطن عبر فتراته التاريخية المختلفة، وكان التحدى الأكبر عقب ما حدث بعد 2011، حينما كانت الدولة مهددة بالانهيار، والغرق فى بحور الفوضى والعنف والاقتتال الأهلى، كما حدث فى دول أخرى كثيرة، كانت ومازالت غارقة فى تلك المشكلات حتى الآن دون أفق للحل.

نجح الجيش المصرى فى أصعب «اختباراته»، وحافظ على كيان الدولة المصرية ومؤسساتها، وانتقل بها من الفوضى إلى الاستقرار، ومن هنا كانت رسالة الرئيس إلى الشباب الذين التحقوا بالكليات العسكرية والقوات المسلحة بالحفاظ على مصر وأمنها واستقرارها، وأن مصر أصبحت أمانة فى أعناقهم جميعا، مما يتطلب عملًا دءوبا وجهدًا كبيرًا ومستمرًا، لا ينقطع.

العديد من الرسائل المهمة أرسلها الرئيس فى أثناء زيارته الكلية الحربية بعد صلاة فجر الأربعاء الماضى، فى توقيت حساس ودقيق يمر به العالم الآن، بما يؤكد صدق رؤية القيادة المصرية فى التعامل مع الأحداث الإقليمية والعالمية، وقدرة الدولة المصرية على التعامل مع تلك الأحداث وغيرها، لتظل مصر دائمًا آمنة ومطمئنة، تتبوأ مكانها اللائق، إقليميًا وعالميًا، بعيدًا عن التجاذبات والاستقطابات خارجيًا، ودعاة التشكيك والتخريب والفوضى من أهل الشر داخليا.

Back to Top