استقرار الاقتصاد المصرى فى مواجهة الحرب وكورونا

استقرار الاقتصاد المصرى فى مواجهة الحرب وكورونا

فى الطريق إلى لقاء وزير المالية د. محمد معيط يوم الإثنين الماضى لمناقشة الموازنة العامة الجديدة 2022/ 2023، فى ظل أجواء الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وما أحدثته من تداعيات اقتصادية خطيرة على الاقتصادات العالمية، عادت بى الذاكرة إلى الوراء منذ عامين، وبالتحديد فى مارس 2020، حينما دعانا وزير المالية د. محمد معيط حينذاك لمناقشة أوضاع الموازنة العامة المقترحة للعام المالى 2020/ 2021، بعد أن هبطت كورونا فجأة على العالم و«أربكت» الحسابات، وغيرت الكثير من الأرقام والمعادلات.

أعتقد أن ما يجمع بين كورونا، والحرب الروسية ـ الأوكرانية خيط رفيع واحد هو عنصر المفاجأة، وعدم التخطيط المسبق، والتداعيات الخطيرة والمؤلمة على الاقتصادات العالمية.

كلاهما هبط على العالم «فجأة» ودون سابق إنذار، وكلاهما أضر بالاقتصاد العالمى ضررا عنيفا، ولم يفرق بين دولة وأخرى، وكان الفارق الوحيد بين اقتصاد وآخر هو مدى قدرة هذا الاقتصاد على استيعاب التبعات الخطيرة للحدثين والتقليل من آثارهما بقدر المستطاع.

فى مارس 2020 كان الاقتصاد المصرى قد بدأ التعافى والانطلاق بعد رحلة الإصلاح الاقتصادى الناجحة التى انطلقت فى عام 2016، بعد أن كان الاقتصاد المصرى على «شفا الإفلاس»، فكان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى ببدء مسيرة الإصلاح الاقتصادى، التى قادها بحنكة واقتدار المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء آنذاك.

انطلقت الرحلة، وبعد أن كانت هناك أزمة فى تدبير العملة الصعبة لاستيراد السلع الأساسية من الأدوية والأغذية ارتفع الاحتياطى النقدى قبل جائحة كورونا إلى أرقام غير مسبوقة بلغت نحو 45.5 مليار دولار، وكان من المتوقع أن يصل إلى أكثر من 50 مليار دولار بنهاية 2020، لولا الجائحة، كما انخفض سعر الدولار، وبعد أن كاد يلامس الـ20 جنيها قبل الإصلاح، تراجع إلى معدلاته الحالية التى تبلغ أقل من 15.70 جنيه للدولار الواحد.

فى عام 2020 كان الاتجاه فى الموازنة المقترحة 2020/ 2021 إلى إحداث تغيير هيكلى فى الاقتصاد، ليتحول من الاقتصاد شبه الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجى، والتركيز على دعم القطاعات الإنتاجية فى مختلف المجالات الصناعية، والزراعية، والتكنولوجية.

فجأة هبطت جائحة كورونا دون سابق إنذار لتضرب الاقتصادات العالمية بعنف، وتشهد بعدها الأسواق العالمية اضطرابا غير مسبوق بسبب توقف دوران عجلة العمل والإنتاج فى معظم دول العالم، ومعه تراجعت حركة التجارة العالمية، وأغلقت معظم دول العالم «الباب» على نفسها، مما كان له تأثيرات اقتصادية سلبية على الاقتصادات العالمية لم يشهد لها العالم مثيلا منذ الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الماضى.

لم يكن الاقتصاد المصرى استثناءً من الاقتصادات العالمية، لكنه استطاع الصمود فى مواجهة الأزمة الطاحنة المفاجئة بسبب الرؤية المبكرة للإصلاح الاقتصادى التى تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل هبوط الجائحة بنحو أربع سنوات.

قوة الاقتصاد المصرى فى عام 2019، وارتفاع معدلات النمو إلى ما يقرب من 6%، وكذلك ارتفاع معدلات الاحتياطى النقدى إلى أرقام غير مسبوقة بلغت أكثر من 45 مليار دولار، كلها عوامل مكنت الاقتصاد المصرى من مواجهة أزمة الجائحة فى 2020 بأقل أضرار ممكنة.

لكل ذلك كان الاقتصاد المصرى من الاقتصادات القليلة التى سجلت معدل نمو إيجابيا، وحافظت على تصنيفها الائتمانى خلال عامى الجائحة.

فى العام المالى الحالى 2021/ 2022 بدأ الاقتصاد المصرى يتعافى من جائحة كورونا، وسجل النصف الأول من العام المالى الحالى أعلى معدلات النمو، ليصل إلى 9%، وهو أعلى معدل نمو من 20 عاما، وهو ما أكدته المؤسسات الاقتصادية العالمية التى رفعت سقف توقعاتها لمعدلات النمو الاقتصادى. وأشاد البنك الدولى بأداء الاقتصاد المصرى خلال أزمة كورونا، وتوقع أن يستمر الاقتصاد المصرى فى تحقيق معدلات نمو جيدة مستقبلا.

توقع البنك الدولى أن يكون الاقتصاد المصرى واحدا من أفضل الاقتصادات العالمية التى تحقق معدلات نمو خلال عام 2022، حيث من المتوقع أن يحقق الاقتصاد المصرى ثانى أعلى معدل نمو على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة نمو 5.5% خلال العام المالى الحالى 2021/ 2022.

فى ظل هذه الأجواء الإيجابية، التى حققها الاقتصاد المصرى، ونجح فيها بجدارة فى التغلب على مشكلات جائحة كورونا، هبطت فجأة الحرب الروسية ـ الأوكرانية على العالم، وضربت بعنف ـ لا يقل ضراوة عن جائحة كورونا ـ الاقتصادات العالمية.

كل دول العالم تضررت من تلك الحرب «الشريرة»، بعد أن خرجت روسيا وأوكرانيا من سلاسل الإمدادات العالمية، وتضررت أوروبا وأمريكا وباقى دول العالم من تلك الحرب «التعيسة»، التى لا يعرف أحد على وجه اليقين متى تتوقف، أو إجمالى الخسائر الناتجة عنها، بعد أن تتوقف، وما هى الفترة التى يحتاجها الاقتصاد العالمى للتعافى من آثارها، بعد توقفها، خاصة أنها تزامنت مع تداعيات جائحة كورونا، وما سببته من مشكلات لم يتم التغلب عليها بعد، خاصة أزمة سلاسل الإمدادات العالمية.

بالنسبة للاقتصاد المصرى هناك أضرار مباشرة لحقت به من الحرب الروسية ـ الأوكرانية، أهمها ما يتعلق بقطاع السياحة، خاصة ما يتعلق بالسياحة الروسية والأوكرانية التى تمثل 40% من إجمالى عدد السائحين، والتى من المؤكد أنها سوف تشهد تراجعا حادا لفترة قد تطول أو تقصر بحسب مدة الحرب والقدرة على التعافى منها.

بجانب السياحة هناك الواردات المصرية من روسيا وأوكرانيا، خاصة الواردات الزراعية، وبالتحديد القمح والذرة، حيث تمثل واردات القمح من روسيا وأوكرانيا نحو 80% من إجمالى واردات مصر من القمح.

سألت د. محمد معيط وزير المالية عن سيناريوهات مواجهة الأزمة وتأثيراتها على الاقتصاد المصرى!.

أجاب: لا شك فى أن هناك تأثيرات، لكن لحسن الحظ أن الاقتصاد المصرى فى وضع أفضل الآن، وكما استطاع أن يتجاوز أزمة كورونا، فهو قادر على تجاوز أزمة الحرب الروسية ـ الأوكرانية للأسباب التالية:

أولا: هناك تحسن فى مؤشرات النمو الاقتصادى بشهادة جميع المؤسسات الدولية، ومن المتوقع أن يبلغ معدل النمو خلال العام المالى الحالى 2021/ 2022 ما يقرب من 6%.

ثانيا: ما أعلنه البنك المركزى من وجود احتياطى نقدى يبلغ نحو 41 مليار دولار، وهو ما يجعلنا قادرين على الوفاء بالاحتياجات الاستيرادية أيًا كان مصدرها.

وأضاف د. محمد معيط وزير المالية: المشكلة تكمن فى رفع تكلفة الفاتورة التى تتحملها الاقتصادات العالمية، نتيجة هذه الحرب التى بلغت أكثر من 400 مليار دولار حتى الآن، وأدت إلى درجات تضخمية عالمية طالت الدول الكبرى، حيث بلغ معدل التضخم فى الولايات المتحدة الأمريكية 7.5%، وفى دول أوروبا 6%، بزيادة 3 أضعاف على معدلات التضخم العادية.

هذه الموجات التضخمية أدت إلى قفزات فى أسعار السلع على مستوى العالم، حيث ارتفع سعر القمح بنحو 48%، والذرة 30%، وزيوت الطعام 25%، والسكر 7%، والمشكلة الأكبر فى أسعار البترول التى قفزت 55%.

وأوضح وزير المالية أنه من الطبيعى أن يتأثر الاقتصاد المصرى بتلك الموجات التضخمية، لكن الحكومة فى مصر تعمل على تقليل نسبة تأثر المواطنين إلى أدنى حد ممكن، مراعاة للبعد الاجتماعى، وأن تتحمل الموازنة العامة العبء الأكبر فى هذا المجال.

وأشار د. محمد معيط إلى أن بند القمح فقط سوف يضيف أعباء تبلغ أكثر من 15 مليار جنيه على الموازنة العامة، حيث تجاوز سعر الطن 400 دولار، فى حين كان قبل الأزمة 250 دولارا للطن.

وطمأن وزير المالية المواطنين قائلا: لدينا مخزون يكفى أكثر من 3 أشهر، والإنتاج المحلى يكفى 5 أشهر، أى أننا لدينا ما يكفى نحو 8 أشهر وحتى قرب نهاية العام الحالى، بما يجعلنا مطمئنين إلى القدرة على تجاوز تلك الأزمة دون نقص فى احتياجات الأسواق، وإلى جوار ذلك لدينا احتياطات نقدية قادرة على الوفاء بكل متطلبات السلع دون أدنى مشكلة.

سألته عن خطط التغيير الهيكلى للاقتصاد المصرى من الاقتصاد شبه الريعى إلى الاقتصاد الإنتاجى؟.

أجاب د. محمد معيط وزير المالية: الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ بدء ولايته وهو يعمل بكل جدية من أجل ذلك، وأوضح نموذج لذلك هو ما يحدث فى التوسع الزراعى، وإضافة ما يقرب من 3 ملايين فدان للرقعة الزراعية خلال الفترة المقبلة، وزيادة زراعات القمح هذا العام بنحو 250 ألف فدان تتم مضاعفتها العام المقبل.

ما يحدث فى قطاع الزراعة يحدث فى قطاع الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، وصناعة الخدمات، وغيرها من المجالات المختلفة التى تعمل الحكومة فيها الآن من أجل رفع كفاءة الاقتصاد المصرى، وزيادة قدرته على الوفاء باحتياجات المواطنين، وزيادة معدلات الصادرات إلى 100 مليار دولار خلال المرحلة المقبلة.

سألت: هل يمكن أن تصل خسائر الحرب الروسية ــ الأوكرانية على الاقتصاد العالمى إلى مستوى خسائر كورونا؟.
أجاب د. محمد معيط: لا أحد يملك الإجابة حتى الآن، وكلما امتدت الحرب وتوسعت كانت الأضرار جسيمة ومؤلمة، والعكس صحيح لو توقفت الحرب بسرعة فسوف تكون الفاتورة أقل، وهو ما يتمناه العالم الآن لتقليل الخسائر الاقتصادية، والسير فى طريق التعافى من الحرب ومن كورونا معا.

يبقى فى النهاية التأكيد على صلابة الاقتصاد المصرى واستقراره فى مواجهة جائحة كورونا، من بعدها الحرب الروسية ــ الأوكرانية، بسبب ما تحقق من إنجاز اقتصادى كبير خلال الأعوام الستة الماضية منذ بدء رحلة الإصلاح الاقتصادى عام 2016 وحتى الآن، وهو ما يجعل الاقتصاد المصرى فى منطقة «دافئة»، بعيدا عن التقلبات الحادة التى سادت الأسواق العالمية منذ جائحة كورونا، واندلاع الحرب الروسية ــ الأوكرانية بعدها وحتى الآن.

Back to Top