50 عاما هجريا على انتصار أكتوبر العظيم
نشر بالأهرام الأحد 10 أبريل
50 عاما هجريا على انتصار أكتوبر العظيم
غدا، الاثنين العاشر من رمضان 1443 هجريا، نحتفل بمرور 50 عاما هجريا على انتصار أكتوبر العظيم، الموافق العاشر من رمضان 1393 هجريا.
فى العاشر من رمضان 1393 هجرية كانت مصر تعيش أجواء رمضان كالمعتاد، وفى الوقت نفسه كانت أجواء التوتر تخيم على المنطقة كالمعتاد أيضا منذ وقوع هزيمة يونيو 1967، وبعدها اشتعال حرب الاستنزاف.
طيلة السنوات الست لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت المعركة، والحديث عن المعارك والأحوال على جبهات القتال، إلى جانب بعض المحاولات الدبلوماسية «الخافتة»، للتهدئة وتخفيف حدة الأزمة.
شهر رمضان فى الذاكرة الإسلامية هو شهر أعظم الانتصارات، وكانت البداية غزوة «بدر الكبرى»، التى وقعت فى السابع عشر من رمضان، وتعتبر الانتصار الأول للمسلمين بقيادة النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، ضد أعداء الإسلام من قبيلة قريش، ومن حالفهم من العرب.
هذه المعركة كانت «فاصلة» فى تاريخ الإسلام، والانتصار فيها كان البداية الحقيقية لنشر الإسلام، وتوسعة نفوذ المسلمين، وتثبيت دعائمهم فى المدينة المنورة.
أما الحدث الأعظم الثانى للمسلمين فى رمضان، فقد كان فتح مكة، الذى وقع فى العشرين من رمضان فى العام الثامن من الهجرة.
إذا كان انتصار «بدر» هو البداية لتأسيس دولة الإسلام فى المدينة، فإن فتح مكة كان هو الانطلاقة الكبرى للمسلمين داخل الجزيرة العربية، ثم بعدها إلى العالم كله.
أيضا، فإن معركتى «القادسية» و«عين جالوت» اللتين انتصر فيهما المسلمون على الفرس والتتار، كانتا فى رمضان، حيث بدأت معركة «القادسية» فى شهر شعبان، لكن النصر النهائى كان فى شهر رمضان من العام ـ16 هجرية، الذى أنهى إمبراطورية الفرس من الوجود منذ ذلك التاريخ.
أما معركة «عين جالوت»، فقد وقعت فى 25 رمضان عام 658 هجرية، وانتصر فيها المسلمون على التتار، بعد أن عاثوا فسادا ودمارا فى البلاد الإسلامية حتى كانت نهايتهم فى تلك المعركة الفاصلة.
ولأن معارك رمضان كلها معارك فاصلة ومصيرية، فقد جاء انتصار أكتوبر 1973م، الموافق العاشر من رمضان 1393هـ، متماشيا مع تلك الانتصارات الكبرى والعظيمة.
ست سنوات من المعاناة عاشها العالم العربى بعد هزيمة يونيو 1967 القاسية، التى ضاعت فيها سيناء والجولان والأراضى الفلسطينية المحتلة، وأجزاء من الأردن ولبنان.
لم تمر السنوات الست هباء، وإنما كانت ملحمة فى الإعداد والتأهيل والتدريب، وإعادة بناء القدرات القتالية والبشرية. وخلالها، تم إطلاق حرب الاستنزاف التى كبدت العدو الإسرائيلى خسائر باهظة على مدى 3 سنوات منذ 1967 إلى 1970.
خلال تلك الفترة خاضت القوات المسلحة المصرية معارك بطولية رائعة فى «رأس العش»، ثم تدمير المدمرة «إيلات»، وغيرهما من المعارك المبهرة خلف خطوط العدو.
ولأن الرئيس البطل الراحل أنور السادات قارئ جيد للتاريخ، فقد قرر أن تكون «ساعة الصفر» لإطلاق المعركة الخالدة هى الثانية بعد ظهر السبت الموافق العاشر من رمضان 1393 هجرية، السادس من أكتوبر 1973 ميلادية.
فى «عز الصيام»، كما يقولون، انطلقت القوات المسلحة لتسجل أعظم وأهم الانتصارات العربية فى العصر الحديث، حينما نجحت فى عبور قناة السويس إلى سيناء، وتمكنت من الاستيلاء على الجزء الأكبر من الشاطئ الشرقى للقناة، وسقطت فى أيدى القوات المصرية نقاط تمركز العدو واستحكاماته القوية، ورفع الجنود المصريون فوقها العلم المصرى، بينما غطت على دوى المدافع وانفجارات القنابل أصوات الجنود والضباط الأبطال، وهم يكبرون «الله أكبر» لحظة رفع العلم المصرى فوق الأرض المصرية فى سيناء.
خرجت الصفحة الأولى من صحيفة «الأهرام» يوم السابع من أكتوبر، الموافق 11 رمضان، بمانشيت يقول «قواتنا عبرت القناة واقتحمت خط بارليف».
فى تفاصيل الخبر، أوضحت الأهرام أن الطيران الإسرائيلى لم يستطع على كثافة موجاته وقف تقدم قوات العبور المصرية. وفوق سماء المعركة، اشتبكت مقاتلات سلاح الجو المصرى مع الطائرات الإسرائيلية فى معارك جوية ضارية، سقطت خلالها للعدو 11 طائرة.
كانت صدمة عنيفة وموجعة للعدو الإسرائيلى، ولم يجد موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، ردا على أسئلة الصحفيين حول اقتحام القوات المصرية خط بارليف سوى أن قال «خط بارليف لم يكن سوى قطعة من الجبن الجرويير، فيه من الثقوب أكثر مما فيه من الجبن».
هكذا نجحت القوات المصرية الباسلة فى تحطيم أسطورة خط بارليف، وتحويله إلى قطعة من الجبن، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلى، لتقوم القوات المصرية بالتهامه وتدميره، وتتوالى بيانات القوات المسلحة فى ذلك اليوم العظيم، حتى جاء البيان الخامس فى الرابعة و6 دقائق ظهر يوم العاشر من رمضان، وقبل أذان المغرب بنحو ساعة ونصف الساعة، ليؤكد انتصار القوات المسلحة، ونجاحها فى اقتحام قناة السويس، ورفع العلم المصرى على الضفة الشرقية للقناة.
فى الجبهة الداخلية، استعدت مصر لمعركة طويلة، وتحملها المصريون بعزيمة الأحرار، وصبر المؤمنين، وقبول التحدى.
تم إيقاف الدراسة بالمدارس، وإنهاء العمل بالمحال العامة والمقاهى ودور السينما والمسارح فى الحادية عشرة مساء.
بالنسبة للسلع التموينية، فقد تقرر قصر بيع اللحوم وتوزيعها على يومين فقط فى الأسبوع، وتنظيم توزيع السكر والزيت والسلع التموينية على البطاقات التموينية فقط، مع تحديد حصة بكل محافظة للمصانع والمحلات العامة والفنادق والمستشفيات، تتولى توزيعها لجنة توزيع السلع بالمحافظة باعتماد المحافظ المختص.
اتخذ الرئيس البطل أنور السادات القرار فى لحظة من أعظم لحظات حياته، وتحمل بشجاعة منقطعة النظير مسئولية القرار، وقامت القوات المسلحة الباسلة بتنفيذ القرار، وهم يعلمون أنهم ليسوا ذاهبين إلى نزهة ولا إلى مغامرة، وإنما كانوا على موعد مع التاريخ… تاريخ صناعة الأمم، وتخليد أعظم الانتصارات.
لم يكن الجنود المصريون يحملون علم مصر فحسب، ولكنهم كانوا يحملون مستقبل ومصير أمة عربية بأسرها، وآمالا إنسانية أوسع من حدود الأرض العربية، انتصارا لقيم الحق والعدل والخير، ودحر العدوان.
حرب العاشر من رمضان كانت خامس الحروب العربية ـ الإسرائيلية بعد حرب 1948 (حرب فلسطين)، وحرب 1956 (حرب السويس)، وحرب يونيو 1967، وحرب الاستنزاف التى استمرت 3 سنوات (من 1967 إلى 1970)، ثم جاءت حرب العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر، لتعيد تغيير الإستراتيجيات والمفاهيم العسكرية، وتؤكد براعة الجندى المصرى «خير أجناد الأرض» فى تأدية جميع المهام العسكرية بمنتهى الدقة والجسارة والحسم.
استمرت حرب العاشر من رمضان 18 يوما، حتى الثامن والعشرين من رمضان 1393هـ، الموافق 24 أكتوبر 1973م. وطيلة تلك الأيام، سجلت القوات المصرية «وهم صائمون» أعظم الانتصارات، وانتزعت مساحات كبيرة من سيناء، لتبدأ مفاوضات فض الاشتباك من موقع القوة والعزة والكرامة، وتنسحب القوات الإسرائيلية من غرب القناة إلى شرقها عند خط ممرات متلا والجدى.
انتصار القوات المسلحة فى العاشر من رمضان منذ 50 عاما هجريا كان هو الخطوة الأساسية لانطلاق السلام، وعودة كل الأراضى المصرية، وآخرها منطقة طابا، التى عادت إلى أحضان الوطن فى 19 مارس 1989م، ليرتفع العلم المصرى عليها، معلنا تحرير كل ذرة رمل من الأراضى المصرية.
تحية تقدير وعرفان لشهداء القوات المسلحة وأبطالها فى الذكرى الخمسين «من الأعوام الهجرية» لانتصار العاشر من رمضان ١٣٩٣هـ، الموافق السادس من أكتوبر 1973م.