تجديد الهواء فى المناخ العام بعد مدفع الإفطار
تجديد الهواء فى المناخ العام بعد مدفع الإفطار
لم يكن إفطار يوم الثلاثاء الماضى على مائدة الأسرة المصرية، إفطارا تقليديا أو عاديا، وإنما كان إفطارا مملوءا بالمفاجآت السارة والمبادرات الرئاسية، التى أنعشت الحياة السياسية والاقتصادية، وحركت المياه الراكدة، وأطلقت العنان للطموحات والأحلام فى المرحلة المقبلة.
حينما انطلق مدفع إفطار الأسرة المصرية، لم يكن يتخيل أى من الحاضرين كل هذه المبادرات بعد الإفطار، رغم أن نوعية الحضور وتنوعه كان مؤشرا على بدء مرحلة جديدة من التنوع السياسى والثقافى.
كان من الواضح أن الفكرة مكتملة الوضوح فى عقل الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكانت بدايتها فى الاجتماع المطول الذى عقده مع الصحفيين والإعلاميين فى أقصى الجنوب فى توشكى، وتطرق فيه إلى القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية دون «مواربة» وبوضوح شديد.
فى إفطار الأسرة المصرية العائد بعد عامين من التوقف، نتيجة جائحة كورونا، كانت الرؤية قد اكتملت ليتم إعلانها وسط رموز الأسرة المصرية من الوجهين البحرى والقبلى، ومن سيناء، ومطروح ووسط حضور قوى للسيدات، والرجال، والشباب، ورموز من التيارات السياسية والفكرية والثقافية المختلفة.
بعد انتهاء الإفطار أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من المبادرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من أجل تجديد الهواء فى المناخ العام، وإعطاء قوة دفع إضافية لما يحدث على أرض مصر من إنجازات فى مختلف المجالات، بعد رحلة مملوءة بالتحديات والانكسارات والإنجازات عاشتها الدولة المصرية منذ عام 2011 حتى الآن.
الرحلة لم تكن سهلة أو «هينة» فالآثار الاقتصادية لا تسقط بالتقادم، كما أوضح الرئيس، وإنما تنسحب على الحاضر بكل قوة.
خلال فترة الأعوام الثلاثة التالية لثورة 2011، تم استنزاف الاحتياطى النقدى بشكل شبه كامل، وأرتفعت فاتورة مكافحة الإرهاب، وتكلفت القوات المسلحة فاتورة شهرية بلغت مليار جنيه على مدى 84 شهرا.
أى أن القوات المسلحة أنفقت على مكافحة الإرهاب مايقرب من 84 مليار جنيه بما يعادل حوالى 5 مليارات دولار بسعر السوق الآن تقريبا.
حدث إستنزاف رهيب للموارد المالية للدولة المصرية ولم يتوقف الأمر على استنزاف الموارد المالية فقط، لكنه امتد أيضا إلى الموارد البشرية.
ولأول مرة يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى حصرا دقيقا لعدد الشهداء فى معركة مكافحة الإرهاب، حيث وصل عدد الشهداء إلى 3277 شهيدا و12280 مصابا.. أى أن هناك حوالى 15 ألف أسرة مصرية تضررت من الإرهاب، إما بفقد شهيد أو إصابة أحد أبنائها.
إجمالى الخسائر الاقتصادية وصل إلى ما يقرب من 8 تريليونات جنيه، وانعكس ذلك على ارتفاع معدلات البطالة التى وصلت إلى 14٪ وكان من الممكن أن تصل إلى 20٪.
كانت فترة صعبة وعسيرة عاشتها الدولة المصرية من 2011 حتى 2014.. تلك الفترة التى شهدت قيام ثورتين فى مدى زمنى لا يتعدى 3 سنوات وخلال تلك الفترة هجر المواطنون أماكن العمل، وانتقلوا إلى الساحات والميادين والشوارع، لتتوقف عجلة العمل والإنتاج، وتصاب أجهزة الدولة بالشلل التام خلال تلك الفترة الصعبة من تاريخ مصر.
ولأن آثار الأزمات الاقتصادية لا تسقط بالتقادم فقد ورث الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد ولايته تركة مثقلة بالأعباء والأزمات، لدرجة أنه تم تخفيض تصنيف مصر الائتمانى 6 مرات قبل أن تستقر الدولة، مما أفقد الاقتصاد المصرى ثقة مؤسسات التمويل الدولية فى تلك الفترات السابقة.
وظف الرئيس عبدالفتاح السيسى علاقاته الطيبة والمتميزة بالدول العربية الشقيقة، مما ساعد على تدفق المساعدات الاقتصادية العربية للاقتصاد المصرى، بعد فترة الاستنزاف والركود الطويلة، وهو الأمر الذى ساعد على تخطى تلك المرحلة الصعبة.
على الجانب الآخر فقد سابق الرئيس عبدالفتاح السيسى الزمن وفى فترة وجيزة نجح فى تحويل مصر إلى ورشة عمل كبيرة، وانطلقت المشروعات القومية الكبرى فى كل المجالات.
صاحب ذلك إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى عام 2016 الذى كان بداية الانطلاقة الحقيقية لتصحيح مسار الاقتصاد المصرى، وإعادة ثقة مؤسسات التمويل العالمية فيه مرة أخرى، ليتحول التنصيف الائتمانى من سالب غير مستقر إلى +B مع نظرة مستقبلية مستقرة للمرة الرابعة على التوالى وذلك بسبب أن نمو الاقتصاد المصرى فاق أغلب الدول أثناء جائحة كورونا.
أطلقت الدولة المشروعات فى مجالات البنية التحتية من أنفاق وطرق ومحاور وشبكات مواصلات، إلى جوار إقامة مجمعات صناعية عملاقة فى كفر الدوار، ودمياط، والروبيكى، وشرق بورسعيد، وغيرها من المناطق الصناعية التى تستهدف توطين الصناعات فى مختلف المجالات، ونقل التكنولوجيا المتقدمة إلى مصر.
امتدت المشروعات القومية إلى المجال الزراعى بهدف استصلاح واستزراع ما يقرب من 4 ملايين فدان حتى عام 2030، ليضاف إلى رقعة مصر الزراعية حوالى 50٪ من مساحتها الحالية فى أكبر إنجاز زراعى عملاق منذ عصر محمد على.
الإصلاح الاقتصادى، وإطلاق المشروعات القومية الكبرى كان وراء قدرة الاقتصاد المصرى على مجابهة آثار وباء كورونا اللعين، الذى هبط على العالم منذ عامين، وأدى إلى تراجع الأداء الاقتصادى على مستوى العالم، وكانت مصر واحدة من الدول القليلة التى حققت نموا إيجابيا خلال فترة الجائحة تراوح بين 3٫2% إلى 3٫8%.
لكل ذلك فقد نجح الاقتصاد المصرى بسرعة شديدة فى التعافى من آثار جائحة كورونا، إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية هبطت فجأة على العالم وبدون سابق إنذار .
مشكلة الأزمة الروسية/الأوكرانية أن تأثيراتها مباشرة بعكس جائحة كورونا، لأن الحرب هناك أربكت العالم، وتحولت إلى حرب اقتصادية صريحة إلى جوار الحرب العسكرية.
على الفور تأثرت إمدادات الطاقة والغذاء، بشدة على مستوى العالم مما أدى إلى مضاعفة أسعار البترول والغاز، وكذلك الحال فى السلع الغذائية الإستراتيجية خاصة القمح والأذرة.
إشتعال أسعار الطاقة والمواد الغذائية امتد تأثيره على الأوضاع الاقتصادية فى مصر، حيث ارتفعت فاتورة إستيراد المواد البترولية من 6 مليارات دولار إلى 12 مليار دولار سنويا، كذلك تضاعفت فاتورة استيراد القمح، والأذرة، والزيوت.
على غرار ما حدث فى أزمة كورونا بسرعة تحركت الدولة المصرية وأعدت خطة للعبور الآمن لصدمة الحرب الروسية ــ الأوكرانية تمثلت فى توفير مخزون سلعى إستراتيجى لا يقل عن 6 أشهر، ورفع سعر الفائدة ليناسب حالة التضخم، وخفض مؤقت لسعر الجنيه من أجل خلق محفزات جديدة لتجاوز الأزمة، وزيادة التدفقات الاستثمارية الخارجية، والحفاظ على معدلات تحويلات المصريين بالخارج التى بلغت فى العام الماضى 31٫5 مليار دولار .
فى إفطار الأسرة المصرية يوم الثلاثاء الماضى أطلق الرئيس العديد من المبادرات لإنعاش الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى الدولة استكمالاً لمسيرة الإنجازات التى انطلقت فى السبع سنوات الأخيرة.
كانت أقوى المفاجآت السارة على مائدة الإفطار مبادرة الحوار الوطنى تحت مظلة «وطن يتسع للجميع» وشعار «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية» وهى المبادرة التى لاقت ترحيبا واسعا من كافة الأطياف السياسية واعتبروها خطوة مهمة ومدخلا أساسيا «للجمهورية الجديدة» بما يساعد على تحقيق حلم بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، ويعزز مبدأ «المواطنة المصرية» كأساس للعمل السياسى فى المرحلة المقبلة.
أهمية المبادرة أنها جاءت بعد معركة تثبيت أركان الدولة ومؤسساتها الرئيسية، والتى خاضها الجيش المصرى والشرطة ببسالة، ونجحا خلالها فى قطع دابر الإرهاب، ومطاردة فلوله فى كل شبر من أراضى الدولة المصرية.
تستهدف المبادرة الجديدة ترسيخ مبدأ التعددية السياسية، وتمكين الشباب سياسيا تمهيدا لإجراء الانتخابات المحلية التى تحتاج إلى حوالى 55 ألف كادر سياسى على المستويات المختلفة (قرى ــ أحياء ــ مراكز ــ مدن ــ محافظات) بحيث يكون هؤلاء هم قادة المستقبل فى إطار الدولة الوطنية «المنفتحة» سياسيا، و«القوية» اقتصاديا.
لم تكن مبادرة الاصلاح السياسى والحوار الوطنى وحدها مفاجأة إفطار الأسرة المصرية بل إن المفاجآت امتدت إلى العديد من المبادرات، خاصة مبادرة توطين الصناعة الوطنية، وإعطاء مزايا نسبية للمشاركين فيها، خاصة ما يتعلق بالإعفاء الضريبى لمدة خمس سنوات مما يسهم فى توفير احتياجات الأسواق من السلع الصناعية، وخفض الواردات الأجنبية التى تثقل كاهل الاقتصاد المصرى، حيث يبلغ عجز الميزان التجارى حوالى 4 مليارات دولار شهريا لصالح الواردات على حساب الصادرات غير البترولية.
فى الإطار الاقتصادى أيضا كلف الرئيس السيسى الحكومة بوضع خطة عاجلة لخفض حجم الدين، وخفض عجز الموازنة، والبدء فى طرح حصص من بعض الشركات المملوكة للدولة والقوات المسلحة فى البورصة قبل نهاية العام الحالى، والإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص فى الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات.
كل هذه المبادرات وغيرها كانت بمثابة حزمة من مفاجآت الإفطار السارة على مائدة الأسرة المصرية، لتدشين جمهورية جديدة قادرة على تخطى الصعاب وتحويل التحديات إلى فرص من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتسع لكل أبنائها.