الصحة.. «بوابة» التعاون بين مصر وإفريقيا

الصحة.. «بوابة» التعاون بين مصر وإفريقيا

 

ميزة إفريقيا أنها قارة «شابة»، و«واعدة»، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار و٣٠٠ مليون نسمة، من بينهم ٦٠% من الشباب على الأقل، وهو ما تتميز به القارة السمراء عن غيرها من قارات الدنيا.

على الجانب الآخر، هناك مشكلة خطيرة تعانيها إفريقيا، وهى «الصحة»، التى باتت مشكلة «مزمنة» تحتاج إلى علاج حاسم قبل أن تتفاقم، وتهدد مستقبل القارة «الشابة»، خاصة بعد أن ارتفعت نسبة وفيات الأطفال بها لتكون هى الأعلى بين قارات العالم، حيث تستحوذ على ٥٠% من وفيات الأطفال على مستوى العالم، وهى نسبة ضخمة، ومؤلمة، تهدد مستقبل القارة الشابة؛ إذا لم يتم الانتباه إلى تلك المشكلة، ووضع الحلول العاجلة والآجلة، لإيجاد مخرج من تلك الأزمة المتفاقمة.

الأمر المؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين الموارد، والقدرات الاقتصادية، ومستويات الخدمة الصحية، لكن، فى كل الأحوال، يجب ألا تكون هذه العقبة مبررا لـ «وأد» الأفكار، والحلول لتلك الأزمة.

مصر نجحت فى أن تكون نموذجا يُحتذى فى إيجاد مخرج لهذه الإشكالية، وذلك من خلال إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من المبادرات الصحية خلال الفترة الماضية، التى انعكست بشكل إيجابى على الأوضاع الصحية، وأسهمت فى انخفاض نسب وفيات الأطفال، وتخفيض طوابير الانتظار، وعلاج أمراض كان من المستحيل القضاء عليها مثل علاج فيروس «سى»، وقرب إعلان مصر خالية من هذا المرض اللعين.

فى المؤتمر الطبى الإفريقى الأول، خلال الأسبوع الماضى، شرح الرئيس عبدالفتاح السيسى التجربة ببساطة، التى نجحت فيها مصر بالتوفيق بين الإمكانات الاقتصادية المتواضعة، وحل معضلة الاحتياجات الصحية، وذلك من خلال إطلاق المبادرات الصحية، وهى فكرة مصرية خالصة، وقد نجحت هذه الفكرة فى تحويل «الأحلام» إلى «حقائق»، ولعل أكبر نموذج على ذلك مبادرة علاج فيروس «سى».

فيروس «سى» كان «الغول القاتل» الذى يهاجم أكباد المصريين بضراوة، وعنف، حتى أصبحت نسب وفيات مرضى الكبد هى الأعلى بين المصريين على مستوى قارات العالم، كما كانت هى الأعلى بين الأمراض الأخرى فى مصر.

ظل القضاء على فيروس «سى»، وعلاج أكباد المصريين حلما يراود كل المواطنين، خاصة هؤلاء الذين اكتووا بنيران المرض اللعين فى أنفسهم أو ذويهم، حتى أطلق الرئيس المبادرة الرئاسية للقضاء على فيروس «سى» فى أكتوبر ٢٠١٨، بهدف التخلص من هذا المرض اللعين، وإعلان خلو مصر منه.

كانت البداية صعبة، ودخلت مصر فى مفاوضات «ماراثونية» لتوفير العلاج، خاصة مع ارتفاع تكاليفه، التى كانت تصل إلى ما يقرب من ١٠ آلاف دولار لعلاج المريض الواحد.

تلك الأزمة أوجدت فكرة رائعة تبناها الرئيس هى فكرة «الشراء الموحد»، التى ترأسها بعد ذلك الدكتور بهاء زيدان، بعد أن تحولت إلى «هيئة الشراء الموحد».

هذه الهيئة، ومن خلال فن إدارة المفاوضات، نجحت فى الحصول على العلاج بتكلفة مالية مناسبة، وأرخص عشرات المرات من تكلفته التى كانت معلنة، ليتحقق الحلم الذى كان يصعب تصديق تحقيقه، ويتم علاج الملايين من المصريين من ذلك المرض اللعين، وتصبح مصر الآن خالية منه (لأول مرة) منذ أن تم تشخيصه قبل عشرات السنين.

وحول تجارب مصر «الملهمة» فى مجال المبادرات الصحية، ومستقبل هذه المبادرات، وإلى أين وصلت؟، وأفق التعاون مع القارة الإفريقية فى مجال الصحة للتغلب على مشكلاتها، التى تغتال نسبة كبيرة من أطفالها، ورجالها، ونسائها ــ تحدثت مع الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، والقائم بأعمال وزير الصحة والسكان، ودار الحوار التالى:

قلت: ذكرت خلال مؤتمر إفريقيا الطبى أن ٥٠% من وفيات الأطفال على مستوى العالم فى إفريقيا، وهو رقم مرعب، وخطير، يهدد مستقبل القارة الشابة.. فما الموقف بالنسبة لصحة أطفال مصر؟.. وكيف يمكن أن تساعد مصر إفريقيا فى هذا المجال؟

أجاب الدكتور خالد عبدالغفار: الموقف فى مصر مختلف تماما، فهناك رعاية كبيرة لصحة الأطفال، وتطعيماتهم، وتحصينهم ضد الأمراض، والآن تطورت سبل الرعاية للأطفال لتبدأ من صحة الأم الحامل والجنين معا.

هذه المبادرة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مارس ٢٠٢٠، حيث تم فحص مليون و٤٨٢ ألف سيدة من أصل ١٫٥ مليون سيدة مستهدفة، بإجمالى تكلفة بلغت ٥٥٫٥ مليون جنيه.

استهدفت المبادرة الكشف المبكر عن الأمراض التى تنتقل من الأم للجنين مثل فيروس «سى»، وفيروس نقص المناعة، ومرض الزهرى، وغيرها، وخلال فترة الحمل يتم توفير العلاج، والرعاية الصحية مجانا للأم والجنين، وبعد الولادة تتم المتابعة لمدة ٤٢ يوما، لاكتشاف عوامل الخطورة على الأم والمولود، واتخاذ الإجراءات الصحية المناسبة.

أما بعد الولادة، فهناك العديد من المبادرات للاهتمام بصحة الأطفال ورعايتهم مثل «المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية للأطفال حديثى الولادة»، بهدف الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية التى يبلغ عددها ١٩ مرضا مثل قصور الغدة الدرقية الخِلقى، وتضخم الغدة الكظرية الخِلقى، وأنيميا الفول، وغيرها من الأمراض، حيث يتم الكشف على الطفل من خلال سحب عينة من كعبه، وتحليلها من خلال معمل مجهز بأحدث الأجهزة فى هذا المجال، وصرف العلاج اللازم مجانا، وفقا للبروتوكولات المقررة من اللجنة العلمية التى تضم استشاريين من أساتذة الجامعات المصرية فى مختلف التخصصات.

توقف وزير التعليم العالى والقائم بأعمال وزير الصحة والسكان عن الحديث، ليُخرِج ملفا مهما من أمامه، ويُلفت نظرى إلى مبادرة علاج الضمور العضلى قائلا: هل تعلم تكلفة علاج مرض الضمور العضلى؟.. وكيف كان مشكلة كبيرة قبل هذه المبادرة؟

الآن تم فحص أكثر من ١٢ ألفا و ٣٠٠ حالة، وبلغ عدد الحالات المؤكدة ١٢١٧ طفلا، و٣٦ حالة إصابة بالضمور العضلى الشوكى، وقد تم تخصيص ٢٤ عيادة بالمحافظات، التى بدأت فى علاج الأطفال، وحقنهم بالعلاج الجينى.

سألت: هل هناك مبادرات أخرى متعلقة بالأطفال؟

أجاب الدكتور خالد عبدالغفار: هناك مبادرة للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم، أطلقها الرئيس فى ٢٠١٩ ، ومن خلالها تم فحص أكثر من ١١ مليونا و ٢١٥ ألف تلميذ من تلاميذ المرحلة الابتدائية، وعلاج المصابين منهم، ومتابعتهم دوريا من خلال ٢٥٥ عيادة تأمين صحى بجميع محافظات الجمهورية.

المبادرة الأخيرة التى تتعلق بالأطفال هى «مبادرة علاج ضعف وفقدان السمع للأطفال حديثى الولادة»، بهدف الاكتشاف المبكر لضعف أو فقدان السمع؛ لتجنب إصابتهم بالإعاقة السمعية، وقد تم تحديث شهادة الميلاد، وإدراج خانة الفحص السمعى بها، حيث يتم فحص الأطفال منذ اليوم الأول للولادة حتى عمر ٢٨ يوما.

كل هذه المبادرات نجحت فى محاصرة الأمراض التى كانت تفتك بصحة الأطفال، وتُودى بحياتهم، أو على الأقل، تؤدى بهم إلى الإعاقة الصحية.

مصر قدمت نموذجا رائعا فى هذا الإطار، والرئيس عبدالفتاح السيسى وجه بوضع كل هذه المبادرات تحت تصرف الأشقاء الأفارقة، وتقديم كل أوجه الدعم لتنفيذها فى دول القارة، بالتعاون مع وزارات الصحة المعنية، وقد بدأنا فعلا التعاون مع بعض الدول التى أبدت رغبتها فى هذا الإطار، ونقوم الآن بالتجهيز والإعداد، وتوفير كل المقومات، لإنجاح هذه المبادرات فى دول القارة.

قلت: بعيدا عن المبادرات الخاصة بصحة الأطفال.. هل هناك تعاون فى المبادرات الأخرى، خاصة ما يتعلق بتجربة مصر فى علاج فيروس «سى»؟

أجاب الدكتور خالد عبدالغفار قائلا: حينما ترأس الرئيس عبد الفتاح السيسى «الاتحاد الإفريقى» أطلق مبادرة «علاج مليون إفريقى من فيروس سى»، وقد شهدت المبادرة إقبالا كبيرا من المواطنين الأفارقة على عيادات الفحص التى حملت شعار «تحيا مصر ــ إفريقيا».

إلى جوار مبادرة «علاج فيروس سى فى إفريقيا»، فإن مصر لديها تجربة «ملهمة» فى القضاء على قوائم الانتظار المتعلقة بالجراحات العاجلة والحرجة، وقد شارك فى هذه المبادرة العديد من المستشفيات التابعة للقوات المسلحة والشرطة، والمستشفيات التعليمية والجامعية، والمؤسسة العلاجية، والمستشفيات الخاصة والعامة.

نجحت المبادرة فى إجراء أكثر من مليون و٢٢٠ ألف عملية جراحية كبرى، مما أسهم فى تخفيض قوائم الانتظار إلى نحو أسبوعين، ونعمل الآن على إنهاء قوائم الانتظار تماما، بحيث لا يضطر مريض إلى الانتظار وهو يتألم من شدة المرض.

انتهى حديث الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والقائم بأعمال وزير الصحة والسكان، وتبقى التجربة المصرية فى مجال المبادرات الرئاسية تجربة «ملهمة» لكل دول القارة الإفريقية، كى تستطيع الحفاظ على مزاياها النسبية كقارة «شابة، عفية، صحية، وواعدة»، على الرغم من صعوبات الموارد، ونقص الإمكانات.

Back to Top