السيسى وحديث المصارحة والإصلاح

بقلم: عبدالمحسن سلامة

أعتقد أن مداخلة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جلسة مواجهة ارتفاع الأسعار بالمؤتمر الدورى الثالث للشباب يوم الاربعاء الماضي، كانت هى الأهم والأبرز فى المؤتمر لأنها كانت نابعة من القلب وتحدث فيها الرئيس بصراحته المعهودة، وبتلقائية حول الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر مطالباً الشعب بضرورة الصبر، والتحمل لمدة عام آخر، مشيرا إلى أن تأخير الإصلاح يعنى استحالة تحقيقه، لأن الأزمة جاءت نتيجة تراكم المشكلات خلال العقود الطويلة الماضية، وبالتحديد منذ عام 1967 حينما توقفت حركة التقدم.

دائما مايكون حديث المصارحة مؤلما لكنه الألم الذى يأتى بالأمل فلا إصلاح حقيقيا دون مصارحة والرئيس عبدالفتاح السيسى جاء بعد فترة طويلة من تراكم المشكلات خاصة بعد ثورة 25 يناير التى أتت على الأخضر واليابس، وأدت إلى توقف عجلة الإنتاج، وهروب الاستثمارات، وانتشار حالة الفوضى والانفلات الأمني، وازدياد حدة المظاهرات والإضرابات،.

ولأن الاقتصاد المصرى «هش» و «ضعيف» فلم يتحمل ذلك، وهذه المشكلة التى يتخبط فيها الاقتصاد المصرى منذ عام 1967، وبعد ان كانت هناك نهضة صناعية وزراعية، توقفت حركة النمو، وتم توجيه الاقتصاد بكامله نحو الاستعداد للحرب حتى تحقق النصر فى أكتوبر 1973، وقام الرئيس السادات بمحاولة إنقاذ سريعة للاقتصاد المصرى لكنها كانت تتسم بالعجلة والاندفاع فتحولت مصر إلى سوق للنفايات، وتم فتح أبواب الاستيراد على مصراعيها، «سداح مداح»، وهكذا حتى جاء الرئيس الاسبق مبارك فقام بخطوات اصلاح اقتصادى ملموسة لكنها ظلت محدودة، وظل الاقتصاد المصرى اقتصاد «ريعيا» أى اقتصاد قائم على الخدمات والاستثمار العقارى والسياحة، وهذه النوعية من الاقتصاديات، لاتصمد للازمات،وتنهار بسرعة أمام أول «خبطة» وهو ماحدث عقب ثورة 25 يناير التى قامت من أجل الاصلاح إلا أنها انحرفت عن مسارها، وأنهار معها الاقتصاد المصرى بسرعة البرق، وتبخر الاحتياطي، النقدي، وأصيب الاقتصاد المصرى بالشلل التام، وأصبحت مصر تعيش على المعونات والإعانات حتى أصبحنا ننتظر شحنات النفط والغاز كى نطمئن على عدم انقطاع التيار الكهربائي.

ظل هذا الأمر حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى وكان لابد من مواجهة تلك التراكمات من المشاكل قبل أن يصبح حلها مستحيلا، فكان قرار الاصلاح الاقتصادى الذى لامفر منه.

لو أن الرئيس الأسبق أنور السادات استمر فى قرارات الاصلاح الاقتصادي، ولم يتراجع عنها لكان الوضع مختلفا الآن، لكن للأسف تراجع السادات عن خطوات الاصلاح الاقتصادى رغم أنه بطل الحرب والسلام، وجاء مبارك بعده واستمر على نفس النهج من المسكنات وعدم الاقتراب من خطوات الاصلاح حتى جاءت ثورة يناير وأطاحت بالاقتصاد أرضاً، ولم يعد هناك مفر من هذه المواجهة وإلا ظلت مصر تنتظر المعونة من هذه الدولة أو تلك، وتنتظر وصول شحنة النفط والغاز أو قطعها فجأة ودون أبداء الأسباب.

لايمكن لشعب أن يقبل على كرامته أن يعيش على المعونات ومد اليد، ومصر تملك من الإمكانات والقدرات الكثير، لكنها تحتاج إلى إستراتيجية إنقاذ متكاملة تعيد هيكلة اقتصادها وتحويله من الاقتصاد «الريعي» إلى الاقتصاد الإنتاجى المتكامل.

لقد أثبت الشعب المصرى خلال الفترة الماضية انه شعب واع بدليل أنه تحمل كل تبعات الإصلاح الاقتصادى من زيادة هائلة فى الأسعار، ولم يلتفت إلى هؤلاء الذين يريدون «جر» مصر إلى الخراب والتدمير كما حدث فى سوريا وليبيا واليمن والصومال والعراق.

اجتازت مصر أصعب مرحلتين الأولى أنها تجاوزت التآمر والفتن وأفلتت من مصير التخريب والتقسيم بعد نجاح ثورة 30 يونيو، ثم جاءت المرحلة الثانية، وتحملت صدمة الإصلاح الاقتصادى لتبقى مصر حرة عزيزة بعيداً عن الإعانات والمعونات من الدول الصديقة والشقيقة.

لم يتبق سوى القليل من أجل دوران عجلة العمل والإنتاج والانتهاء من مشروع المليون والنصف المليون فدان، وكذلك بدء ظهور إنتاج مشروع المليون رأس من الماشية، ودخول انتاج مزارع الاستزراع السمكى إلى الاسواق، والانتهاء من مشروع مدينة الأثاث والألف مصنع، وغيرها من المشروعات الانتاجية الضخمة، التى بدأ العمل فيها خلال الفترة الماضية.

من المهم استكمال تلك المشروعات وغيرها من المشروعات الانتاجية فمن العار أن نظل نستورد أكثر من 80%من احتياجاتنا من الخارج، ولابد أن تتغير تلك النسبة إلى العكس بحيث لايزيد الاستيراد على 20% على الاكثر، وفى مقابلها نقوم بتصدير نسبة أعلى تغطى تكلفة الاستيراد وتزيد، فهذه هى مقومات الاقتصاديات الناجحة، ودون ذلك ـ فاننا تظل «نلف وندور» حول أنفسنا فى الفراغ دون تقدم.

أيضا من المهم أن يشعر الشعب بالعدالة فى توزيع الاعباء، والبداية لابد من إصلاح ضريبى حقيقي، فالمليونيرات لايدفعون ضرائب والحديث عن الإصلاح الضريبى مازال قاصراً، ولابد من إيجاد حلول للاقتصاد الهامشي، لضمه للاقتصاد الرسمي، وتحصيل الضرائب المستحقة على المتهربين، فالعدالة ضرورية لكى يشعر الجميع بأنهم شركاء فى المسئولية.

يبقى أن تصمت الغربان وخفافيش الظلام فالشعب يلتف حول السيسى لانه يعلم مدى إخلاصه ورغبته فى قيام الدولة العصرية الديمقراطية المدنية الحديثة التى نحلم بها، ويثق فى قدرته على تحقيق ذلك الحلم.

رابط

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/591941.aspx

Back to Top