قصة القمم المصرية «الست» فى أسبوع

قصة القمم المصرية «الست» فى أسبوع

بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة
من الأربعاء 15 يونيو حتى الثلاثاء 21 يونيو، عقد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أى فى أقل من أسبوع، ستة اجتماعات قمم مختلفة، بدأت بالقمة المصرية ـ الأوروبية مع رئيسة المفوضية الأوروبية، السيدة أورسولا فون دير لاين، وانتهت بالقمة المصرية ـ السعودية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والأمير محمد بن سلمان، ولى عهد المملكة العربية السعودية.

بين القمتين عقد الرئيس 4 قمم مختلفة، متمثلة فى قمة منتدى سان بطرسبرج، برئاسة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والذى شاركت فيه مصر بوصفها الضيف الرئيسى، ثم بعدها بساعات قليلة شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال قمة منتدى الاقتصادات الكبرى حول الطاقة وتغير المناخ تحت رعاية الرئيس الأمريكى جو بايدن.

يوم السبت فى الأسبوع الماضى عقدت القمة المصرية ـ البحرينية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، وبعدها بيوم واحد، وبالتحديد يوم الأحد الماضى، عقدت القمة الثلاثية بين مصر والأردن والبحرين، بعد أن انضم الملك عبدالله الثانى بن الحسين، ملك الأردن، إلى الرئيس وملك البحرين.

أما القمة السادسة، فقد عقدت الثلاثاء الماضى بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولى عهد المملكة العربية السعودية.

القمم المصرية الست عقدت فى أقل من أسبوع، وتعكس تحولا تاريخيا فى السياسة الخارجية المصرية منذ بدء ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، لأنها أكدت، بوضوح، وضع ومكانة مصر، وعلاقاتها المتميزة مع أقطاب القوى الدولية الكبرى (أوروبا ـ أمريكا ـ روسيا). كما تعكس الدور الإقليمى والعربى القوى المتنامى لمصر من خلال 3 قمم عربية (البحرين والأردن والمملكة العربية السعودية).

قبل 8 سنوات كانت علاقات مصر «مأزومة» مع محيطها العربى والإفريقى، ووصلت إلى حد التجميد والمقاطعة فى الاتحاد الإفريقى، وكانت علاقاتها السياسية فى أدنى مستوياتها مع أمريكا وروسيا وأوروبا.

بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2014 بدأت مصر تنسج سياستها الخارجية بشكل متوازن، مستفيدة فى ذلك من الأخطاء السابقة التى وقعت فيها السياسة الخارجية على مدى عقود طويلة، من حيث الاستقطاب، وأحادية الاتجاه، على الرغم من شعار «عدم الانحياز».

كان شعار «عدم الانحياز» مجرد شعار بعيدا عن التطبيق، حيث ظلت مصر تتجه شرقا لأكثر من عقدين ونصف العقد من الزمان (الخمسينيات والستينيات حتى منتصف السبعينيات)، حتى وصلت العلاقات المصرية ــ الأمريكية إلى طريق مسدود تماما، انتهى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا فى 1967 بعد العدوان الإسرائيلى.

استمرت العلاقات المصرية تتجه نحو الكتلة الشرقية، بزعامة الاتحاد السوفيتى آنذاك، حتى قام الرئيس الراحل أنور السادات بطرد الخبراء الروس قبل معركة أكتوبر المجيدة فى 1973.

بعد حرب أكتوبر، اتجهت مصر، بقيادة الرئيس أنور السادات، إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها راعية السلام فى الشرق الأوسط، وأهملت العلاقات مع الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية لدرجة وصلت إلى حد «التجميد» تقريبا، وإن لم تصل إلى حد القطيعة.

فى بداية التسعينيات، انهار الاتحاد السوفيتى بعد إصدار مجلس السوفيت الأعلى إعلان الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية، وظهرت روسيا كوريث شرعى للاتحاد السوفيتى بعد تنازل «جورباتشوف» عن السلطة للرئيس الروسى «بوريس يلتسن».

هكذا كانت السياسة الخارجية المصرية، إما أن تتجه شرقا أو غربا حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، ليعيد ترتيب أوراق السياسة الخارجية المصرية بما يحقق مصالح الدولة المصرية، ويحقق شعار «عدم الانحياز»، قولا وفعلا، ويعيد التوازن إلى علاقات مصر الخارجية مع القوى الكبرى أو الإقليمية.

حافظت مصر على علاقاتها الإستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية، لكنها فى الوقت نفسه أحيت العلاقات الإستراتيجية مع روسيا دون أن تؤثر العلاقة بإحداهما على مسار العلاقة مع الثانية.

لم يقتصر التوازن فى السياسة الخارجية المصرية على القوتين الأمريكية والروسية فقط، لكنه امتد إلى العلاقات مع الصين والاتحاد الأوروبى.

الصين الآن قوة واعدة اقتصاديا وعسكريا، وهى ثانى أكبر اقتصاد عالمى بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن سبقت اليابان التى كانت تحتل تلك المرتبة.

كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية فى 1956، والآن تطورت العلاقات المصرية ـ الصينية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، وشهدت خطوات متسارعة للتعاون المشترك فى مختلف المجالات، وقد شارك أمس الأول الجمعة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال قمة الـ«بريكس بلس» برئاسة الرئيس الصينى شى جين بينج تأكيدا لتميز العلاقات المصرية ــ الصينية.

بالنسبة للعلاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبى، فقد شهدت نقلة نوعية خلال السنوات الثمانى الماضية، سواء على مستوى المفوضية الأوروبية أو على مستوى العلاقات الثنائية المصرية بالعديد من الدول الأوروبية.

على مستوى المفوضية الأوروبية، فقد عكس لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى مع السيدة أورسولا فون دير لاين حجم التطور الذى شهدته العلاقات المصرية ــ الأوروبية خلال السنوات القليلة الماضية، التى انعكست على تعزيز العلاقات بين الجانبين على مختلف الأصعدة (السياسية والاقتصادية والأمنية).

من المقرر، خلال الأيام المقبلة، اعتماد وثيقة أولويات المشاركة المصرية ـ الأوروبية «٢٠٢١ - ٢٠٢٧»، التى تحدد مسارات التعاون بين الجانبين، خاصة فى مجال الطاقة بعد أن تحولت مصر إلى مركز إقليمى للطاقة فى ظل ما تمتلكه من موارد ومحطتى تسييل الغاز فى إدكو ودمياط، والتعاون فى قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة (الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح).

بعد الأزمة الروسية ــ الأوكرانية تزايدت أهمية مصر كمركز إقليمى للطاقة فى إطار منتدى غاز شرق المتوسط، وتزايدت أهمية مصر فى توفير الغاز والطاقة للدول الأوروبية.

منتدى غاز شرق المتوسط تأسس فى 2019، ويقع مقره فى القاهرة، ويهدف إلى إنشاء سوق غاز إقليمى فى منطقة شرق المتوسط، بهدف تحسين العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء، وتأمين العرض والطلب، وكانت البداية بين مصر وقبرص واليونان، ثم انضمت فلسطين والأردن وإيطاليا وإسرائيل وفرنسا، وهناك بعض الدول التى تتخذ وضع «مراقب» مثل الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، والإمارات العربية.

الدول الأوروبية الآن تراهن على منتدى غاز شرق المتوسط لحل أزمة الغاز بها خلال الفترة المقبلة كبديل للغاز الروسي، وما تقوم به الدول الأوروبية من خفض اعتمادها على الغاز الروسى نتيجة اشتعال الأزمة الروسية ــ الأوكرانية.

اللافت للانتباه أنه فى ظل تصاعد الأزمة الروسية ـ الأوكرانية نجحت السياسة الخارجية المصرية فى انتهاج خط متوازن يراعى رفض الحرب والدعوة إلى السلام، وفى الوقت نفسه الاحتفاظ بعلاقات مصر القوية بمختلف الأطراف. وقد تجلى هذا المشهد يوم الجمعة قبل الماضى، الموافق 17 يونيو، حينما شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى، عبر تقنية الـ«فيديو كونفرانس»، فى الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة والعشرين لمنتدى سان بطرسبرج الاقتصادى الدولى تحت رعاية الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، وشاركت فيه مصر كضيف رئيسى، وألقى الرئيس عبدالفتاح السيسى كلمة خلاله أشاد فيها بالمستوى المتميز الذى وصلت إليه العلاقات المصرية ـ الروسية على مدى السنوات الأخيرة.

فى مساء يوم الجمعة نفسه بتوقيت القاهرة، شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى كذلك، عبر تقنية الـ«فيديو كونفرانس»، فى قمة منتدى الاقتصادات الكبرى حول الطاقة وتغير المناخ تحت رعاية الرئيس الأمريكى جو بايدن، وألقى الرئيس كلمة بمناسبة استضافة مصر الدورة الـ27 لقمة المناخ العالمية، المقرر عقدها فى نهاية العام الحالى بمدينة شرم الشيخ.

مشاركة الرئيس فى المؤتمرين تعبر بوضوح عن خط مصر المستقل فى السياسة الخارجية، ونجاح تلك السياسة فى أن تكون محل احترام وتقدير من كل الأطراف، بعيدا عن التجاذبات السياسية، ولغة الاستقطاب الحاد التى تتبناها هذه الدولة أو تلك.

ما حدث بعد ذلك من قمم عربية بين مصر والبحرين والأردن والمملكة العربية السعودية، ثم لقاء أمس السبت مع الشيخ تميم بن حمد آل ثانى أمير قطر، جاء تعزيزا لذلك النهج، وفى إطار التنسيق العربى ــ العربى، استعدادا لزيارة الرئيس الأمريكى المنطقة خلال الشهر المقبل، بعد أن أعاد جو بايدن النظر فى سياسته تجاه دول المنطقة على أمل أن تستعيد أمريكا دفء العلاقات مع مصر ودول الخليج والعراق والأردن.

ولأن العلاقات المصرية ــ السعودية هى حجر الزاوية فى العلاقات العربية ـ العربية، فقد جاءت زيارة ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، الأخيرة إلى مصر فى إطار جولته فى بعض دول المنطقة، استمرارا للتنسيق والتعاون المشترك، وتأكيدا للعلاقات التاريخية الراسخة، والأواصر الأخوية الوثيقة، والمصير المشترك بين الشعبين الشقيقين والقيادتين فى الدولتين.

أعتقد أن الأيام المقبلة سوف تشهد المزيد من التحركات واللقاءات فى إطار التنسيق لزيارة الرئيس الأمريكى المنطقة، بهدف تحقيق السلام العادل والشامل فى المنطقة على أساس حل الدولتين، وانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها فى 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، وهذه هى الرسالة التى يجب أن يفهمها «بايدن» جيدا، ولن يحدث ذلك إلا بالمزيد من التنسيق العربى ــ العربى، والتمحور حول السياسة الخارجية المصرية الجديدة، التى تحتفظ بخطها المستقل، بعيدا عن أحادية الاتجاه، ولغة الاستقطاب الدولية السائدة الآن.

Back to Top