مصر من «قبضة الخوف» إلى «استعادة القوة»
مصر من «قبضة الخوف» إلى «استعادة القوة»
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
«مصر فى قبضة الخوف».... كان هذا هو مانشيت «الأهرام» فى العدد الصادر صباح 30 يونيو 2013.
تفاصيل الصفحة الأولى عبرت بواقعية تامة عن حالة مصر فى هذه الأيام، حيث كانت تعيش حالة من الترقب والخوف والقلق عشية المظاهرات التى تعتزم القوى السياسية تنظيمها يوم 30 يونيو للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ورحيل الإخوان.
فى أسفل الصفحة بيان لوزارة الصحة عن 7 حالات وفيات و703 مصابين فى الاشتباكات التى شهدتها عدة محافظات بين المتظاهرين، وخبر آخر عن استشهاد مفتش الداخلية بمديرية أمن سيناء العميد محمد هانى، وإصابة الجندى محمد غريب نتيجة الاعتداء عليهما من مجهولين يستقلون سيارة دفع رباعى وفروا هاربين.
خبر آخر أسفل الصفحة الأولى يشير إلى ضبط صواريخ وقنابل وأسلحة فى رفح والجيزة حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط سيارة ملاكى بالقرب من المنطقة الحدودية برفح بها صواريخ وقنابل وألغام وأسلحة، منها خمسة صواريخ، «جراد»، وكميات من القنابل اليدوية، والألغام الأرضية والأسلحة الآلية، كما تمكنت مباحث الجيزة من ضبط 3 صواريخ و5 بنادق آلية وكميات كبيرة من الطلقات بعد مطادرة، وتبادل لإطلاق النار مع مسلحين حاولوا اقتحام كمين بالمنطقة الصحراوية بأكتوبر.
الصفحة الأولى بالأهرام عبرت بواقعية تامة عن حالة مصر فى ذلك التوقيت، كان الكل يحبس أنفاسه، وشوارع القاهرة يوم 29 يونيو كانت شبه خالية، وكان الرهان على الخروج الكبير للشعب المصرى يوم 30 يونيو بعد أن وصلت مصر إلى حالة الشلل التام، فى جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
فى يوم الاثنين الموافق 1 يوليو خرجت الصفحة الأولى بالأهرام ترصد خروج الملايين فى 30 يونيو تحت عنوان: الملايين تهتف «تحيا مصر»، ونقلت الصفحة الثالثة عن شبكة «سى.إن.إن» الإخبارية وصفها للمظاهرات بأنها كانت مظاهرات ضخمة وغير مسبوقة.
الحشود الهائلة غطت ميدان التحرير والميادين الرئيسية فى القاهرة والمحافظات، ووقعت 4 حالات وفاة بين المتظاهرين فى أسيوط والفيوم، وقام مجهولون بإطلاق النار على المتظاهرين فى أسيوط، وفروا هاربين إلى الشارع المؤدى إلى حزب الحرية والعدالة المتفرع من شارع المحافظة فى أسيوط.
هكذا كانت الأحداث الساخنة فى ميادين وشوارع مصر حتى استجاب الجيش للمظاهرات العارمة وأمهل الجميع 48 ساعة فى اليوم الأول من يوليو حتى لايتعرض الأمن القومى لمزيد من الخطر والتدهور، لكن عدم الاستجابة وانتهاء المهلة كان موقفا فاصلا لتبدأ خارطة المستقبل التى أعلنها الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة 2013 بحضور عدد من الرموز السياسية والدينية والعسكرية يوم 3 يوليو ولتبدأ معها رحلة إنقاذ مصر خلال السنوات التسع الماضية.
تذكرت كل هذه الأحداث وأنا أتابع تصريحات الرئيس الجزائرى المنشورة فى الصفحة الأولى بجريدة الأهرام أول أمس الجمعة خلال استقباله د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فى قصر الرئاسة بالجزائر عقب اجتماعات اللجنة العليا المصرية ــ الجزائرية التى عقدت برئاسة رئيسى الوزراء فى الدولتين.
الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون أشاد بالعلاقات الأخوية التى تربطه بالرئيس عبدالفتاح السيسى قائلا: الرئيسى السيسى رجل محب لوطنه، واستعادت مصر فى ظل رئاسته قوة وزخما وندعو له بالتوفيق.
هذا هو الفارق الضخم بين مصر فى 3 يوليو 2013، ومصر فى 3 يوليو 2022... من دولة كانت تقع فى قبضة الخوف، ودماء تسيل فى الشوارع، واغتيالات واعتداءات بحق المدنيين وقوات الأمن، ودولة مهددة بالانهيار، إلى دولة قوية وقادرة على مواجهة التحديات الدولية والإقليمية.
كان التحدى الأكبر هو الحفاظ على الدولة من السقوط والانهيار، واستعادة الأمن المنهار بعد أن سيطرت العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية على مقاليد الأمور، وأصبحت لها الكلمة العليا فى الأحداث، وكانت الجرائم الجنائية تقع ليل نهار على مرأى ومسمع الجميع، فى حين تزايدت العمليات الإرهابية فى سيناء على وجه الخصوص وامتدت إلى كل المحافظات المصرية بلا استثناء، ولم يكن يمر يوم إلا ويتم الإعلان عن حادث إرهابى ضخم جديد فى رفح والشيخ زويد، والعريش، وامتدت تلك الحوادث الإرهابية إلى قلب القاهرة حتى وصلت إلى أبواب مديرية أمن القاهرة، وزحفت إلى الأميرية والمطرية، ومسطرد، ومنها إلى الإسكندرية، والدقهلية وباقى محافظات الجمهورية بلا استثناء.
أما الحوادث الجنائية من سطو مسلح، وسرقة سيارات، وحوادث الخطف، فقد كانت سمة عادية لتلك الأيام، بعد أن ترعرعت العصابات الإجرامية، وأصبحت لها الكلمة العليا فى الكثير من التفاصيل للحياة اليومية فى كل المناطق بلا استثناء.
فاقم الأوضاع سوءا تدهور الوضع الاقتصادى إلى أسوأ حالاته وظهرت مصطلحات جديدة وغريبة مثل مصطلحات «شهداء الخبز»، و«شهداء الغاز» وهم الضحايا الذين كانوا يتساقطون أمام المخابز ومستودعات الغاز أثناء اصطفافهم فى الطوابير الطويلة للحصول على حصتهم من أرغفة الخبز أو أسطوانات الغاز.
إلى جوار ذلك انهارت الكهرباء وتزايدت ساعات انقطاع التيار الكهربائى بشكل يومى مما دعا هشام قنديل رئيس الوزراء خلال تلك الفترة إلى إطلاق تصريحات كانت محل سخرية الصحافة والإعلام آنذاك، حينما طالب بارتداء الملابس القطنية الخفيفة، وعدم تشغيل أجهزة التكييف المنزلية، أما التصريح الأغرب فصدر من رئيس الدولة حينذاك محمد مرسى حينما اتهم بعض العمال بغلق «سكينة الكهرباء فى المحولات» وتركها دون فتح، وكأن مصر كلها على «سكينة» كهرباء واحدة!!!
سيطرت نظرية «المؤامرة» على صناع القرار آنذاك، وتركوا أسباب الأزمات الرئيسية، وتفرغوا للفرعيات والمؤامرات، فازدادت المشاكل تعقيدا، وتفاقمت الأوضاع سوءا، وانهار الاقتصاد المصرى إلى «أسوأ» أوضاعه، وبلغ حجم خسائر الاقتصاد المصرى بسبب تلك الأحداث أكثر من 440 مليار دولار، مما انعكس سلبيا على تصنيف مصر الائتمانى، واهتزت ثقة المؤسسات الدولية فى قدرة الاقتصاد المصرى، ووصل الاحتياطى النقدى إلى أدنى مستوياته.
وسط تلك الظروف والأحداث «المضطربة» كان قرار 3 يوليو وإعلان الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة حينذاك خارطة المستقبل التى تم التوافق عليها مع عدد من الرموز الدينية والوطنية والشباب، وتضمنت تعطيل العمل بالدستور، وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية.
تضمنت خارطة المستقبل أيضا تشكيل لجنة تضم جميع الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتاً.
هكذا تم إسدال الستار على «حقبة مؤلمة» من التاريخ المصرى الحديث كانت فيه كيانات الدولة المصرية مهددة بالانهيار ودفعت بالدولة ومؤسساتها إلى نفق مظلم كان من المستحيل الخروج منه كما حدث فى دول أخرى شقيقة مازالت تعانى حتى الآن مثل اليمن وليبيا وسوريا وتونس، وهى الدول الأربع التى وقعت فيها ثورات فى نفس توقيت الثورة المصرية تقريباً لكنها غرقت فى بحر الرمال السياسية المتحركة، وغاصت فيها حتى الآن، رغم كل محاولات الخروج الجادة والصادقة من الداخل والخارج على السواء.
نجحت مصر بقواتها المسلحة وشعبها فى تجاوز «الزلزال العنيف» الذى ترك «بصمات غائرة» مازال المجتمع يعانى منها حتى الآن، ورغم كل ذلك فقد استطاعت الدولة المصرية «لملمة» شملها من جديد، وتضميد جراحها، والانطلاق بكل قوة فى اجتثاث جذور الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الدولة المصرية.
إلى جوار مكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار نجحت الدولة المصرية فى استعادة كل مصادر قوتها السياسية والاقتصادية خلال السنوات التسع الماضية، ولعل ماحدث خلال الأسبوعين الماضيين من نشاطات سياسية مكثفة كانت القاهرة محورها الرئيسى، والتى انتهت بزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى دولتى عمان والبحرين فى إطار بلورة رؤية عربية موحدة فى مواجهة الأزمات الدولية الحالية، وتوابع الأزمة الروسية الأوكرانية، وكذلك من أجل التحضير لزيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن المنطقة فى منتصف الشهر المقبل.
فى هذا السياق جاء تصريح الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون باستعادة مصر قوتها بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتتماشى مع حالة التغيير الكبير الذى شهدته الدولة المصرية من توترات وأزمات وانتقالها إلى مصاف الدول القوية القادرة والمستقرة التى تقود شعبها وأمتها العربية بكل حكمة واقتدار.