حوار الفرصة الأخيرة من «بطرسبرج» إلى شرم الشيخ
حوار الفرصة الأخيرة من «بطرسبرج» إلى شرم الشيخ
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
لم يكن أحد يتخيل أن يأتى اليوم الذى ترتفع فيه درجات الحرارة فى ألمانيا وبريطانيا وإسبانيا، وغيرها من الدول الأوروبية، إلى أكثر من 40 درجة مئوية، وأن تشتعل الحرائق بكثافة هناك، مما يؤدى إلى مصرع المئات، وتشريد الآلاف فى تلك الدول ذات المناخ البارد.
لم يعد خطر التغيرات المناخية مجرد "توقعات" أو "نظريات علمية محتملة"، وإنما أصبح حقيقة واقعة تعانيها البشرية فى كل مكان، وفى كل قارات الدنيا.
من هنا كان اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بهذه القضية الحيوية، خاصة فى ظل رئاسة مصر الدورة الـ«27» للمناخ، المقرر عقدها فى نوفمبر المقبل بشرم الشيخ.
جولة الرئيس الأوروبية، التى انطلقت فى الأسبوع الماضى، وبدأت من ألمانيا، وشملت صربيا وفرنسا، تركزت على كيفية التحضير الجيد لمؤتمر قمة المناخ «COP27» فى شرم الشيخ، بالإضافة إلى سبل دعم العلاقات الثنائية مع هذه الدول.
كانت البداية فى العاصمة الألمانية، حيث انطلق حوار «بطرسبرج» للمناخ بمشاركة وزراء 40 دولة فى وقت كانت فيه درجات الحرارة ترتفع إلى أعلى معدلاتها فى بعض بلدان القارة الأوروبية، مما أضفى على الحوار «سخونة زائدة»، و«واقعية شديدة"، جعلت المشاركين أكثر "حماسا» وتأثرا فى مناقشات قضايا المناخ المطروحة على أجندة الحوار، التى تمهد الطريق إلى قمة «الفرصة الأخيرة» فى شرم الشيخ نهاية العام الحالى.
أعتقد أن قمة شرم الشيخ هى بالفعل قمة الفرصة الأخيرة أمام قادة العالم لإنقاذ البشرية من مستقبل محفوف بالمخاطر، يهدد بزيادة معدلات التصحر والجفاف، وما يستتبع ذلك من مخاطر على الأمن الغذائى، وزيادة معدلات الفقر والجوع فى العديد من دول العالم.
فى العام الماضى، شهدت ولاية تكساس الأمريكية موجة غير مسبوقة من ارتفاع درجات الحرارة، وشهدت كاليفورنيا اندلاع موجة هائلة من الحرائق، وهذا العام انتقلت الحرارة إلى أوروبا، ولا ندرى أى المحطات المقبلة التى سوف تتعرض لمخاطر التغيرات المناخية وتبعاتها.
فى القمة الـ«26»، التى عقدت فى «جلاسجو» العام الماضى، وقف رئيس الوزراء البريطانى المستقيل، بوريس جونسون، محذرا العالم من تداعيات التغير المناخى، واحتمال اختفاء مدن بكاملها (الإسكندرية فى مصر، وميامى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وشنغهاى فى الصين)، وناشد المجتمع الدولى ضرورة التكاتف، للسيطرة على معدلات ارتفاع درجات الحرارة قبل أن تصل إلى مرحلة اللاعودة، وذوبان الجليد، واختفاء مدن بكاملها، وانتشار التصحر والجفاف.
أما الرئيس الأمريكى، جو بايدن، فقد أعلن الأربعاء الماضى أن «تغير المناخ خطر واضح وقائم»، معلنا استثمار 2,3 مليار دولار فى المساعدة على بناء بنية تحتية أمريكية، لمواجهة التغيرات المناخية.
تحدث "بايدن” بلهجة حادة غير معتادة فى الخطاب الذى ألقاه من محطة مغلقة لتوليد الكهرباء، كانت تعمل بالفحم، قائلا إن ادارته لن تتردد فى القيام بكل ما هو ضرورى، سواء بموافقة النواب أو دونها، مضيفا أن "الكونجرس لا يتصرف كما يجب.. هذه حالة طارئة، وسأنظر إليها بهذه الطريقة كرئيس.. سأستخدم سلطاتى التنفيذية لمكافحة أزمة المناخ”.
لغة ربما لا تكون معتادة فى السياسة الأمريكية، لكنها تنم عن أزمة عميقة يستشعرها الرئيس الأمريكى، وتهدد بلاده، مما يستدعى التدخل بشكل طارئ, لتخفيف آثارها المتوقعة.
كان البعض يأمل أن يعلن "بايدن" حالة طوارئ مناخية، تماشيا مع مطالب بعض النواب، لكنه لم يفعل ذلك، واكتفى بهذه "اللهجة" الحادة والصارمة.
فى الحقيقة أن «بايدن» أفضل كثيرا من سلفه «ترامب» الذى كان يتجاهل تلك الأزمة، وأخرج أمريكا من اتفاقية «باريس للمناخ»، وهو ما دعا «بايدن» إلى توقيع أمر تنفيذى أعاد بمقتضاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاقية باريس، وأعقب ذلك إصدار إعلان يتضمن تخفيض الولايات المتحدة الأمريكية انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 50٪ بحلول 2030.
لكل ذلك جاءت أهمية مشاركة مصر فى حوار «بطرسبرج» للمناخ بألمانيا، ورئاسة مصر وألمانيا هذا الحوار الذى تركز حول كيفية دعم جهود مكافحة التغيرات المناخية، والتحضير لقمة شرم الشيخ، بوصفها قمة «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ العالم، والتقليل من المخاطر التى يمكن أن تهدد مستقبل البشرية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى أشار، فى كلمته، إلى أن العالم يواجه تحديات متعاقبة وغير مسبوقة، فى مقدمتها أزمة الطاقة العالمية، وأزمة الغذاء، وهو ما يضع على عاتق المجتمع الدولى مسئولية جسيمة حتى لا تؤثر هذه الأزمات على وتيرة تنفيذ استحقاقات مواجهة تغيرات المناخ التى أقرها المجتمع الدولى فى اتفاق «باريس»، وأكدها فى قمة «جلاسجو» فى العام الماضى.
حذر الرئيس من تأجيل تنفيذ هذه الاستحقاقات بعد أن باتت التغيرات المناخية تمثل تهديدا وجوديا للكرة الأرضية كلها، مما يتطلب تكاتف جميع الأطراف الحكومية وغير الحكومية لتنفيذ تعهداتها ووعودها من أجل تحقيق النتائج المرجوة لمصلحة جميع الدول والشعوب.
أعتقد أن الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وما تبعتها من تداعيات وتأثيرات سلبية على أزمتى الغذاء والطاقة ألقت بظلالها الكئيبة أيضا على مستقبل مواجهة تحديات التغيرات المناخية، خاصة فيما يتعلق بانخفاض الانبعاثات الضارة، وعدم استخدام الوقود الأحفورى فى توليد الطاقة.
للأسف الشديد، فإن ألمانيا نفسها بدأت فى اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة تنشيط محطات الطاقة التى تعمل بالفحم، خشية انقطاع الغاز الروسى، فى ظل عدم تدبير بديل ملائم حتى الآن، مما يهدد بشتاء قارس وقاسٍ على الشعب الألمانى.
صحيح أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، أكدت، على هامش حوار «بطرسبرج»، أن تنشيط محطات الطاقة التى تعمل بالفحم، أمر «احتياطى طارئ» لفترة قصيرة، وأن ذلك الإجراء لا يعنى تخلى ألمانيا عن هدف الحد من زيادة احترار الأرض على ١.٥ درجة مئوية.
قد يكون حديث وزيرة الخارجية الألمانية «صادقا»، لكن تبقى المشكلة قائمة، خاصة فى تلك الدول التى لا تملك الإمكانات الضخمة لدولة ألمانيا، وتعانى ارتفاع تكاليف المعيشة فى ظل أزمتى الغذاء والطاقة المتفجرتين على المستوى العالمى.
من هنا يبرز دور المجتمع الدولى فى الالتزام بمقررات اتفاقية باريس للمناخ، التى دخلت حيز التنفيذ رسميا منذ 6 سنوات، وتستهدف الحد من الانبعاثات الضارة التى أسهمت فى ظاهرة الاحتباس الحرارى.
لابد من قيام الدول الغنية والصناعية الكبرى بدورها فى تمويل استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، وتجنيب أزمة التغيرات المناخية، بعيدا عن الصراعات والخلافات بين الدول الكبرى، على اعتبار أن تلك الكارثة سوف تصيب الجميع دون استثناء.
هذه الدول مطالبة بتمويل احتياجات الدول النامية والفقيرة، بوصفها الأكثر تضررا من أزمة المناخ على الرغم من أنها الأقل مشاركة فى تلك الأزمة.
الدول الصناعية الكبرى والغنية هى المتسبب الأعظم فى كارثة التغيرات المناخية على مدى عقود طويلة، وعليها أن تتحمل مسئوليتها بشكل كامل وحقيقى، لإنقاذ مستقبل البشرية على كل مناطق الكرة الأرضية.
إضاعة الفرصة الأخيرة فى قمة شرم الشيخ (COP27) سوف تكون بمثابة قرار بالإعدام للكرة الأرضية، ومن هنا تأتى جهود مصر المكثفة، لضمان نجاح تلك القمة من أجل اللحاق بالعربة الأخيرة فى قطار إنقاذ مستقبل البشرية.