المحليات.. فريضة «مهمة» على مائدة «الحوار الوطنى»

المحليات.. فريضة «مهمة» على مائدة «الحوار الوطنى»

يجب ألا تكون المحليات فريضة «غائبة»، أو «هامشية»، على مائدة «الحوار الوطنى»، بل يجب أن تكون ضمن أولويات الحوار، باعتبارها قاطرة مهمة للتنمية، ومدرسة مبكرة لخلقْ أجيال من السياسيين، وكذلك من أجل الإسراع بإخراج تشريع الإدارة المحلية إلى النور قريبا؛ للبدء فى دوران عجلة انتخابات المحليات، وخلقْ توازن دقيق بين صلاحيات المحافظين، ورقابة المجالس المحلية.

المحليات، بمفهومها الواسع، هى الإدارة المحلية التنفيذية بكل مستوياتها، بدءا من رئيس القرية، مرورا برئيس الحى، والمدينة، وانتهاء بالمحافظ، وهى، أيضا، المجالس المحلية، بدءا من مجلس محلى القرية، مرورا بمجالس المدن، والأحياء، وانتهاء بمجالس المحافظات.

من أجل ذلك، فإن المحليات، بمفهومها الشامل، هى نقطة البداية فى أى إصلاح حقيقى، لأنها الأكثر ارتباطا بالمواطن بشكل مباشر فى حياته اليومية فى كل مكان على الأرض المصرية (القرى ــ الأحياء ــ المدن - عواصم المحافظات)، فهى التى تقدم الخدمة المباشرة للمواطن، سواء كان ذلك يتمثل فى النظافة، أو الرصف، وكذلك هى المسئولة عن جودة الخدمات بكل أنواعها التى يتم تقديمها إلى المواطن.

الرئيس عبدالفتاح السيسى أطلق فى يوليو من العام الماضى مشروعا هو الأضخم من نوعه فى العصر الحديث، وهو مشروع «حياة كريمة» لتطوير القرى المصرية، وتوابعها.

 

 

هذا المشروع اعتبرته الأمم المتحدة المشروع الأضخم، والأهم فى مجال التنمية المستدامة، لأنه سوف يسهم فى تغيير حياة مواطنى القرى المصرية الذين يشكلون أكثر من ٦٠ % من إجمالى عدد السكان فى مصر.

لأول مرة فى تاريخ الدولة المصرية، وبعد الانتهاء من مراحل تنفيذ المشروع، سوف تتحقق المساواة الكاملة بين المواطنين بمفهومها الشامل فى نوعية الخدمات، ومستوى جودة الخدمة.

قبل ذلك كانت القرى، وسكانها فى «ذيل» القائمة، رغم أنها «المعقل الصلب» للدولة المصرية، وقوامها الرئيس، بالإضافة إلى أنها تضم النسبة الأكبر من عدد السكان.

انطلاق مشروع «حياة كريمة»، وقرب انتهاء أعمال المرحلة الأولى منه؛ يتطلبان البحث عن طريقة للحفاظ على تلك النقلة النوعية، وذلك الإنجاز التاريخى غير المسبوق؛ حتى لا نعود إلى نقطة البداية، والمربع «صفر» مرة أخرى بالإهمال، والتقاعس، وعدم المتابعة.

أتمنى أن يكون محور المحليات محورا خاصا، ومستقلا ضمن محاور «الحوار الوطنى»، على أن يدور الحوار على المستويين (التنفيذى، والشعبى).

المستوى التنفيذى يحتاج إلى نقاش واسع، ومستفيض حول صلاحيات الجهاز التنفيذى، ومسئولياته، وسلطة محاسبته من خلال المحاور التالية:

أولا: إعادة النظر فى سلطات المحافظين، وتوسيع السلطات الممنوحة لهم فى تصريف شئون محافظاتهم، ووضع رؤية متكاملة تتسق مع خطة الدولة بما يبرز خصائص كل محافظة، ومزاياها النسبية، وحل مشكلاتها.

ثانيا: سلطات المحافظين يجب أن تمتد إلى الأجهزة التنفيذية فى المحافظات (صحة، وتعليم، وطرق، ومياه، ونظافة،... الخ)، بحيث يتمكن كل محافظ من متابعة الجهاز التنفيذى الواقع فى دائرة محافظته، على أن يكون للمحافظ سلطة التعيين، والإقالة لهؤلاء المسئولين التنفيذيين بالتنسيق مع الوزارات المعنية.

ثالثا: منح المحافظ صلاحيات كاملة فى بعض الأمور، خاصة فيما يتعلق بملف النظافة، ذلك الملف الحائر، الذى لايزال يعانى «التخبط»، وعدم وجود أب «شرعى» له حتى الآن، ومن الضرورى إعطاء المحافظ السلطة الكاملة فى هذا الملف حتى تنتهى أزمة النظافة «المتفاقمة» فى الكثير من المحافظات دون حلول جذرية بسبب توزيع المسئولية بين الجهات المتعددة، والتداخل الواضح بين السلطات المركزية، والمحلية فى هذا الإطار.

أيضا، فإن ملف وقف التعديات، وإزالتها يجب أن ينتقل كاملا إلى المحافظات، بحيث ينتهى ذلك الصداع المزمن، فمن غير الطبيعى أن تنتظر المحافظات قيام حملات الإزالة المركزية لإزالة المخالفات والتعديات، وهى الحملات التى يستغرق تجهيزها بعض الوقت، مما يؤدى إلى «شرعنة» المخالفات والتعديات، بمنطق الأمر الواقع.

رابعا: فتح باب النقاش حول دور، ومسئوليات وزارة التنمية المحلية، وتحولها إلى وزارة للحكم المحلى يتولى قيادتها وزير بدرجة «نائب رئيس وزراء»، يتولى رئاسة اجتماع مجلس المحافظين فى حالة غياب رئيس الوزراء، ويتابع أداء كل محافظ بشكل يومى، ومنح صلاحيات أوسع لوزارة الحكم المحلى بما يتناسب مع الصلاحيات الأوسع التى يتم منحها للمحافظين، وليس انتقاصا من هذه الصلاحيات.

توسيع صلاحيات المحافظين، ووزير الحكم المحلى هدفه الأساسى سرعة إنجاز الملفات المعلقة، والحفاظ على ما يتحقق من إنجازات فى ملفات «حياة كريمة» بالمحافظات، بحيث يتم البناء فوق هذه الإنجازات باستمرار بما يتوافق مع طموحات المواطنين، والأجيال المقبلة.

النقاش الموسع حول صلاحيات المحافظين، ووزارة الحكم المحلى يجب أن يمتد إلى كل المجالات فى إطار من التنسيق بين السلطات المركزية والمحلية، بحيث فى النهاية تكون السلطة المركزية هى قوة الدفع الرئيسة، والسلطة المحلية «دينامو» التنفيذ، والمتابعة، على أن يكون للسلطات المحلية القدرة على ابتكار الحلول للمشكلات، وتنفيذ هذه الحلول دون انتظار أن تأتى الحلول من السلطات المركزية كما كان يحدث فى السابق.

أما فيما يتعلق بالمستوى الشعبى من الحكم المحلى، وهو الخاص بالمجالس الشعبية المحلية، فمن المهم طرح الأفكار التالية للنقاش:

أولا: توسيع صلاحيات المجالس المحلية بحسب مستوى كل مجلس، حيث إن صلاحيات مجالس القرى لابد أن تختلف عن صلاحيات الأحياء، والمدن، وكذلك الحال فى صلاحيات مجالس المحافظات.

صلاحيات مجالس القرى لابد أن تكون فاعلة، ومؤثرة فى دائرة القرى التى تمثلها هذه المجالس، بحيث يحق لهذه المجالس سلطة محاسبة رئيس القرية، وأن يكون لرئيس كل قرية خطة يقترحها، ويعرضها على مجلس القرية، وأن يراقب مجلس القرية أداء رئيسه، ويرفع تقاريره، وتوصياته إلى مجلس محلى المركز.

هكذا يتم وضع الصلاحيات بحسب مسئولية كل مستوى، على أن يرفع كل مستوى توصياته إلى المستوى الأعلى، حتى يصل إلى مستوى مجالس المحافظات.

ثانيا: مجالس المحافظات تحتاج إلى إعادة النظر فى صلاحياتها، ودورها، بحيث تكون هى الجهة الرقابية الأعلى فى المحافظة، وهى التى تنسق بين مجالس المدن، والأحياء، والقرى، والمراكز.

علاوة على ذلك؛ يدخل ضمن صلاحيات مجالس المحافظات مراقبة أداء المحافظين، ومناقشة خططهم الدورية، ووضع آليات لضبط العلاقة بين المحافظ، ومجلس المحافظة، بما يتيح سلطة الرقابة، والمتابعة دون «تغول» طرف على آخر، وبما يضمن فى النهاية تحقيق أعلى معدلات الإنجازات فى المحافظات، والحفاظ على النجاحات، والإنجازات التى يجرى العمل فيها الآن بمشروعات «حياة كريمة».

ولأن الحفاظ على النجاح أصعب من النجاح فى حد ذاته، فإن هذا ينطبق أيضا على مشروعات «حياة كريمة»، لأن هدف بعض هذه المشروعات، على سبيل المثال، يتضمن تبطين ترع، ورصف طرق، وإقامة مشروعات للصرف الصحى، والمياه.. وغيرها من المشروعات.

الحفاظ على هذه المشروعات يحتاج إلى جهد هائل؛ حتى لا تتحول «الترع» مرة أخرى إلى مقالب للنفايات، والحيوانات النافقة كما كان يحدث فى السابق، وحتى لا يتم «سد» مواسير الصرف الصحى بمخلفات «روث» الحيوانات.

الحفاظ على هذه الإنجازات يبدأ من المجالس المحلية، ولذلك فلابد أن يكون لهذه المجالس صلاحيات مراقبة، ومتابعة مستمرة من خلال الدور الميدانى لها، والممتد فى كل قرى، ونجوع محافظات مصر.

أعتقد أن المحليات تحتاج إلى ثورة شاملة تبدأ من إعادة النظر فى تسميتها «الإدارة المحلية» لتتحول إلى «الحكم المحلى»، مرورا بالصلاحيات الممنوحة لها، وانتهاء بوسائل التقييم، والمحاسبة، وذلك حتى يخرج قانون الإدارة المحلية الجديد فى أقرب فرصة للبدء فى انتخابات المحليات المؤجلة منذ عدة سنوات.

الحوار حول التشريع المقترح للحكم المحلى، أو الإدارة المحلية، بغض النظر عن «المسمى»، سوف يكون مفيدا للغاية من أجل وضع آليات رقابية قوية للقضاء على البيروقراطية، والفساد فى المحليات، والتحول التدريجى إلى النظام اللا مركزى إداريا، وماليا، وخلقْ توازن دقيق بين سلطات المحافظين، وسلطات المجالس المحلية بما يمنح المحافظين اختصاصات، وصلاحيات أوسع، وفى الوقت نفسه منح المجالس المحلية صلاحيات رقابية تصل إلى حد سحب الثقة، والاستجواب كما يحدث فى البرلمانات.

Back to Top