أولويات «عاجلة» على أجندة الصناعة وقطاع الأعمال
أولويات «عاجلة» على أجندة الصناعة وقطاع الأعمال
لأن الصناعة، وقطاع الأعمال مرتبطان ببعضهما البعض، ويرتبطان معا بشكل مباشر بالملف الاقتصادى الذى يواجه تحديات الأزمة الاقتصادية العالمية التى تخيم على العالم الآن، فإن هناك العديد من الأولويات العاجلة على مائدة وزيرى الصناعة وقطاع الأعمال الجديدين لمواجهة تلك التحديات ووضع حلول لها تؤدى فى النهاية إلى التخفيف من آثارها، وإيجاد مخرج سريع ودائم لتلك الأزمة أو غيرها من الأزمات المتوقعة.
الأزمة الاقتصادية العالمية التى تحاصر الاقتصادات العالمية الآن، تعيد إلى الأذهان مشاهد متعددة من ذكريات أزمة الكساد العظيم التى حدثت خلال ثلاثينيات القرن العشرين، والتى انطلقت يوم الثلاثاء الأسود الموافق 29 أكتوبر 1929 فى الولايات المتحدة الأمريكية، وانخفض معها الناتج المحلى العالمى بحوالى 15%.
كان التأثير فادحا على كل دول العالم تقريبا (الغنية والفقيرة على السواء)، وانخفضت مستويات دخول الأفراد، وعائدات الضرائب، وانخفض معها حجم التجارة الدولية بأكثر من 50%، فيما ارتفعت نسب البطالة إلى مستويات غير مسبوقة تراوحت بين 23% إلى 33%.
استمر الكساد العظيم ما يقرب من عقد كامل حتى نجح الاقتصاد العالمى فى تجاوز تلك الأزمة، وتجاوز آثارها فى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى.
مع اقتراب مرور مائة عام على الكساد العظيم هبط وباء كورونا على العالم الذى ضرب الاقتصاد العالمى فى مقتل بسبب أزمات الإغلاق، وتوقف عجلة العمل والإنتاج لفترات طويلة فى معظم دول العالم.
لم يكد العالم يفيق من أزمة كورونا حتى وقع الغزو الروسى لأوكرانيا فى 24 فبراير 2022 لتندلع الحرب الروسية ــ الأوكرانية، التى دخلت شهرها السادس دون أفق محدد لنهاية تلك الأزمة.
فى اعتقادى أن الخميس الموافق 24 فبراير 2022 سوف يؤرخ له على أنه الخميس الأسود لبداية الكساد العظيم فى القرن الحادى والعشرين.
تأثيرات عنيفة للأزمة الروسية ــ الأوكرانية ألقت بظلالها على الاقتصادات العالمية خاصة ما يتعلق بأسعار الطاقة والغذاء والمواد الخام، وما نتج عنها من أزمات حادة تزامنت مع ازدياد معدلات الجفاف، والتغيرات المناخية الحادة التى ضربت العديد من دول العالم.
ولأنه لا توجد دولة فى العالم يمكن أن تكون بمنأى عن التأثيرات السلبية للأزمات العالمية فقد تأثر الاقتصاد المصرى هو الآخر نتيجة ارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد، والفجوة الكبيرة بين الاستيراد والتصدير، ونقص السيولة من النقد الأجنبى بعد لجوء العديد من الاقتصادات العالمية، وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكى الأكبر والأضخم على مستوى العالم، إلى رفع أسعار الفائدة أكثر من مرة لمحاولة الهروب من شبح الوقوع فى «فخ» التضخم.
فى الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة التى هبطت على العالم مع هبوط كورونا، وتأكدت مع اندلاع الغزو الروسى لأوكرانيا، ظهر بوضوح أهمية وجود صناعة قوية لتغطية احتياجات الأسواق المحلية، وتصدير الفائض إلى الأسواق العالمية، بما يسهم فى تقليل العجز فى الميزان التجارى، وسد الفجوة بين الاستيراد والتصدير.
من غير المعقول ولا المقبول أن ترتفع قيمة الواردات المصرية التى يتم استيرادها من الخارج إلى أكثر من تريليون جنيه سنويا، وهو مبلغ ضخم يكفى لتمويل أكثر من مليونى فرصة عمل للشباب، الذين يعانون البطالة غير أنه يتجه للأسف الشديد لتمويل فرص العمالة الأجنبية، على حساب الأيدى العاملة المصرية.
فى شهر فبراير الماضى بلغ العجز فى الميزان التجارى غير البترولى لصالح الواردات السلعية غير البترولية ما يقرب من4 مليارات و212 مليون دولار، ومنها سلع استفزازية، وسلع كماليات وسلع بسيطة يمكن إنتاجها بسهولة فى المصانع المصرية.
من هنا فإن إصلاح حال الصناعة المصرية وحل مشكلاتها يضمن توفير جزء كبير من هذه السلع محليا ويقلل الضغط على العملات الأجنبية التى نحتاجها فى الاستيراد.
الأولويات على أجندة وزير الصناعة الجديد أحمد سمير كثيرة ومتعددة خاصة فيما يتعلق بالعمل على سد الفجوة بين الاستيراد والتصدير ومعالجتها خلال المرحلة المقبلة وأبرزها ما يلى:
أولا: تكثيف الجولات الميدانية للمناطق الصناعية القديمة والجديدة على السواء فى شبرا الخيمة، وكفر الدوار، والمحلة، والعاشر، والسادات، والصعيد، وغيرها من المناطق الصناعية للوقوف ميدانيا على المشكلات التى تواجه رجال الصناعة، والعمل على حلها بالتنسيق مع الوزارات المعنية، مما يسهم فى زيادة الطاقة الإنتاجية لتلك المصانع، وفتح المصانع المغلقة للإنتاج من جديد.
ثانيا: وضع رؤية إستراتيجية مقترحة بالتنسيق مع الجهات المعنية لوضع أولويات التوسع فى قطاعات الصناعة المختلفة بما يسهم فى تصنيع المنتجات المستوردة، فلا يعقل أن نستورد «الاستيكة» و«القلم الرصاص» وأعواد الثقاب «الكبريت» وقطع غيار السيارات وغيرها من تلك السلع البسيطة.
إلى جانب ذلك فإنه لابد من العمل على توفير جزء كبير من خامات الصناعة محليا والتى يتم استيرادها من الخارج، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإننا نستورد كميات هائلة من الغزل المستخدم فى صناعة النسيج العريقة فى مصر، وهى الصناعة التى تتمتع بشهرة عالمية، غير أننا مازلنا نستورد الجانب الأكبر من الغزل المستخدم فيها من الدول الأجنبية.
من الضرورى أن تكون هناك أولوية لفتح مصانع جديدة للغزل الذى يتم استيراده حاليا من الخارج من أجل تصنيعه محليا لتوفير الاحتياجات الضخمة للمصانع الخاصة والعامة التى تعمل فى مجال صناعة النسيج.
ثالثا: عودة الحوافز الضريبية والجمركية إلى مجالات الصناعة التى تحتاجها الأسواق المحلية، بما يؤدى إلى تحفيز المستثمرين الوطنيين والأجانب للإقبال على هذه النوعية من الاستثمارات خلال المرحلة المقبلة.
هناك حزمة كبيرة من الصناعات يمكن أن تدخل ضمن تلك الحوافز المقترحة خاصة صناعات الغزل، والبليت، وقطع غيار السيارات، وحتى تلك السلع البسيطة التى تحتاجها الأسواق المحلية.
المهم أن تكون هناك حاجة فعلية للسلع الصناعية فى السوق المصرية لسد العجز فى هذا المجال أولا ثم الاتجاه إلى التصدير مستقبلا.
أما فيما يخص ملف قطاع الأعمال العام فهو ملف يرتبط بقطاع الصناعة، ويضم 118 شركة تعمل فى 17 صناعة مختلفة ضمن 8 شركات قابضة.
من بين هذه الشركات شركات تحقق أرباحا سنوية، وتبلغ 65 شركة، وهناك أيضا شركات خاسرة تبلغ 53 شركة.
بذل د. هشام توفيق وزير قطاع الأعمال السابق جهدا كبيرا لتطوير منظومة هذه الشركات، ويحتاج الأمر من د. محمود مصطفى كمال عصمت الوزير الجديد جهدا مضاعفا لاستكمال إصلاح هذه الشركات، وتصويب الأخطاء، لضمان استمرارية هذا القطاع فى دورة الإنتاج، خلال المرحلة المقبلة بعيدا عن التصفية والتوقف.
أعتقد أن هناك العديد من الأولويات على أجندة وزير قطاع الأعمال الجديد أبرزها مايلى:
أولا: إعادة النظر فيما يخص بيع وتصفية بعض الشركات والتركيز على إصلاح تلك الشركات، وخصخصة إدارتها بعيدا عن التصفية سواء كان ذلك يتعلق بشركة «الكوك» أم غيرها.
إصلاح الشركات يمهد لطرح هذه الشركات فى البورصة كما حدث فى شركة الشرقية للدخان، وكذلك الشركات الأخرى التى يتم تجهيزها للطرح خلال المرحلة المقبلة. أما التصفية فإنها تؤدى إلى خروج الشركات التى تتم تصفيتها من دائرة الإنتاج كما حدث فى بعض الشركات التى تتم تصفيتها قبل ذلك سواء الشركات القديمة أو الجديدة.
ثانيا: استكمال برنامج الطروحات فى الشركات التابعة للقطاع فور انتهاء تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية من أجل توسيع قاعدة الملكية، وتغيير نمط الإدارة.
ثالثا: إعادة إحياء صناعة السيارات من خلال شركة النصر للسيارات والبحث عن بديل للشريك الصينى من أجل استكمال إنتاج السيارات الكهربائية.
رابعاً: توطين صناعة الغزل ضمن تطوير شركات الغزل والنسيج بحيث تكون لدينا طاقة إنتاجية من الغزل تكفى احتياجات صناعة النسيج ذات السمعة الطيبة فى الأسواق العالمية.
لابد من فض المعادلة «المعكوسة» فى صناعة الغزل والنسيج حيث نستورد كميات ضخمة من الغزل قصير التيلة، فى حين نصدر كميات كبيرة من القطن الخام طويل التيلة.
توطين صناعة الغزل، وتنسيق زراعة الأقطان بالتعاون مع وزارة الزراعة يضمن توفير الغزل قصير التيلة لمصانع النسيج المحلية، وكذلك تصدير الغزل طويل التيلة بدلا من تصدير القطن الخام.
هذه هى بعض الأولويات العاجلة على أجندة وزيرى الصناعة وقطاع الأعمال الجديدين، ويبقى فى النهاية ضرورة التنسيق فيما بينهما من أجل سرعة إحداث تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى والدفع بقوة لتحويله إلى اقتصاد إنتاجى حقيقى قادر على مواجهة التحديات العالمية الطارئة، وتلبية احتياجات السوق المحلية، بما يسهم فى معالجة العجز فى الميزان التجارى، وزيادة الموارد من العملة الصعبة بزيادة الصادرات والحد من الواردات.
كل ذلك يساهم فى توفير الموارد الضخمة التى تصل إلى تريليون جنيه سنويا يتم استنزافها حاليا فى الاستيراد، وإعادة توجيهها إلى الإنتاج المحلى، وفتح فرص عمل جديدة للشباب والحد من البطالة.