المحافظون وتحديات ما بعد التغيير الوزارى
المحافظون وتحديات ما بعد التغيير الوزارى
أعتقد أن هناك حركة تغييرات فى المحافظين قريبا على غرار ما حدث من تغييرات فى الوزراء، خاصة بعد تولى محافظ البحيرة، اللواء هشام آمنة، منصب وزير التنمية المحلية، ليصبح موقع محافظ البحيرة شاغرا ينتظر من يشغله ضمن تلك الحركة المتوقعة.
بغض النظر عن توقيت الحركة، فإنه من المؤكد أن حركة المحافظين مهمة وضرورية، ولا تقل أهمية عن التغيير الوزارى الذى حدث منذ أسبوعين، لأن مسئولية المحافظ ترتبط بشكل مباشر بالمواطنين وحياتهم اليومية، وما يتعلق بها من الرقابة على الأسواق، والنظافة، ومياه الشرب، والطرق، والتعديات، والمصالحات، والخدمات، وغيرها من القضايا الحياتية التى يعيشها المواطن فى كل محافظات الجمهورية من أسوان إلى الإسكندرية.
هناك محافظون أجادوا، وبذلوا جهودا كبيرة خلال المرحلة الماضية، ونجحوا فى التجاوب مع حركة العمل الكثيفة والضخمة التى تشهدها مصر الآن، إلا أنه على الجانب الآخر هناك بعض المحافظين بذلوا جهودا، لكنها لم ترق إلى المستوى المطلوب، وتفرغوا لقضايا هامشية غير حيوية.
التناغم فى الأداء بين المستويين المركزى (الوزارى) والمحلى (المحافظين) مطلوب وضرورى، ويجب ألا يكون فارق السرعات بينهما ضخماً، وإنما لا بد أن يكون هناك توازن فيما بينهما، حتى يشعر المواطن بتحسن حقيقى فى مستوى معيشته، والارتقاء بالخدمات المقدمة إليه فى جميع المجالات «الصحية، والاجتماعية، والتعليمية»، وغيرها من المجالات التى يحتاجها المواطن فى حياته اليومية.
قد يقول البعض ــ ومعهم بعض الحق ــ إن سلطات المحافظين محدودة، وإن الكثير من السلطات والصلاحيات لاتزال مركزية فى أيدى الوزراء المختصين، إلا أن الواقع يشير إلى أهمية البُعد الشخصى فى الأداء، فهناك محافظ مبتكر وبارع، ويدير كل الملفات بحيوية ونشاط، فى حين أن هناك محافظا آخر يتحول إلى مجرد موظف كبير يقوم بتسيير الأعمال دون اجتهاد، ودون إضافة حقيقية، مما يراكم المشكلات، بل إن الإنجازات المركزية حينما تصل إلى محافظته ربما لا يشعر بها المواطن العادى بسبب الإهمال واللامبالاة والتقليدية الشديدة.
تزداد أهمية حركة المحافظين خاصة بعد انطلاق مشروع «حياة كريمة»، وهو المشروع الأكبر والأضخم لتطوير الريف المصرى، والذى يمتد إلى 4741 قرية وتوابعها، التى يبلغ عددها 30888 (عزبة وكفرا ونجعا).
«حياة كريمة» مشروع عملاق، ويعد هو المشروع الأضخم فى التنمية المستدامة على مستوى العالم كما صنفته الأمم المتحدة، وهو يخدم نحو 60 مليون نسمة يعيشون فى الريف المصرى، أى أكثر من نصف عدد سكان مصر.
المشروع يتم تنفيذه مركزيا، لأنه مشروع قومى عملاق تبناه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ليكون درة تاج الجمهورية الجديدة، لكن تبقى ضرورة متابعة تنفيذه محليا، والأهم هو متابعة ما بعد التنفيذ، أى بعد الانتهاء من تنفيذ المشروع طبقا للجدول الزمنى فى كل محافظة.
هنا تأتى أهمية دور المحافظ فى متابعة ما بعد التنفيذ، للحفاظ على ما تحقق من طفرات هائلة فى تغطية الترع والمصارف، وإنشاء شبكات المياه والصرف الصحي، وتحديث مبانى الخدمات الحكومية، ورصف الطرق، وغيرها من المشروعات المتنوعة التى تمتد إليها يد التطوير والتحديث فى «حياة كريمة».
إن لم تكن هناك متابعة جادة من المحافظين، فإن يد الإهمال يمكن أن تهدد تلك الإنجازات غير المسبوقة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن «تبطين الترع» يحتاج إلى متابعة دقيقة، حتى لا تتحول «الترع» مرة أخرى إلى مقلب للنفايات والحيوانات النافقة والقمامة.
المتابعة هنا ليس مقصودا بها مجرد المراقبة، وتتبع مرتكبى المخالفات فقط، لكن المتابعة الحقيقية تقتضى ضرورة أن تكون هناك مشروعات متكاملة للنظاقة فى القرى يتبناها المحافظون، بحيث يكون هناك بديل أمام السكان، للتخلص من القمامة والنفايات والحيوانات النافقة بطرق صحية وآمنة.
أتمنى الإسراع فى الدفع بقانون الإدارة المحلية الجديد، ليخرج إلى النور كأولوية فى الدورة البرلمانية المقبلة، ليصلح ما أفسده الدهر فى هذا القانون عبر عقود طويلة، وبما يسهم فى توسيع صلاحيات المحافظين، وكل مستويات الإدارة المحلية (سكرتيرى العموم، والمساعدين، ورؤساء الأحياء والمدن، ورؤساء المراكز والقرى)، وفى الوقت نفسه يزيد من الرقابة عليهم، ويسهم فى توسيع نطاق محاسبتهم من خلال دوران عجلة المجالس الشعبية المحلية بصلاحيات وسلطات أوسع، هى الأخرى تضمن المحاسبة والمراقبة للمسئولين التنفيذيين، بدءا من المحافظ، ومرورا برؤساء الأحياء والمدن والمراكز، وانتهاء برؤساء القرى.
تحديات عديدة، ومسئوليات متنوعة، تنتظر حركة المحافظين المتوقعة، أبرزها ما يلى:
أولا: تبنى مشروع محلى للنظافة والتجميل فى نطاق كل محافظة، يضمن مد مظلة النظافة والتجميل إلى كامل أرجاء كل محافظة (مدنا وقري)، وبما يؤدى فى النهاية إلى توفير بديل صحى وآمن أمام المواطنين، للتخلص من النفايات والقمامة والحيوانات النافقة بعيدا عن الترع والمصارف، وأسفل الكباري، والشوارع.
مشروع النظافة المقترح هو المشروع الذى يترجم الإنجازات الضخمة التى تحدث فى المحافظات الآن، ويحافظ على رونق مشروع «حياة كريمة» فى القرى التى يتم الانتهاء منها تباعا.
من هنا تأتى أهمية هذا المشروع، وضرورة تبنيه من كل محافظ من المحافظين الجدد أو القدامى، ومتابعة التنفيذ بكل دقة من الوزير النشيط اللواء هشام آمنة، وزير التنمية المحلية الجديد.
ثانيا: العمل على وقف التعديات على الأراضى الزراعية، ومخالفات البناء فى المحافظات المختلفة، واستثمار حالة النجاح التى حدثت أخيرا فى هذا الملف الشائك، حتى لا تعود التعديات مرة أخرى بوجهها القبيح والعشوائى، ونبدأ من نقطة الصفر من جديد.
لابد أن تكون هناك رؤية لكل محافظ تتسم بالشمولية والتعامل فى هذا الإطار، وتضمن عدم تكرار المخالفات والتعديات، وفى الوقت نفسه إنهاء ملف المصالحات المتعثر بقوة الآن.
من غير الطبيعى أن يواجه الراغبون فى الالتزام بالقواعد وعدم المخالفة العديد من الإجراءات البيروقراطية العقيمة، خاصة هؤلاء المقيمين داخل الأحوزة العمرانية المستقرة.
لابد من إنهاء ملف المصالحات بأقصى سرعة، وأن تكون هناك مرونة فى التنفيذ، وسرعة فى الإجراءات، وأن يقوم كل محافظ بالمتابعة الميدانية لكل المدن والقرى فى محافظته، للتأكد بنفسه من سرعة الإجراءات والشفافية، وعدم وقوع المواطن تحت ضغط وابتزاز بعض الموظفين الفاسدين فى الإدارات والأحياء المختلفة.
ثالثا: لقد أصبحت الرقابة على الأسواق، وإعادة تنظيمها ضرورة فى ظل جشع بعض التجار والمضاربات وتخزين السلع.
هناك مبادرات عديدة تنظمها الدولة الآن، ممثلة فى وزارة التموين، وجهاز الخدمة الوطنية، ومبادرة «كلنا واحد»، وغيرها من المبادرات الناجحة، ومن المهم الاستفادة من تلك المبادرات فى المحافظات المختلفة على مدى العام، لمواجهة حالات الجشع والاحتكار، أو المغالاة غير المبررة فى الأسعار.
تنظيم الأسواق، والرقابة عليها، وإقامة أسواق مجمعة يسهم فى التخفيف من معاناة الطبقة المتوسطة فى المحافظات المختلفة، فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والمحلية الآن.
رابعا: وضع رؤية اقتصادية لكل محافظة من خلال المحافظ المختص، يراعى فيها الاستفادة من المزايا النسبية لكل محافظة، فمحافظة دمياط على سبيل المثال تختلف عن محافظة المنوفية، وهكذا، فلكل محافظة مزايا نسبية يمكن الاستفادة منها وتعظيمها، بما يعود بأقصى درجة من النفع العام على المواطنين.
أيضا، فإن معظم المحافظات الآن لها ظهير صحراوي، وهو ما يمكن الاستفادة منه فى إقامة المناطق الصناعية والسكنية، للحفاظ على رقعة الأرض الزراعية.
خامسا: التوسع فى مشروع مراكز تجميع الألبان، بما يحقق الاستفادة القصوى من هذا المشروع، وكذلك إقامة مراكز تعبئة وتغليف للمنتجات الزراعية، للإسهام فى زيادة الصادرات من المنتجات الزراعية، بما يضمن تحقيق أقصى عائد للمزارعين، وفى الوقت نفسه زيادة الصادرات الزراعية بدلا من الإهدار الضخم الذى يحدث فى المنتجات الزراعية فى أثناء ذروة المواسم الزراعية، وما يستتبع ذلك من خسائر فادحة للمزارعين والاقتصاد الوطنى على السواء.
سادسا: تكليف المحافظين بوضع إستراتيجية ثابتة ومستقرة، لمتابعة ما بعد تنفيذ مشروعات “حياة كريمة“ فى كل محافظة، بما يضمن استمرارية كفاءة هذه المشروعات إلى الأبد، وتطويرها باستمرار، بما يواكب المتغيرات، وعوامل الإهلاك، وبما يساعد على التوسع المستقبلى فيها، لمواجهة الزيادة السكانية المتوقعة خلال المرحلة المقبلة.
هذه هى بعض التحديات التى تنتظر حركة المحافظين، المتوقع صدورها خلال المرحلة المقبلة، لاستكمال ما حدث من تغييرات وزارية منذ أسبوعين، ومن أجل الدفع بدماء جديدة فى شرايين المحليات الملتصقة بحياة المواطنين اليومية فى كل محافظات مصر من الإسكندرية إلى أسوان.