الحماية الاجتماعية ونقاط قوة الاقتصاد المصرى
الحماية الاجتماعية ونقاط قوة الاقتصاد المصرى
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
فى مارس الماضى، دعانى وزير المالية، د. محمد معيط، ومجموعة من الزملاء الصحفيين والقيادات الصحفية إلى ندوة نقاشية حول مستجدات الأوضاع الاقتصادية بعد نشوب الحرب الروسية ــ الأوكرانية.
قبل اندلاع الحرب الروسية ــ الأوكرانية كان الاقتصاد المصرى قد نجح فى تخطى أكبر كارثة لحقت بالاقتصاد العالمى منذ 2008، وبدأ فى التعافى والانطلاق الحذر بعد عامين من الانغلاق العالمى.
أصيب الاقتصاد المصرى بأضرار بالغة مثله فى ذلك مثل باقى الاقتصادات العالمية التى سجل معظمها نموا سالبا، وكان الاقتصاد المصرى ضمن اقتصادات قليلة نجحت فى تسجيل نمو إيجابى، حيث سجل فى النصف الأول من العام المالى السابق 2021/2022 أعلى معدل نمو بلغ 9٪، ليكون هو الأعلى خلال 20 عاما.
وقتها توقع البنك الدولى أن يكون الاقتصاد المصرى واحدا من أفضل الاقتصادات العالمية التى تحقق معدل نمو خلال العام المالى السابق، وأن يحقق ثانى أعلى معدل نمو على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بنسبة نمو 5٫5٪.
وسط تلك الأجواء المبشرة بإمكانية الخروج من تداعيات أزمة «كورونا»، ضربت الأزمة الروسية ــ الأوكرانية فجأة الاقتصاد العالمى المريض، الذى لم يكن قد خرج بعد من غرفة «الإنعاش».
فاقمت الحرب الروسية ــ الأوكرانية متاعب العالم الاقتصادية، ودخل العالم فى أزمة اقتصادية طاحنة، ربما لم يشهدها منذ ما يقرب من قرن من الزمان حينما دهمته أزمة “الكساد العظيم” فى ثلاثينيات القرن الماضى.
بدأت الاقتصادات الكبرى فى العالم تقاوم، حتى لا تقع فى هاوية الركود والتضخم، ولجأت فى ذلك إلى أساليب متعددة، أبرزها ما يتعلق برفع أسعار الفائدة.
تسابق الفيدرالى الأمريكى مع البنوك المركزية فى أوروبا والعالم إلى رفع أسعار الفائدة، لمحاولة النجاة من شبح الهبوط والانهيار، مما أدى إلى توجيه فائض السيولة من العملة الصعبة إلى هناك، وخروجها من الأسواق الناشئة، بما فيها السوق المصرى.
منذ 6 أشهر، وقت اللقاء مع وزير المالية، لم تكن الأمور بكاملها قد اتضحت بعد، وكان هناك أمل ألا تمتد الحرب فترة طويلة، والتى دخلت شهرها السابع الآن.
كان د. محمد معيط، وزير المالية، صريحا كعادته، حيث أوضح أن هناك أضرارا مباشرة لحقت بالاقتصاد المصرى، خاصة ما يتعلق بقطاع السياحة، الذى تمثل فيه السياحة الروسية ــ الأوكرانية ما يقرب من 40٪ من إجمالى عدد السائحين.
أيضا، فإن مصر كانت تستورد نحو 80٪ من واردات القمح من روسيا وأوكرانيا، وكلها تداعيات سلبية سريعة ومباشرة لحقت بالاقتصاد المصرى.
إلى جانب ذلك، فقد حذر وزير المالية من رفع تكلفة فاتورة الاستيراد بعد القفزات التى شهدتها أسعار السلع الأساسية مثل القمح والذرة وزيوت الطعام والسكر، إلى جانب أسعار البترول التى قفزت بنسب جنونية، وصلت إلى 100٪ فى بعض الأوقات.
حاولت الحكومة بأقصى ما يمكن احتواء هذه الأزمة العنيفة والطارئة التى جاءت فى أعقاب أزمة «كورونا»، لتفاقم الأوضاع الاقتصادية عالميا ومحليا سوءا، ونجحت الدولة على الرغم من كل ذلك فى توفير السلع الأساسية، وتأمين الاحتياطى الإستراتيجى، مما أسهم فى تأمين احتياجات المواطنين الأساسية.
فى الأسبوع الماضى، وبعد دخول الحرب الروسية ــ الأوكرانية شهرها السابع، عقد د. محمد معيط مؤتمرا صحفيا، وضع فيه النقاط على الحروف بعد انتشار الكثير من الشائعات المسمومة، ومحاولات هز الثقة و«التشكيك» بسوء النية فى كل ما يتعلق بقوة الاقتصاد المصرى، وقدرته على تحمل الأعباء خلال الفترة المقبلة.
نقاط مهمة كثيرة استوقفتنى خلال متابعتى الدقيقة تصريحات د. محمد معيط، أبرزها ما يلى:
أولا: التأكيد على أن الاقتصاد المصرى قد نجح فعليا ـــ وليس توقعا كما كان فى مؤتمر مارس الماضى ــ فى تسجيل أعلى معدل نمو منذ 2008، بنسبة بلغت 6٫6٪ من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بمتوسط عالمى 3٫2٪ للاقتصادات الناشئة.
ثانيا: انخفاض عجز الموازنة من 13٪ فى 2012/2013 إلى 6٫1٪ من الناتج المحلى فى العام المالى الماضى، ليكون معدل العجز لأول مرة أقل من متوسط الدول الناشئة.
ثالثا: تحقيق فائض أولى، للعام الخامس على التوالى، بقيمة 100 مليار جنيه، وبنسبة 1٫3٪ من إجمالى الناتج المحلى، لتكون مصر واحدة من الدول القليلة فى الاقتصادات الناشئة التى نجحت فى تحقيق فائض أولى.
رابعا: ارتفاع إيرادات الموازنة العامة للدولة 19٫6٪، فى حين بلغت الزيادة فى المصروفات نحو 14٫8٪، بما يعنى زيادة الإيرادات على المصروفات بنحو 5٪.
أحد أسباب زيادة الإيرادات هو ارتفاع حصيلة الإيرادات الضريبية 18٫7٪، وهو ما يعكس نجاح الجهود فى دمج الاقتصاد الهامشى فى الاقتصاد الرسمى، وتحقيق مفهوم العدالة الضريبية نتيجة تطبيق نظم الضريبة الإلكترونية، ومنظومة الإجراءات الضريبية الموحدة المميكنة.
خامسا: انعكست تلك المؤشرات الإيجابية على انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته خلال يونيو الماضى، ليصل إلى 7٫2٪ نتيجة توفير أكثر من 800 ألف فرصة عمل فى المجالات المختلفة.
سادسا: فيما يتعلق بمعدل الدين، وما يثار حوله من شائعات تفتقر إلى الموضوعية، أوضح د. محمد معيط أن معدل الدين للناتج المحلى انخفض من 103٪ فى يونيو 2017 إلى 87٫2٪ فى يونيو الماضى، مقارنة بنسبة مديونية حكومية عالمية بلغت 99٪ من الناتج المحلى العالمى.
أى أن معدل الدين للناتج المحلى قد تراجع بما يقرب من 15٫6٪ خلال تلك الفترة، مقارنة بزيادة بلغت 19٫5٪ لمعدل الدين للناتج المحلى فى الدول الناشئة.
أوضح وزير المالية أن هناك خطة حكومية تستهدف خفض معدل الدين للناتج المحلى إلى 75٪ بحلول 2026، مشيرا إلى أن 77٪ من المديونية الحكومية هى ديون محلية لمؤسسات وأفراد فى مصر، و23٪ فقط ديون خارجية بالعملة الصعبة.
سابعا: تأكيد قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة أزمة الدين، وقدرته على التعامل الايجابى مع تلك المشكلة، وغيرها من التحديات العالمية الراهنة، فى ظل مضاعفة حجم الاقتصاد المصرى 3 مرات خلال السنوات الست الماضية بمعدلات تفوق معدلات مديونية الحكومة.
يدعم ذلك ارتفاع الصادرات البترولية إلى 13 مليار دولار، بفائض 4 مليارات دولار، وارتفاع الصادرات غير البترولية إلى 19٫4 مليار دولار، بنمو سنوى 33٪، وارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، لتسجل رقما قياسيا جديدا، وصل فى العام المالى الماضى إلى 32٫2 مليار دولار، بما يعكس الثقة فى تحسن الأوضاع الاقتصادية فى مصر، وكذلك ارتفاع إيرادات قناة السويس، لتسجل أعلى إيرادات فى العام الماضى، حيث بلغت نحو 7 مليارات دولار.
مؤشرات وأرقام مهمة وضعت النقاط على الحروف فيما يتعلق بالوضع الاقتصادى ومشكلة الديون، والشائعات المسمومة الكثيرة التى تستهدف زعزعة الثقة فى الاقتصاد المصرى، وتصدير صورة سلبية للداخل والخارج دون مراعاة أن الأزمة الاقتصادية عالمية، وأنها الأسوأ منذ ما يقرب من قرن كامل منذ كارثة «الكساد العظيم» فى القرن الماضى.
وعلى الرغم من كل ذلك وضراوة الأزمة وقسوتها، وتأثيراتها السلبية على الاقتصادات العالمية، فإن الاقتصاد المصرى لايزال قادرا على المواجهة والصمود ومجابهة المخاطر والآثار الجانبية السلبية للأزمة الحالية.
ولأن الرئيس عبدالفتاح السيسى يحرص بشدة على توفير أقصى درجات الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا، فقد وجه بزيادة الدعم الاستثنائى لهذه الفئات على بطاقات التموين إلى 300 جنيه بدلا من 100 جنيه، لتتضاعف 3 مرات، ومدها إلى أكثر من مليون أسرة بداية الشهر الحالى.
جاء ذلك فى إطار حزمة متكاملة من المساعدات، تشمل دعم مصروفات طلاب الجامعات الأهلية، ودعما إضافيا لمبادرة إنهاء قوائم انتظار حالات الجراحة الحرجة، وزيادة المستفيدين فى برنامج «تكافل وكرامة» من 4٫1 مليون أسرة، لتصبح 5 ملايين أسرة.
هذه الحزمة الاستثنائية من حزم الحماية الاجتماعية يستفيد منها ما يقرب من 20 مليون مواطن، بتكلفة إجمالية تصل إلى 25 مليار جنيه، بمايؤكد ثبات الاقتصاد المصرى وقدرته على التعاطى المرن مع الأزمات.
أعتقد أن ما حدث خلال الأسبوع الماضى من توضيح لجميع الحقائق المتعلقة بالموقف الاقتصادى، وتأكيد قدرة الاقتصاد المصرى على التعامل الآمن مع معطيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ثم الدفع بحزمة جديدة من حزم الحماية الاجتماعية بداية الشهر الحالى، بلغت تكلفتها ٢٥ مليار جنيه.. يزيد من حجم الثقة فى الاقتصاد المصرى، ويرد بقوة على الشائعات المسمومة والأكاذيب التى انطلقت خلال الفترة الماضية.