الطريق إلى 100 مليار دولار صادرات
الطريق إلى 100 مليار دولار صادرات
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
«استهداف 100 مليار دولار للتصدير ليس رقما كبيرا بالنسبة لدولة يبلغ تعداد سكانها 104 ملايين نسمة».. هذه الجملة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى من قبل، وأكدها يوم الثلاثاء الماضى أثناء افتتاح عدد من مشروعات الهيئة العامة للاستثمار.
أعتقد أنه من الضرورى أن يكون حلم الـ 100 مليار دولار ضمن المحاور الرئيسية للمؤتمر الاقتصادى الذى تقرر عقده فى الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر المقبل، لبحث الأوضاع الاقتصادية الراهنة، واستشراف آفاق المستقبل من خلال مشاركة آراء الخبراء والمختصين، وذوى الخبرة، وممثلى مجتمع الأعمال.
إذا كنا نتحدث عن الصادرات، فالبداية لابد أن تكون من الإنتاج، ثم تغطية احتياجات السوق المحلية، وبعدها الصادرات إلى الأسواق الخارجية.
مصر تتمتع بمزايا عديدة كمركز للإنتاج والتصدير أهمها أنها سوق استهلاكية ضخمة «104 ملايين نسمة» وهو ما يجعل من ذلك عامل جذب وإغراء لكل الشركات فى مختلف المجالات إلى جوار أنها تتمتع بموقع إستراتيجى فريد ومتميز يسهم فى تخفيض تكلفة «نولون» الشحن إلى كل دول العالم بما ينعكس على تقليل أسعار السلع والخدمات.
على الجانب الآخر فقد أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع قيمة الصادرات المصرية لمختلف دول العالم خلال النصف الأول من العام الجارى بنسبة 36٪ حيث ارتفعت قيمة الصادرات خلال تلك الفترة إلى 27٫4 مليار دولار مقابل 20٫1 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضى 2021 بزيادة قدرها 7٫3 مليار دولار.
تصدرت المنتجات البترولية قائمة أهم 10 سلع تم تصديرها لمختلف دول العالم بمبلغ إجمالى 9٫9 مليار دولار، ثم جاءت بعد ذلك الأسمدة 1٫6 مليار دولار ثم الملابس الجاهزة 1٫3 مليار دولار ثم الفواكه الطازجة 1٫1 مليار دولار ثم بعد ذلك اللدائن، والعجائن والمحضرات الغذائية، ثم البطاطس ومنتجات الحديد والصلب، والسجاد والكليم وغيرها من المنتجات.
معنى ذلك أن الصادرات المصرية هذا العام سوف ترتفع إلى أكثر من 55 مليار دولار بنسبة تزيد على 50٪ من المستهدف الـ 100 مليار دولار.
فى الحقيقة أن هناك جهودا مضنية بذلتها الحكومة خلال الفترة الماضية لإزالة جميع المعوقات والتحديدات التى تواجه زيادة الصادرات المصرية من خلال ميكنة جميع الإجراءات الخاصة بالاستيراد والتصدير، والإفراج، وتسهيل حركة النقل اللوجستى لأسواق الدول الإفريقية.
أيضا فقد قررت الحكومة تأجيل سداد القروض المستحقة على المصدرين، وتنفيذ مبادرة لرد أعباء التصدير وصرف المتأخرات المست٫حقة للمصدرين، بالإضافة إلى إتاحة عدد من الخدمات غير المالية للمصدرين مثل المشاركة فى المعارض الخارجية وتوفير الدراسات والاستشارات والبرامج التدريبية لبعض الصناعات مثل صناعتى السيارات والأثاث.
خلال الفترة من 2014 حتى نهاية شهر مايو الماضى تم صرف 54٫3 مليار جنيه من صندوق تنمية الصادرات للمصدرين بإجمالى 2700 شركة، وفى العامين الماضيين فقط وبعد أن أطلقت الحكومة مبادرة سداد المستحقات المتأخرة للمصدرين تم صرف 33 مليار جنيه لتحفيز المصدرين وزيادة الصادرات.
هذه المبادرات والإجراءات التى أطلقتها الحكومة خلال الفترة الماضية ساهمت فى زيادة الصادرات زيادة كبيرة وغير مسبوقة، لكن مازال هناك طريق طويل حتى يمكن أن نصل إلى مضاعفة قيمة الصادرات الحالية ووصولها إلى أكثر من 100 مليار دولار الذى تستهدفه الدولة خلال المرحلة المقبلة مما يقتضى ضرورة مناقشة هذا الملف الحيوى ضمن المؤتمر الاقتصادى المزمع عقده فى الأسبوع الأخير من الشهر الحالى ويمكن الأخذ فى الاعتبار المحاور التالية:
أولاً : لن يكون هناك تصدير إلا بزيادة الإنتاج وبالتالى فمن البديهى أولاً أن نهتم بحل مشكلات الإنتاج، وهو ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الثلاثاء الماضى حينما أشار إلى إطلاق «الرخصة الذهبية» للمنتجين خلال الفترة المقبلة بحيث يتم إصدار الرخصة بموافقة موحدة بدلاً من 26 موافقة متفرقة توفيرا للوقت والجهد والمال للمستثمرين والقضاء على كل أشكال البيروقراطية والفساد التى كان يعانى منها المستثمرون أثناء استصدار الموافقات الخاصة بمشروعاتهم.
ثانيا: أتمنى تخصيص محور خاص للإنتاج الزراعى من أجل مضاعفة صادرات مصر الزراعية والغذائية حيث يحتاج هذا القطاع إلى إعادة تنظيم، وحسن استغلال .
الزراعة فى مصر لها مواسم معروفة، وخلال ذروة كل موسم يزداد الإنتاج لدرجة أنه فى بعض الأحيان يضطر المزارعون إلى التخلص من الإنتاج بإلقائه على حواف الأراضى الزراعية والمصارف لعدم جدوى بيعها.
يحدث هذا فى الكثير من أنواع الفاكهة، وفى الكثير من المحاصيل الزراعية وخاصة الخضراوات.
أعتقد أنه آن الأوان لأن تكون هناك قياسات دقيقة من وزارة الزراعة لحجم الإنتاج المتوقع ومدى قدرة الأسواق المحلية على استيعابها، والاستفادة من الفائض للتصدير، حتى لا يقع المزارع فريسة للخسائر التى تجعله يبتعد عن زراعة ذلك المحصول، ليتحول الفائض فى موسم ما إلى أزمة طاحنة فى الموسم التالي، كما يحدث فى الطماطم والبطاطس وغيرهما من الحاصلات الزراعية.
مؤشرات الإنتاج، وربطها باحتياجات السوق المحلية، وفتح أسواق للتصدير يساهم فى تحقيق مكاسب لكل الأطراف (الدولة ـ المزارع ـ المستهلك) والأهم ضبط وتيرة الإنتاج بعيداً عن التقلبات العشوائية.
ثالثاً: التوسع فى إقامة المجمعات الصناعية المتكاملة مثلما حدث فى المنطقة الاستثمارية فى بنها على مساحة 45 فدانا، والمنطقة الاستثمارية فى ميت غمر على مساحة 18 فدانا، والانتهاء من المجمعات الصناعية الــ 17 الجارى إنشاؤها بعدد من المحافظات، وبصفة خاصة محافظات الصعيد حيث تم طرح 7 مجمعات صناعية، ومن المقرر أن يتم طرح 10 مجمعات صناعية جديدة خلال المرحلة المقبلة.
رابعاً : التوسع فى إجراء المقاصة بين الأعباء التصديرية المستحقة للشركات والمصدرين من جانب وبين الالتزامات الضريبية والجمركية واجبة الأداء من جانب آخر، خاصة بعد نجاح 337 شركة فى إجراء هذه «المقاصة» خلال الفترة الماضية بمبلغ إجمالى بلغ نحو 1.2 مليار جنيه.
أيضا تشجيع مبادرة تخصيص الأراضى للشركات التى لها مستحقات مالية من خلال حصول هذه الشركات على «أراض» كمقاصة لمستحقاتهم.
خامسا: دراسة منح تسهيلات فى الإقامة على غرار الرخصة الذهبية، ومن الممكن أن تكون هناك تأشيرة «إقامة ذهبية» للمستثمرين العرب والأجانب فى حالة إقامة مشروعات تصديرية، بما يفتح الباب أمام المستثمرين العرب والأجانب على التوجه إلى مصر لإقامة مشروعاتهم، وأن يتم دراسة هذا المقترح ومناقشته خلال المرحلة المقبلة.
سادسا: طرح إستراتيجية الهيئة العامة للاستثمار للنقاش فى المؤتمر الاقتصادى بما يسهم فى التركيز على القطاعات الاقتصادية الواعدة التى تمتلك مصر فيها ميزة تنافسية وذات قيمة مضافة.
مناقشة إستراتيجية الهيئة العامة للاستثمار، وكذلك الإصدار الثالث لخريطة مصر الاستثمارية التى أطلقتها الهيئة ضمن جلسات المؤتمر ومحاوره يسهم فى تحويل تلك الإستراتيجية إلى واقع عملى قابل للتنفيذ، ويسهم فى الترويج لها محليا وعالميا بما يضمن التوسع فى خطط التصنيع، وتوطين الصناعات، وتنظيمها من أجل توفير احتياجات الأسواق المحلية، وزيادة الصادرات من المنتجات الصناعية المختلفة.
هذه الإستراتيجية لابد أن تأخذ بعين الاعتبار ما يتم استيراده من الخارج، والفاتورة الضخمة التى يتكبدها الاقتصاد المصرى التى تبلغ أكثر من تريليون جنيه سنويا، من أجل توفير هذه المنتجات المستوردة محليا، وتحويل مصر إلى مركز إقليمى لهذه المنتجات وغيرها فى إطار الرؤية الشاملة والإستراتيجية للإصلاح الاقتصادى خلال المرحلة المقبلة، والبناء على ما تحقق خلال الفترة الماضية.
ما تحقق خلال الثمانى سنوات الماضية ليس بالقليل، وهو الأساس القوى المتين الذى من خلاله يمكن تحقيق كل الطموحات الاقتصادية سواء فى تحقيق حلم الـ100 مليار دولار صادرات وكذلك فى ترشيد التريليون جنيه التى يتم إنفاقها فى الاستيراد من أجل الدخول إلى مرحلة جنى الثمار للمواطن المصرى فى مختلف المجالات والقطاعات، وبناء اقتصاد وطنى قوى ومستقر، ليكون قادرا على مجابهة كل التحديات والأزمات الإقليمية والعالمية فى كل الأوقات.