تجديد دماء الجيش والشرطة كل عام

تجديد دماء الجيش والشرطة كل عام

كل عام يتم ضخ دماء جديدة فى شرايين القوات المسلحة والشرطة من خلال تطعيمهم بدفعات جديدة من شباب الخريجين المؤهلين على أعلى مستوى من الكفاءة فى مختلف التخصصات.

ولأن العنصر البشرى هو محور أى تطوير، فقد تم وضع خطة متكاملة، لتحديث الدراسة فى الكليات العسكرية وكلية الشرطة، لتتحول إلى أكاديميات متخصصة تقبل خريجى الثانوية العامة، بالإضافة إلى التوسع فى قبول خريجى الكليات الجامعية من التخصصات المختلفة من أجل الوصول إلى أعلى درجات الكفاءة والاحترافية فى مختلف المجالات.

الأسبوع الماضى كان أسبوعا حافلا، وكانت البداية فى أكاديمية الشرطة، يوم الاثنين الماضى، ثم كان حسن الختام يوم الخميس على أرض الكلية الحربية، وتخريج دفعة جديدة فى الكليات العسكرية (الحربية، والفنية العسكرية، والجوية، والدفاع الجوى، والبحرية، والكلية العسكرية التكنولوجية، وكلية الطب العسكرى)، بالإضافة إلى مشاركة خريجى أكاديمية الشرطة، وأوائل الجامعات المدنية مما يعكس صورة الالتحام بين أبناء المجتمع من الخريجين من الكليات العسكرية، والمدنية، وأكاديمية الشرطة.

يوم الخميس الماضى، تم تخريج دفعة من الضباط الجدد الذين تدربوا على أحدث المنظومات القتالية والمناهج العلمية، ليكونوا على موعد مع استمرار مسيرة خير أجناد الأرض، رافعين علم مصر، ومدافعين عن كل شبر من الأرض المصرية، وملتزمين بعقيدة لا تتغير ولا تتبدل «النصر أو الشهادة».

ما حدث خلال السنوات الثمانى الماضية فى مسيرة القوات المسلحة والشرطة يستحق التوقف أمامه طويلا، بعد النجاح الهائل فى تخطى مرحلة من أصعب الفترات التى مرت على الدولة المصرية فى العصر الحديث.

انهارت الشرطة بعد 25 يناير 2011 نتيجة الضغوط العنيفة عليها، واضطرت القوات المسلحة للنزول إلى الشوارع، لحفظ الأمن والاستقرار، وتعرض الجيش المصرى لعملية «إجهاد» ضخمة، كان الهدف منها النيل من إرادته الصلبة، لكن خير أجناد الأرض نجحوا فى الوقوف بصلابة وقوة، محافظين على أمن وأمان المصريين، وساندوا قوات الشرطة، حتى عادت «قوية» و«عفية» بسرعة غير مسبوقة، ليقف رجال الجيش والشرطة صفا واحدا، ويدا بيد مع الشعب المصرى.

خاض الجيش والشرطة معركة «حامية الوطيس» ضد الإرهاب، الذى كان قد «تغلغل» إلى مناطق كثيرة، إلا أنه وفى فترة قصيرة من عمر الزمن، نجحت القوات المسلحة والشرطة فى تطهير الأراضى المصرية من دنس الإرهاب، وتجفيف منابعه، وتحويل كل العناصر الإرهابية إلى قتلى أو مسجونين أو معزولين، ليس لهم سند أو ظهير.

كان التحدى صعبا، والتكلفة باهظة، ولكنها بسيطة إذا ما قورنت بأمن مصر وأمانها، واستقرار وأمان 104 ملايين مصرى.

أعود بذاكرتى إلى الوراء قليلا حينما أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى العملية الشاملة للقضاء على الجماعات التكفيرية والإرهابية فى 9 فبراير 2018 من أجل تطهير سيناء والدلتا، والظهير الصحراوى غرب وادى النيل من كل تلك العناصر، واستئصالها، وتجفيف منابعها، بعد ترويع هذه الجماعات شعب مصر الآمن، والهجوم على مسجد «الروضة» فى بئر «العبد»، الذى أسفر عن مقتل 305 أفراد كانوا يؤدون صلاة الجمعة فى المسجد.

شاركت فروع القوات المسلحة (القوات الجوية، والقوات البحرية، وقوات حرس الحدود)، إلى جوار قوات الشرطة المصرية من أجل قطع خطوط الإمداد عن العناصر الإرهابية، واستهداف بؤر وأوكار الإرهابيين، وزيادة إجراءات التأمين على المنافذ الحدودية، وقبل كل ذلك وبعده حماية المواطنين، وحماية المناطق السكنية، وتأمين أمن واستقرار السكان فى المناطق المستهدفة.

نجحت العملية الشاملة فى تحقيق أهدافها المرسومة بدقة، ودبت الحياة مرة أخرى فى العريش، وبئر العبد، والشيخ زويد، وكل المناطق الأخرى.

تذكرت كل ذلك وأنا جالس بين الحضور، الخميس الماضى، فى الكلية الحربية حينما كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يتحدث عن قدرة مصر على تخطى الأزمات الاقتصادية الراهنة نتيجة أحداث الحرب الروسية ــ الأوكرانية، التى كلفت الاقتصاد العالمى تكلفة باهظة، وانتقلت بالضرورة إلى جميع اقتصادات دول العالم بدرجة أو بأخرى ومنها الاقتصاد المصرى.

ذكر الرئيس حجم التضحيات التى بذلها رجال الجيش والشرطة، والشهداء الذين ضحوا بأنفسهم، مؤكدا أن كل هذه التضحيات لم تذهب هباء، حيث نجحت الدولة فى تخطى كل الصعاب، ومواجهة الإرهاب، وظل الوطن شامخا قويا عزيزا.

لا الجيش المصرى الآن، ولا الشرطة المصرية كما كانوا قبل ثمانى سنوات، بعد أن تغير الوضع بدرجة كبيرة، وأصبح الجيش المصرى، طبقا للتصنيف الأحدث من «جلوبال فاير باور» ، ضمن أقوى جيوش العالم، حيث أصبح الجيش المصرى رقم «1» فى الترتيب الإقليمى للدول العربية والشرق الأوسط، والجيش الـ12 ضمن أقوى جيوش العالم، متقدما على دول عديدة أخرى.

تصنيف «جلوبال فاير» يعتمد على العديد من المعايير، منها القدرة المحتملة لكل دولة على شن الحرب عبر البر والبحر والجو، ومراعاة وسائل القوة التقليدية، بدءا من القوة البشرية، والقدرة على التمويل وغيرها من العوامل العسكرية والبشرية والتجهيزات.

هكذا عاد الجيش المصرى ضمن أقوى جيوش العالم، والأقوى فى الشرق الأوسط وإفريقيا والعالم العربى، مما يدعو للفخر والاعتزاز، ويسهم فى تعميق مشاعر الأمن والأمان لكل أبناء الشعب المصرى.

لا يمكن لأى دولة أن تتقدم أو تجد لها مكانا تحت شمس العالم المضطرب، والمتوتر دائما، إلا إذا كان لها جيش قوى قادر على حماية أراضيها وردع الأعداء أينما كانوا.

أفراد الجيش (ضباط وجنود) هم خير أجناد الأرض، كما جاء فى الحديث الشريف عن عمرو بن العاص، رضى الله عنه: حيث قال حدثنى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض»، فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟، قال: «لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة»، وفى رواية أخرى: « إذا فتح الله عليكم مصر، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن فيها خير جند الله»، «وإن جند مصر من خير أجناد الأرض، لأنهم وأهلهم فى رباط إلى يوم القيامة».

هذه هى نبوءة النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، التى تحققت على أرض الواقع فى معارك كثيرة ضد التتار، والحملات الصليبية، ومعارك أخرى كثيرة فى العصر الحديث، أعظمها نصر أكتوبر فى 1973.

ولأن العالم يتغير ويتطور بسرعة، فقد كان من الضرورى مواكبة تلك التطورات، والتسلح بالعلم والمعرفة، لتأهيل ضباط القوات المسلحة، وتوفير كل الإمكانات اللازمة لهم، للحفاظ على لياقتهم البدنية والفكرية، وتوفير البيئة التعليمية المناسبة، لتكون حاضنة مهيأة لذلك.

من أجل ذلك تحولت الكليات العسكرية إلى خلايا عمل لا تهدأ من أجل إمداد الطلبة الجدد بكل الوسائل اللازمة للتدريب، والمزج بين الدراستين النظرية والعملية، بالإضافة إلى تطوير المنظومة التعليمية للكليات العسكرية، لدراسة العلوم والمواد المدنية إلى جوار العلوم العسكرية، بحيث يكون بكالوريوس العلوم العسكرية مضافا إليه بكالوريوس العلوم المدنية مثل العلوم السياسية فى الكلية البحرية، والهندسة فى الفنية العسكرية، وهكذا فى مختلف الكليات العسكرية.

أخيرا، أعتقد أنه ليست مصادفة أن تواكب حفلات تخرج الكليات العسكرية وكلية الشرطة احتفالات نصر أكتوبر العظيم الـ49، وإنما جاء ذلك تأكيدًا لقدرة مصر على عبور كل أزماتها، والخروج منتصرة منها قريبا ــ إن شاء الله ــ بعد أن نجحت فى السابق فى التغلب على أزمات أكثر حدة وشراسة، كما حدث فى معاركها العسكرية فى حرب أكتوبر المجيدة، والحرب على الإرهاب، أو غيرها من الأزمات الأخرى، الصحية والاقتصادية، العالمية التى هبطت على العالم دون سابق إنذار.

Back to Top