إعلان شرم الشيخ لإنقاذ 3 مليارات نسمة
إعلان شرم الشيخ لإنقاذ 3 مليارات نسمة
بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
لم تكن زيارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، لمصر، أمس الأول، مجرد زيارة عادية، وإنما كانت زيارة لها مغزى كبير، حيث أصر الرئيس الأمريكى على الحضور فور انتهاء انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى، ووسط جدول خارجى مشحون ومضغوط.
شعرت بالفخر والاعتزاز حينما أشار الرئيس الأمريكى، فى كلمته خلال لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى أن مصر هى المكان الأنسب لعقد قمة المناخ «COP 27»، لأنها «أم الدنيا» و«أم الحضارات».
المعنى نفسه أشار إليه فى كلمته أمام المؤتمر، حيث قال: «رسالتنا هنا فى مصر، حيث الأهرامات والآثار العريقة الشاهدة على عبقرية البشرية، هى منع وقوع كارثة مناخية».
رسالة تقدير لمصر ودورها الحضارى حملها «بايدن»، وكل من حضر هذه القمة العالمية، بعد أن نجحت قمة شرم الشيخ فى أن تكون جسرا لإنقاذ البشرية، كما كانت الحضارة المصرية سابقا ملهمة للحضارات الإنسانية على مدى تاريخ طويل وممتد.
فى بداية انعقاد القمة، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أن العالم سوف يعبر مرحلة جديدة بميلاد الطفل «رقم 8 مليار»، ليتجاوز عدد سكان العالم هذا الرقم الهائل، ويطوى حقبة الـ7 مليارات.
فى ظل الحقبة المليارية الجديدة لم يعد هناك أمام البشرية سوى خيار التعاون أو الهلاك، وإما أن يكون هناك عهد جديد للتضامن المناخى أو عهد للانتحار الجماعى للعالم.
كل المؤشرات تشير إلى نجاح غير مسبوق لقمة المناخ فى شرم الشيخ «COP 27»، بعد أن شارك فيها أكثر من 90 من زعماء ورؤساء وقادة دول العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى، جو بايدن، الذى حرص على المشاركة فور انتهاء أعمال انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى، وقبل أن يذهب إلى قمة دول آسيان، وقمة العشرين.
فى رأيى أن الحضور المكثف وغير المسبوق لقادة وزعماء العالم جاء نتيجة عاملين: الأول يتعلق بمصر، وقائدها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتقدير العالم مكانة مصر، ودورها، وتاريخها الحضارى، وحاضرها المشرق، ومستقبلها الواعد.
الثانى يتعلق بخطورة قضية المناخ، وتأثيراتها المدمرة على حاضر ومستقبل نصف سكان الكرة الأرضية تقريبا بشكل مباشر، بالإضافة إلى تأثيراتها غير المباشرة على كل سكان العالم، حيث لم تعد آثار تغير المناخ مجرد توقعات، وإنما أصبحت واقعا ملموسا.
كانت باكستان هى آخر الضحايا، حيث بلغت خسائرها ما يقرب من 30 مليار دولار، وتحتاج الآن وبشكل عاجل وفورى إلى ما يقرب من 17 مليار دولار، لإعادة إعمار المناطق التى دمرتها الفيضانات.
أما فى إفريقيا، فقد تأثرت مناطق عديدة فى نيجيريا، وغرب إفريقيا، وضربت الفيضانات هناك أكثر من ثلثى نيجيريا، مما أدى إلى وقوع خسائر هائلة، وامتدت الآثار السلبية للتغيرات المناخية إلى مناطق عديدة فى الصومال وتشاد، ومناطق كثيرة فى غرب إفريقيا، مما أدى إلى إشعال الصراع والعنف المسلح بين المزارعين والرعاة بسبب فقدان سبل العيش.
لكل هذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسى محقا حينما طالب بأن تكون قمة شرم الشيخ هى قمة التنفيذ، بعيدا عن الوعود التى لا تنفذ، مشيرا إلى أنه على الرغم من التحديات التى واجهت العالم خلال الفترة الماضية، فإنه مازال هناك ظلال من الشك وعدم اليقين إزاء القدرة على الوصول إلى أهداف «اتفاقية باريس»، وحماية كوكب الأرض.
طالب الرئيس كل زعماء وقادة العالم بتنفيذ الوعود، وتحويلها إلى واقع من أجل صنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وحمايتها من نتائج أخطاء لم ترتكبها.
إعلان شرم الشيخ، الذى أطلقته رئاسة قمة المناخ «COP 27» ترجم الآمال والطموحات إلى أهداف محددة من أجل حماية ودعم المجتمعات الفقيرة والأشد فقرا فى مواجهة التغيرات المناخية.
تشمل هذه الأهداف 30 هدفا بحلول 2030، لتحسين حياة المتضررين المحتملين الذين تزيد أعدادهم على 3 مليارات نسمة من إجمالى عدد سكان العالم، وذلك من خلال إقامة نظم إنذار مبكر من أجل مساعدة المتضررين على الاستعداد لمواجهة المخاطر، وفتح باب الاستثمار فى زراعة أشجار «المانجروف»، والإسراع فى التكيف مع تغير المناخ فى مجالات: الأغذية، والزراعة، والمياه، وحماية السواحل، وغيرها من المجالات.
لقد تابعت المؤتمر الصحفى الذى عقده سامح شكرى، وزير الخارجية رئيس مؤتمر «COP 27»، بعد إعلان أجندة شرم الشيخ، والذى كان حريصا فيه على توضيح خطورة اللحظة الحالية، وأهميتها فى مواجهة التغيرات المناخية.
لفت انتباهى لغة التفاؤل التى تحدث بها حينما أشار إلى وجود هذا العدد الضخم من زعماء وقيادات العالم، وربط بين هذا الحضور الكثيف وبين جدية قادة العالم فى مواجهة أزمة المناخ، وعدم تراجعهم عن الوفاء بالتزاماتهم، والإبقاء على هدف الحفاظ على عدم زيادة درجة الحرارة عن 1.5 درجة، وما يتطلبه ذلك من الوفاء بالتمويل اللازم.
من بين النجاحات التى تحققت فى شرم الشيخ أيضا أنه، لأول مرة فى تاريخ مؤتمرات المناخ، يتم الوصول إلى توافق بين الحاضرين على تضمين مبدأ الخسائر والأضرار، وإدراجها ضمن أجندة المؤتمر، حيث احتاج هذا الأمر إلى جهد هائل ووقت طويل، حتى تم التوصل إلى توافق بشأن ذلك المبدأ، مما يتيح الفرصة أمام الدول المتضررة من التأثيرات المناخية للمطالبة بالتعويضات المناسبة لتلك الأضرار.
أعتقد أن التوصل إلى هذا الاتفاق يفتح الباب أمام ما يمكن تسميته «العدالة المناخية»، لأنه ليس من المعقول أو المقبول أن تتسبب دول بعينها، لا يزيد عددها على عدد أصابع اليدين، فى إلحاق الضرر بالمناخ بنسبة تزيد على ٥٠٪ من حجم الأضرار، فى حين تكون الخسائر الأكبر من نصيب دول لم تتسبب فى الإضرار البيئى إلا بنسبة لا تكاد تذكر.
تحقيق مبدأ «العدالة البيئية» لن يتحقق ألا بتحمل الملوثين الكبار فاتورة الكوارث البيئية التى تسببوا فيها، والتى قدرتها الدراسات بنحو 400 مليار دولار سنويا بحلول 2030، ويبلغ نصيب الدول النامية من هذه الأضرار نحو 290 مليار دولار على الأقل.
ليس مستحيلاً إنقاذ العالم الآن، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته الافتتاحية، لكن لابد أن تتوافر الإرادة والنية الصادقة، والمؤكد أن قمة شرم الشيخ نجحت فى إيقاظ العالم من «السبات العميق»، وتحويل النيات والأمنيات إلى واقع، وهو ما ظهر جليا فى العديد من المبادرات العالمية التى قدمتها الكثير من دول العالم مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات، والنرويج، والاتحاد الأوروبى، ثم كانت مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية، التى أعلنها الرئيس الأمريكى، جو بايدن، خلال كلمته أمام قمة شرم الشيخ.
«بايدن» أكد اعتماد الكونجرس الأمريكى أكبر قانون مناخى، يقدر بنحو 368 مليار دولار، للتحول إلى الكهرباء النظيفة من الرياح والطاقة الشمسية، والالتزام بمبدأ «السيارات صفرية الانبعاثات»، وكذلك الحال فى وقود الطائرات، بالإضافة إلى الطاقة المستخدمة فى الصناعة والزراعة.
ليس هذا فقط، لكنه أعلن تقديم 500 مليون دولار منحة إلى مصر، للتحول إلى الطاقة الخضراء، بالإضافة إلى 150 مليون دولار، بالتعاون مع مصر، لدعم دول القارة الإفريقية فى مواجهة التغير المناخى.
الموقف الأمريكى جاء نتيجة جدية مصر فى هذا المجال، وتجاربها الرائدة فى التحول إلى الطاقة النظيفة والخضراء، حيث تملك مصر رابع أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى العالم فى «بنبان». كما تملك محطة ضخمة لتوليد الطاقة من الرياح، بالإضافة إلى التزامها بخطة إستراتيجية شاملة فى هذا المجال ضمن خطتى 2030 و2050.
أخيرا يمكن القول إن مصر نجحت فى أن تكون صوتا للقارة الإفريقية، وضميرا حيا لشعوب العالم بحكم تراثها الحضارى، وعراقة شعبها، وقيادتها الحكيمة، فكانت محل ثقة واحترام قادة وزعماء العالم الذين حرصوا على المشاركة الإيجابية، وتحويل النوايا الطيبة إلى تعهدات والتزامات، والمهم من الآن فصاعداً تنفيذ هذه التعهدات والالتزامات قبل فوات الآوان.