مكاسب وتحديات قمة شرم الشيخ للمناخ
مكاسب وتحديات قمة شرم الشيخ للمناخ
بقلب مطمئن، يمكن القول إن أزمة التغيرات المناخية هى الأزمة الأخطر التى تواجه البشرية الآن بلا منازع، وتهدد مستقبل الكرة الأرضية بأكملها.
صحيح كانت هناك أزمات عديدة واجهت العالم من قبل إلا أن هذه الأزمات لم تدوم طويلا، وظهرت حلول لها، عاجلا أم آجلا.
الحربان العالميتان الأولى والثانية انتهيتا على الرغم من مرارة خسائرهما، والأزمة المالية العالمية التى حلت بالعالم فى ثلاثينيات القرن الماضى انتهت، وأصبحت فى ذاكرة التاريخ، وهو ما حدث أيضا فى الأزمة الاقتصادية العالمية فى ٢٠٠٨.
حتى وباء «كورونا» بدأ ينحسر، وبدأ العالم يستعيد عافيته من جديد، كما حدث فى أوبئة أخرى سابقة مثل الكوليرا والطاعون، وغيرهما.
أيضا، فإن الحرب الروسية ــ الأوكرانية سوف تتوقف يوما ما، عاجلا أم آجلا، مثلما بدأت بعض الأزمات الناتجة عنها تنحسر مثل أزمة المواد الغذائية التى وجدت طريقها للحل بتوقيع اتفاق تصدير الحبوب، وتمديده خلال الأيام القليلة الماضية.
هكذا، فإن كل الأزمات التى يواجهها العالم تجد طريقها للحل بمرور الوقت بعكس أزمة المناخ، التى تتفاقم بمرور الوقت، ويمكن أن تؤدى إلى هلاك البشرية إذا لم تكن هناك إرادة عالمية جادة وحقيقية، لمواجهة تلك الأزمة العاتية التى باتت تطرق أبواب الكرة الأرضية بعنف، وتضرب بلا هوادة فى مناطق كثيرة من العالم مثل غرب إفريقيا، وباكستان، وإندونيسيا، والكثير من دول العالم.
باختصار، فإن أزمة التغيرات المناخية هى الأزمة الأخطر التى تواجه البشرية، وتحتاج إلى تكاتف أممى من نوع خاص، لترويض تلك الكارثة، والحد من مخاطرها قبل أن تخرج عن السيطرة، وتغتال البشرية بأكملها.
من هنا تأتى أهمية قمة شرم الشيخ للمناخ «COP27»، التى نجحت مصر فى تنظيمها، وإدارتها بشكل كان محل إعجاب وتقدير كل المشاركين فى هذه القمة والمتابعين لها.
قمم المناخ ليست جديدة، ودورتها فى شرم الشيخ هى الدورة الـ27، ومعنى ذلك أن هناك قمما كثيرة عقدت من قبل فى العديد من بلدان العالم، لكن أن تكون تلك القمة محل إعجاب وتقدير من كل المشاركين الذين شاركوا من قبل فى القمم المناخية السابقة، فهذا يعنى أن هذه الدورة من قمة المناخ كانت أكثر نجاحا، وأكثر تألقا، وأدق تنظيما، والأهم من كل ذلك أنها تحوّلت إلى «قمة تنفيذ»، وتحويل التوصيات والقرارات إلى حيز التنفيذ، لبدء رحلة الحلول، وإنقاذ المليارات من البشر.
ولأن المناقشات كانت «ساخنة» و«حيوية» طيلة الوقت، فقد كان من المقرر أن تنتهى قمة شرم الشيخ أمس الأول «الجمعة» إلا أن المشاركين طالبوا بمد العمل فى المؤتمر، واستجابت رئاسة المؤتمر لذلك، وأعلن سامح شكرى، وزير الخارجية رئيس المؤتمر، مد عمل المؤتمر إلى أمس من أجل التوصل إلى حلول شاملة ومتوازنة، خاصة فى قضايا التمويل، والتخفيف، والتكيف، والأضرار، والخسائر، والروابط بين كل هذه القضايا، لمواجهة التغيرات المناخية.
لمناقشة مكاسب مؤتمر شرم الشيخ، والتحديات التى تواجه العالم خلال المرحلة المقبلة، تحدثت إلى د. محمود محيى الدين، رائد المناخ المصرى، حول رؤيته لمكاسب المؤتمر، والنقلة الهائلة التى أضافتها أجندة شرم الشيخ للتكيف المناخى فى هذا الملف الشائك والخطير، الذى يرتبط بمستقبل البشرية بشكل مباشر.
فى البداية، أكد د. محمود محيى الدين أن نجاح مؤتمر شرم الشيخ كان وراء المكاسب التى تحققت، لأنه لولا هذا النجاح لم تكن هناك مكاسب أو حلول للمشكلات القديمة أو الجديدة.
وأضاف: أن نجاح مؤتمر شرم الشيخ لم يكن وليد انعقاده، وإنما سبقه جهد ضخم وهائل للدولة المصرية بكل أجهزتها المعنية، وهيئاتها، وحكومتها، وجهد شخصى وخاص من الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال فترة ما قبل انعقاد المؤتمر، وهو ما جعل المؤتمر يظهر بهذه الصورة «المشرفة» لكل المصريين والعرب والأفارقة، وكان محل إشادة من كل المشاركين، سواء من الحكومات والجهات الرسمية، أو من الأطراف غير الرسمية من المنظمات، والهيئات، والناشطين فى هذا المجال، وكل الجهات الأخرى.
هذا الاستعداد الرائع أسهم فى تحويل المؤتمر إلى مؤتمر حاشد، ونجحت مصر بذكاء فى وضع أجندة مختلفة للمؤتمر عن المؤتمرات السابقة، حيث ضمت أجندة مؤتمر شرم الشيخ محاور متعددة، منها «الأمن الغذائى، والقطاع الزراعى، والمياه والرى، والبنية الأساسية، وحماية الشواطئ من النحر، والنظم المساندة للمدن واستدامتها»، وغير ذلك من المحاور الأخرى ذات الصلة بقضية التغيرات المناخية.
أيضا وضعت مصر، لأول مرة، الشباب فى قلب العمل المناخى، حيث تم إطلاق جناح للأطفال والشباب فى مؤتمر الأطراف باتفاقية المناخ جنبا إلى جنب مع قادة العالم، والوزراء، والفاعلين البارزين من الدول والمندوبين الآخرين، وذلك فى إطار الدعوة الجادة «معا من أجل التنفيذ».
وأصبحت الزراعة، والمياه، والطاقة، والتنوع البيولوجى، وكل القضايا ذات الصلة موجودة، وبقوة، على مائدة العمل المناخى، مشيرا إلى أن قضية التنوع البيولوجى تمت مناقشتها، وبقوة، فى شرم الشيخ، وربطت تلك المناقشات بينها وبين قمة التنوع البيولوجى الـ15، التى من المقرر عقدها فى كندا خلال المرحلة المقبلة.
.. وماذا عن إفريقيا ومشكلاتها مع التغيرات المناخية؟
أجاب د. محمود محيى الدين: إفريقيا كانت حاضرة وبقوة، وكانت مصر هى صوت إفريقيا القوى، حيث تم التجهيز المسبق لذلك من خلال عقد العديد من اللقاءات المسبقة لرئاسة قمة شرم الشيخ مع الاتحاد الإفريقى، وكذلك مع أمريكا اللاتينية، وآسيا، والمجموعة العربية، والمجموعة الأوروبية، وغيرها من التجمعات الإقليمية والأسواق الناشئة.
هذا التحرك الجاد المسبق لعقد القمة انعكس على كثافة الحضور والمشاركة، وجدية المناقشات وحيويتها، والنتائج الطيبة والمتميزة للقمة التى سيتم العمل على متابعة تنفيذها من خلال رئاسة مصر للقمة على مدى عام، حتى تنعقد القمة المقبلة (COP28) فى الإمارات العربية المتحدة العام المقبل.
.. وماذا عن المشروعات الخضراء التى تم إطلاقها خلال المؤتمر؟
أجاب: تم إطلاق نحو ٦٢٠٠ مشروع من المشروعات الخضراء فى كل محافظات مصر تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، وشاركت فيها المشروعات القومية الكبرى، و«حياة كريمة»، والمشروعات الناشئة، والتنمية المحلية.
النظيفة والمتجددة فى مجالات: الطاقة الشمسية، والرياح، والهيدروجين الأخضر، ونزع الكربون من صناعات الأسمنت والحديد.
وأضاف: مازال المشوار طويلا لإحداث التوازن المأمول فى تمويل إجراءات التكيف والتخفيف، ليصبح العالم أكثر قدرة وتأهلا على مواجهة المخاطر المستقبلية.
أخيرا.. يبقى القول إن الختام الناجح لأعمال مؤتمر شرم الشيخ «COP27» لا يعنى انتهاء الدور المصرى فى هذا المجال، لأن رئاسة مصر للمؤتمر مستمرة لعام كامل، ولحين انعقاد المؤتمر المقبل، وهو ما يعنى وجود دور مصرى نشيط على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية، لاستثمار نجاح المؤتمر، وتفعيل ما تم التوصل إليه، وتنفيذه من خلال المتابعة المستمرة والفاعلة، لتقوم مصر بدورها الحضارى فى مواجهة القضية الأخطر على الإطلاق التى تواجه البشرية منذ بدء الخليقة حتى الآن.